ماذا فعلت حكومة الدكتور أحمد نظيف للاقتصاد المصري؟ وما محصلة سياساتها "الجديدة" بعد عشرة أشهر من توليها دفة حكم البلاد؟ تقرير "الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية" لعام ،2005 الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام والذي يرأس تحريره الزميل أحمد السيد النجار، قدم إجابة مفصلة عن هذين السؤالين من خلال عدد من المقاربات، أولها رصد وتحليل للتغير في سياسات إدارة الاقتصاد المصري، وفي حركة مؤشرات أدائه في ظل استمرار التضارب في البيانات الرسمية، وثانيها التحديات أمام الاستثمار في مصر وآليات مواجهتها، وثالثها اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز) بين مبررات القابلين بها والرافضين لها، ورابعها اتفاق الحريات الأربع بين مصر والسودان، وخامسها اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، وسادسها سوق الأسمنت المصري بين الخصخصة وسيطرة الأجانب، وأخيراً الاقتصاد المصري في مواجهة رياح التحرير.. الواقع والتحديات. وكل واحدة من هذه المقاربات تستحق عرضاً مستقلاً، وهي في مجملها تشكل جهداً كبيراً يعطي صورة متكاملة نسبياً لأوضاع الاقتصاد المصري الراهنة، وإن كان يؤخذ عليها غياب بعض العناصر الأساسية التي لا غني عنها كي تكون عملية تقييم أداء الاقتصاد المصري متكاملة وشاملة حقاً. ولعل أهم هذه العناصر الغائبة هو رصد الملامح الرئيسية للموازنة العامة للدولة وتحليل أبوابها وتوجهاتها وأرقامها تحليلاً نقدياً مستفيضاً. لكن ما أضفي علي "التقرير الخامس" حيوية كبيرة ذلك الفصل الذي تم استحداثه هذا العام والذي تضمن إجراء استطلاع لرأي عينة من كبار ومتوسطي رجال الأعمال للتعرف علي آرائهم في الأوضاع الراهنة للاقتصاد المصري، وتوقعاتهم بشأن المستقبل، وطبيعة المشكلات التي تواجههم والإصلاحات التي يتمنون حدوثها، وتوجهاتهم إزاء السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة الحالية. وقد تم تطبيق هذه الدراسة علي عينة من شركات القطاع الخاص في القاهرة والجيزة والإسكندرية وطنطا عددها 155 شركة تمثل مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي في مصر، مثل الصناعات التحويلية والإنشاء والتشييد والزراعة والتجارة والصحة والتعليم والسياحة والوساطة المالية وتجارة الجملة والتجزئة، كما راعت الدراسة الموازنة بين حجم الشركات المختارة في العينة علي أساس حجم العمالة، فتم اختيار 101 شركة، بنسبة 65.2%، توظف 100 عامل أو أكثر بالإضافة إلي 54 شركة توظف 50-99 عاملاً، بنسبة 34./% من العينة. وهي محددات تجعل العينة معبرة عن أهم قطاعات رجال الأعمال المصريين، الأمر الذي يضاعف أهمية هذا الاستطلاع. فما أهم النتائج التي أظهرتها هذه الدراسة؟ يمكن وصف الاتجاهات السائدة إزاء الأوضاع الاقتصادية في مصر بتفاؤل غير واثق أو تفاؤل حذر، فبينما يصف 52.6% من العينة الوضع الاقتصادي الراهن في مصر بأنه "جيد نوعاً ما" فيما يصفه 0.7% منهم بأنه "جيداً جداً" فان 28.3% من العينة يصفونه بأنه "سيئ نوعاً ما"، فيما وصفه 18.4% منهم بأنه "سيئ جداً" وبصفة عامة نجد أن من يقيمون الوضع الاقتصادي الراهن إيجابياً تبلغ نسبتهم 53.3% بينما تبلغ نسبة من يقيمونه سلبياً 46.7%. وبينما يكاد يكون مجتمع الأعمال منقسماً بالتساوي تقريباً بين أصحاب التقييم الإيجابي وأصحاب التقييم السلبي، فإن هذا الانقسام في حد ذاته يمكن اعتباره أمراً إيجابياً، علي الأقل بسبب مخالفته لكثير من الانطباعات السائدة، خاصة تلك الرائجة في كثير من وسائط الإعلام، والتي تميل للتركيز علي المصاعب التي يواجهها الاقتصاد وللمشكلات التي يواجهها قطاع الأعمال، أو تميل عادة إلي ترويج انطباعات جماعية غير واقعية تتجاهل وجود اختلافات كبيرة وواضحة بشأن أية قضية كأمر طبيعي في أي مجتمع يتمتع بحد أدني من الانفتاح. ولما كان تولي حكومة الدكتور أحمد نظيف والسياسات الاقتصادية الجديدة التي شرعت في تطبيقها يمثل أهم المتغيرات التي يمكن لها أن تؤثر علي الأوضاع الاقتصادية في المرحلة المقبلة، فان الاستطلاع كان مصيباً عندما تحسس الاتجاهات السائدة في مجتمع رجال الأعمال تجاه حكومة نظيف، ومن اللافت بهذا الصدد أن 72.1% من مفردات العينة عبروا عن تفاؤل محدود تجاه السياسات التي تطبقها الحكومة الجديدة مقارنة بالحكومة السابقة، بينما عبر 18.4% منهم عن تفاؤل كبير تجاهها، في حين عبر 8.2% منهم عن تشاؤم محدود، و1.3% عن مشاعر التشاؤم الشديد، أي إن النسبة التي تشعر بالتفاؤل تجاه سياسات الحكومة الجديدة قد بلغت 90.5% بينما لم تزد نسبة أصحاب المشاعر السلبية علي 9.5%.