لعل التوقيت الذي اختاره رفعت الأسد لإعلان عزمه علي العودة إلي سوريا لم ينبع من فراغ، فإعلان العودة الآن بعد عشرين عاما أمضاها في المنفي لها مغزاها، ولابد أنها ترتبط بتنسيق خارجي مع الولاياتالمتحدةوفرنسا كما أنها تأتي في إطار الضغوط المكثفة التي تستهدف سوريا في هذه المرحلة والتي لا تقتصر علي الضغوط التي تمارسها أمريكا وإنما تتعداها إلي ضغوط من قبل فرنسا وتحركات من قبل دول الجوار وأخص بالذكر العراق وإيران التي قام وزير خارجيتها بزيارة العراق مؤخرا وتزامن معه غزل رافسنجاني لأمريكا ويزيد الأمر سوءا موقف دول العالم العربي الأخري التي لا تدافع عن شقيق عندما يكون مستهدفا من قبل الآخرين والمواقف في مجموعها يراد بها التأثير علي سوريا اضعافا أو انكسارا في الداخل. * رياضة مفضلة! لذلك لم يكن مفاجئا أن يأتي إعلان رفعت الأسد عن قرب عودته إلي سوريا مع تصعيد الولاياتالمتحدة لهجومها علي سوريا، فلقد عادت تصريحات رايس وزيرة الخارجية لتسلط الضوء علي رياضة أمريكا المفضلة في التحرش بسوريا ويكفي ما أكدته "رايس" من أن سوريا ليست بمنأي عن التغييرات الجارية في المنطقة وأنها وراء دعم المسلحين في العراق وتمويلهم وتأتي تصريحات رايس هذه في أعقاب الحملة العسكرية الكبري التي شنتها أمريكا علي مدينة القائم والتي استغرقت أسبوعا قتلت فيه أمريكا العشرات من المدنيين العراقيين بدعوي تمركز مسلحين متمردين ومقاتلين أجانب غير أن الحملة انتهت ولم تعلن أمريكا أية أدلة تدعم هذا الادعاء. رفعت الأسد.. حاول رفعت الأسد الصيد في الماء العكر عندما ربط بين عودته وبين ما أسماه وضعا خطيرا في سوريا ورغبته في توحيد سوريا وحديثه عن وجوب تعديل الدستور والغاء المحاكم الاستثنائية وهو ما حاول بواسطته اظهار نغمة توافق مع دعوة الاصلاح التي تفرضها أمريكا علي دول المنطقة رغم أن التاريخ الأسود لرفعت الأسد يؤكد بأن الرجل لا يتمتع بأية مكانة شعبية، فلا ينسي له أنه كان المطرقة الحديدية التي هوت علي الاخوان المسلمين في بداية الثمانينيات وتظل الذكري "مغلفة" بالألم من جراء عمليات قواته "سرايا الدفاع" وبالتالي ماثلة أمام الجميع وطاردة لأية امكانية في التلاحم معه والقبول به كرمز إصلاحي داخل سوريا. اتساق المواقف استمر التحرش بسوريا واتخذ حملة اعلامية انخرط فيها عدد من المسئولين الأمريكيين العسكريين والمدنيين وعادت "رايس" إلي تجديد اتهام سوريا بدعم الارهابيين وجاء في نفس السياق موقف الحكومة العراقية الانتقالية، فخلال يوم واحد وهو يوم الجمعة الماضي تحدث كل من رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري ووزير التخطيط بنفس المنطق الأمريكي الذي يوجه الاتهامات إلي سوريا تصريحا لا تلميحا، فرأينا إبراهيم الجعفري في أنقرة يوم الجمعة الماضي وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع "أردوغان" يعلن أنه سيزور سوريا كي يبحث مع مسئوليها مدي ارتباطها بتسلل الأجانب إلي العراق عبر الحدود كما تحدث وزير الخارجية العراقي عن التسلل عبر الحدود مع سوريا وكذا فعل وزير التخطيط العراقي خلال مؤتمره الصحفي مع "رايس" وهكذا نجحت أمريكا في استمالة أقطاب الحكومة العراقية الانتقالية الجديدة ليتبنوا نفس النهج بعد أن كان الساسة العراقيون قد أكدوا من قبل بأن سوريا اتخذت كل الإجراءات لضبط حدودها مع العراق. تباين فج لقد ظهر التباين كبيرا بين تصريحات ساسة العراق من قبل وتصريحاتهم الآن التي تجزم بأن سوريا متورطة في عمليات تسلل المقاتلين الأجانب التي تدعي أمريكا بأنها تتم عبر حدودها والكلام ممجوج وغير مقبول ويبدو أن ساسة العراق اليوم وعلي رأسهم الجعفري قد نسوا التفاهم الذي كان الطرفان السوري والعراقي قد توصلا إليه حول ابرام اتفاقية أمنية بينهما وانتظرت سوريا وصول الوزير العراقي لتوقيعها بيد أنه لم يصل أبدا لأن أمريكا منعته من ذلك!! من المحتل؟ لاشك أن تصعيد أمريكا لحملاتها ضد سوريا هو عمل مبرمج في محاولة فيها إلقاء التبعة علي سوريا فيما يحدث في العراق الآن وكأن سوريا هي التي تحتل العراق! الفشل الأمريكي الواضح هو الذي يدفع بإدارة بوش إلي محاولة تحميل سوريا المسئولية ويرد التساؤل كيف يمكن لأمريكا رغم ما تملكه من قوات تزيد علي مائة وخمسين ألف جندي وأجهزة انذار وأجهزة الكترونية حديثة أن تفشل في تأمين الحدود من جهة العراق؟ إن كل ما يحدث علي أرض الواقع يؤكد بأن إدارة بوش ضالعة في فبركة الاتهامات لسوريا واحكام حلقة الضغوط عليها ولا يخفي ما لهذا من تأثير إعلامي ونفسي كبير بحيث تكون له آثاره السلبية علي سوريا الداخل وهذا ما تريد أمريكا تحقيقه في سعيها الحثيث لتنفيذ معادلة قلب الأنظمة.