ميزانيات أحزاب المعارضة هل يمكن الاطلاع عليها وتحليل بنودها ومعرفة مصادرها والوقوف علي دلالة مصادر التمويل تلك وأوجه انفاقها؟ المفاجأة.. حين تعرضنا لهذا الموضوع.. رفض بعض الأحزاب اطلاعنا علي ميزانيتهم واعتبارها سرية، هذا في الوقت الذي تطالب فيه هذه الأحزاب ليل نهار بالشفافية والمكاشفة واطلاع الجماهير علي كل الحقائق الخاصة بالحزب الوطني الحاكم. وخلال تنقلنا بين ما أتيح لنا الاطلاع عليه من ميزانيات الأحزاب اتضح أنها تتراوح ما بين 25 مليون جنيه بالنسبة لحزب الوفد و5 ملايين جنيه لحزب التجمع و80 ألف جنيه لحزب الجيل، وكان السؤال كيف تمول هذه الميزانيات وكيف تنفق وما حجم التبرعات وما مصادرها وماذا عن دور الأحزاب في الإنفاق علي الأنشطة الجماهيرية لتوسيع قاعدة تواجدها في الشارع المصري خاصة أن بعضها يشتكي من انحسار شعبيته.. كل ذلك من خلال ما توضحه ميزانياتها. ممثلو الأحزاب وقياداتها يجيبون عن تساؤلات ل "الأسبوعي": في البداية نفي حسين عبدالرازق عضو اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع أن تكون ميزانيات الأحزاب سرية موضحاً أن الحزب يعد ميزانية كل عام ويراجعها الجهاز المركزي للمحاسبات، وتعتمد من المؤتمر العام للحزب وتوزع نسخ منها علي الأعضاء وقبل رده علي بنود الاتفاق يوضح حسين عبدالرازق أن الأحزاب عادة ما تقتصر مواردها علي الاشتراكات والتبرعات وغير مسموح لها طبقاً للمادة (11) من قانون الأحزاب بأن تستثمر أموالها في أي عمل تجاري يحقق لها أرباحاً، كما أن قانون الأحزاب يلزم الحزب عندما يتلقي تبرعات تصل قيمتها ل 500 جنيه دفعة واحدة أو تتجاوز ألف جنيه علي مدار العام بنشر ذلك في صحيفة يومية، وطبعاً نعلم جميعاً أن ثمن هذا الإعلان يفوق مبلغ التبرع المطلوب نشره، لذلك توافقت جميع الأحزاب علي عدم اتباع ذلك مخالفة للقانون وحتي الحزب الوطني والذي أعلن زكريا عزمي في مؤتمر الحزب الأخير أنه تلقي تبرعات حوالي 2 مليون جنيه ولم ينشر إعلان بذلك في صحيفة. ويضيف عبدالرازق أن أولويات الانفاق في ميزانية حزب التجمع هي دفع ايجار مقار الحزب والمرافق من كهرباء وتليفونات وأجور أما حين يتصدي الحزب لعمل جماهيري فإن تمويله يتم من خلال جمع تبرعات خاصة بهذا العمل، لدرجة أننا قمنا منذ انتخابات مجلس الشعب الماضية بتأسيس صندوق خاص للتبرعات التي يتلقاها الحزب لتمويل ترشيح أعضائه للدورة القادمة وتم فتح حساب خاص بأحد البنوك لتحصيل هذه التبرعات. أما محمود الصباحي نائب رئيس حزب الأمة فقد تحفظ علي اطلاعنا علي ميزانية حزبه واعتبر أنها من أسرار الحزب(!) ومع ذلك قال إن إيرادات الأحزاب مال عام يراقبه الجهاز المركزي للمحاسبات، وأضاف أنه لا يمكن مقارنة بنود الانفاق في ميزانية أي حزب بميزانية الحزب الوطني والذي اعتبره الصباحي مؤسسة حكومية تستخدم إمكانات وأموال الدولة للصرف علي أنشطته وليس حزباً شعبياً كباقي الأحزاب علي حد تعبيره . وأكد الصباحي أن ميزانية حزب الأمة فقيرة جداً حيث تعتمد بنسبة كبيرة علي ال 50 ألف جنيه التي تتلقاها من الحكومة وانتقد الصباحي ضآلة هذا المبلغ وأكد أنه يقل عن المكافأة التي يتلقاها رئيس أية شركة عن إعداد الميزانية السنوية، وأضاف ان هناك خللاً دائماً في ميزانية الحزب فعادة ما تكون المصروفات أكبر من الإيرادات. .. ضئيلة واعتبر الصباحي ان ضآلة ميزانية أحزاب المعارضة تعوقها عن تكوين قاعدة جماهيرية والإنفاق علي أنشطة جاذبة للجماهير. وفي المقابل أرجع الصباحي ضخامة ميزانيتي حزبي "الوطني" و"الوفد" إلي تبرعات كبار رجال الأعمال الذين ينضمون عادة إما للحزب الوطني لاستثماره لمصالحهم وزيادة أموالهم ونفوذهم، وإما لحزب الوفد لمن له جذور عائلية وفدية يرغب في الحفاظ عليها. الصباحي الذي أكد أن الأحزاب هيكل من هياكل الدولة تساءل مستنكراً عن كيفية نمو النشاط في الأحزاب في ظل قصور مواردها وعجزها عن الإنفاق علي النشاطات التي من شأنها تدعيم الروابط مع القواعد والأعضاء. أما ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل فيري أن أحزاب المعارضة باستثناء الوفد ليس لها ميزانيات مفسراً ذلك بأنها لا تجد من يمولها ومعتبراً ان الأحزاب الجديدة تحديداً مظلومة مقارنة بالأحزاب القديمة والتي حصلت علي مقار مجانية من ممتلكات الاتحاد الاشتراكي السابق. وعن ميزانية حزب الجيل قال الشهابي إن مصروفات الحزب في القاهرة تصل إلي 80 ألف جنيه سنوياً، منها 50 ألف جنيه تدفعها الحكومة و30 ألفاً من حصيلة اشتراكات وتبرعات الأعضاء. وأضاف أن الحزب ينفق هذه الأموال علي المقار، فهو يؤجر مقراً في شارع رمسيس ب 1800 جنيه شهرياً ويدفع 500 جنيه للكهرباء و600 جنيه للتليفونات و1500 جنيه مرتبات شهرية لعدد ضئيل من الموظفين. وعن الانفاق علي الأنشطة الجماهرية للأحزاب، والذي يختفي من ميزانياتها، قال الشهابي إن الأحزاب ليس من المفترض أن تقوم بدور الحكومات وتنفق بدلاً منها علي الخدمات الجماهيرية! ونفي الشهابي تفسير رفض الأحزاب لاظهار ميزانياتها بأن ذلك يعكس خوفها من كشف التمويل الأجنبي وقال إن التمويل الأجنبي ترفضه الحكومة وبالتالي فان الحزب الذي يحصل عليه لن يظهره في ميزانيته واتهم الحكومة بأنها تضع رأسها في الرمال حين تمنع الأحزاب من تلقي تمويل أجنبي وفي نفس الوقت تلقي إليها بالفتات من التبرعات الهزيلة. أما الدكتور فوزي غزال رئيس حزب مصر 2000 فقد انتقد مبلغ ال 50 ألف جنيه التي تقررها الحكومة كدعم سنوي لكل حزب معارض وقال إن قانون الأحزاب الجديد يعرض زيادتها إلي 100 ألف جنيه ومع ذلك فان الميزانية بحساب الشهر ستكون حوالي 8 آلاف جنيه فقط وهي مصروفات أسرة متوسطة علي حد تعبيره ويتساءل: كيف تكفي للإنفاق علي حزب مفترض أن يكون لديه مقار في جميع المحافظات؟! وقال إنه لا يبقي من تمويل محتمل أمام أي حزب سوي طلب التبرعات من رجال الأعمال وهو ما يعني زيادة احتمالات سيطرتهم علي الحزب وتوجيه سياسته لمصالحهم، حيث من المعروف أن من يملك أن يمول الآن يملك أن يحجبه في وقت آخر، وأن مصالح الحزب ستتحول إلي حكر علي رجال الأعمال المتبرعين ليتحكموا فيها ويوجهوا الحزب في اتجاهها، وأضاف حتي تبرعات واشتراكات أعضاء الحزب لا يمكن التعويل عليها في ظل ضعف الحالة الاقتصادية للمواطنين بصفة عامة، فضلاً عن آثار قانون الطوارئ والتي وضعت عقبة أمام الأحزاب لتوسيع نشاطاتها والالتقاء بالجماهير في الشارع المصري، ولذلك ليس أمام الأحزاب لكي تحفز المواطنين للاشتراك فيها سوي التنازل عن الاشتراكات والتبرعات. وأضاف غزال أنه يمول مصروفات حزبه من جيبه الخاص وأن حزبه مديون وليس في استطاعته الإنفاق علي أنشطة جماهيرية لأنه حتي لو توافرت الإمكانات فان الحكومة ستعوق تلك الأنشطة وخير مثل علي ذلك أن حزب مصر 2000 قد فتح فصلاً صغيراً لمحو الأمية مجاناً كخدمة عامة للجماهير، ولكن أجهزة الدولة حاربته حتي أغلق أبوابه علي حد قوله وذلك لأن الحكومة لا تريد أن تشعر الجماهير بأن أي حزب معارض يقدم لها خدمات جيدة ربما ينظر إليها علي أساس اكتساب للشعبية ومنافسة للحزب الحاكم.. وأضاف أن الأحزاب محاصرة بقلة الإمكانات وتكبيل حرياتها.