منذ رفعت الولاياتالمتحدة أواخر السبعينيات من القرن الماضي شعار تحرير صناعة النقل الجوي استطاعت أن تفرض النموذج الأمريكي لهذا التحرير والذي أصبح يعرف باسم السماوات المفتوحة علي العديد من الدول شرقا وغربا الأمر الذي تخلت بمقتضاه تلك الدول عن القواعد التي أرستها اتفاقية شيكاغو عام ،1944 والتي نصت علي مبدأ المعاملة بالمثل من حيث عدد رحلات كل طرف مع تحديد دقيق للمدن التي يتم التسيير إليها في إقليم الطرف الآخر، الأمر الذي أتاح لشركات الطيران الأمريكية العملاقة فرصة السيطرة علي معظم أسواق هذه الدول. إلا أن الولاياتالمتحدة فشلت حتي اليوم في إقناع الاتحاد الأوروبي بإبرام مثل هذا الاتفاق الذي يكرس صالح شركات الطيران الأمريكية ويتجاهل مصالح الأوروبيين حيث تمثل عوائد حركة السفر والشحن الجوي بين الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أهمية بالغة للشركات الأوروبية. ومن هنا كان إصرار الاتحاد الأوروبي علي ضرورة قيام الولاياتالمتحدة أولا بتحقيق عدة شروط في مقدمتها الغاء احتكار الشركات الامريكية الجنسية لسوق النقل الأمريكي الداخلي، وازالة القيود التي تحول دون مشاركة رأس المال الأوروبي في رؤوس أموال الشركات الأمريكية سواء بالشراء الكامل أو الاندماج. غير أن هذه المطالب الأوروبية تثير قلق بعض الجهات الأمريكية مثل وزارة الدفاع التي تخشي من فقد سيطرتها علي شركات الطيران الأمريكية الجنسية إذا ما دعت الضرورة لاستخدامها في نقل القوات والعتاد، كما تخشي نقابات العمال الأمريكية من الأخذ بمستوي الأجور الأوروبية الأدني في حالة خضوع الشركات الأمريكية لادارة أوروبية. وقد رفض مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي "25 دولة" اقتراحا أمريكيا بمنح الشركات الأوروبية حق التشغيل من أي مدينة داخل الاتحاد إلي أي مدينة داخل الولاياتالمتحدة بالاضافة إلي رفع النسبة الحالية المسموح، لرأس المال الأجنبي لشراء أسهم شركات الطيران الأمريكية من 25% إلي 49% وفي المقابل يوافق الاتحاد الأوروبي علي النموذج الأمريكي للسماوات المفتوحة، الأمر الذي يتيح لشركات الطيران الأمريكية التشغيل إلي أي مدينة أوروبية دون قيود علي أن يتعهد الطرفان بالتفاوض مستقبلا بغية الوصول إلي اتفاقية شاملة. ويعود الرفض الأوروبي لهذا الاقتراح الذي لم يتضمن التزاما أمريكيا إلي التخوف من عدم استجابة الولاياتالمتحدة للمطالب الأوروبية مستقبلا في الوقت الذي حصلت فيه الشركات الأمريكية علي جميع المكاسب التي تطلعت إليها. ومن ثم فقد وصلت المفاوضات بين الكتلتين الكبيرتين إلي طريق حافل بالمخاطر مع تمسك كل طرف بوجهة نظره والتي تعكس مصالحه الاقتصادية. وتضغط الادارة المركزية للاتحاد الأوروبي علي الدول الأعضاء لالغاء الاتفاقيات الثنائية الحالية القائمة بين كل دولة أوروبية علي حدة من جانب والولاياتالمتحدة من جانب آخر، إلا أن مثل هذا الاجراء قد يثير جدلا قانونيا، ناهيك عن افتقاره للدعم السياسي من الدول الأوروبية ذاتها، بالاضافة إلي انه قد يدفع الادارة الأمريكية لاعادة النظر في الحصانة الممنوحة لبعض تحالفات الشركات الأوروبية والأمريكية ضد تطبيق قانون منع الاحتكار وحرية المنافسة. وهكذا تظل المناورات قائمة بين الكتلتين إلي أن يقدم كل طرف بعضا من التنازلات توصلا إلي رؤية مشتركة ترعي مصالح الطرفين وليس طرفا واحدا، وقد يساعد في ذلك ان الادارة الأمريكية الحالية تتمتع بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب الأمر الذي قد يسهم في تمرير أية تنازلات معقولة تحظي بموافقة الاتحاد الأوروبي. خبير اقتصاديات الطيران