(رسالة إلي وزير التربية والتعليم د. أحمد زكي بدر)من مدرس مصري الشعب المصري شعب موسيقي، يحب الموسيقي ويعشقها ويرددها غناء في كل مناسبات وظروف حياته.. إن حزنا أو فرحا.. ولم ينقطع الشعب المصري عن الغناء منذ أن علمه المعلم الأول أوزيريس الفلاحة والموسيقي والغناء ومبادئ الحضارة، ونحن نجد رسومات الآلات الموسيقية المصرية القديمة علي جدران المعابد والمقابر وكل الآثارالمصرية المختلفة. والفلاح وهو يفلح الأرض وعامل البناء وهو يقيم المعابد والجوامع والكنائس والبيوت والعمارات.. وكل العمال في مختلف الوان العمل والانشاء يغنون وهم يعملون حتي يمكنهم أن يتحملوا عبء العمل وصعوبته ويواصلوا العمل فيما يشبه الفرح، ونحن نذكر في تاريخنا الحديث أن سيد درويش بدأ مغنيا لعمال البناء، فالموسيقي ، إذن، من أهم وسائل التربية، ذلك لأنها اصدق تعبير عن ارادتنا الفردية والجماعية، وهي أصدق الوثائق الحضارية لدراسة ومعرفة شخصية أمة من الأمم. وكلنا يعلم أن عبقرية سيد درويش تجلت في أنه تمكن أن يعبر عن ارادة الشعب المصري، وتمكن أن يقوده فنيا في ثورته المصرية العظيمة وهي ثورة 1919، معبرا في صدق وأمانة واصالة عن كل ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وكان يبدع ألحانه عن طريق ما ورثه عن حضارته المصرية القديمة وبفضل اعتماده علي ابداعات الشعب المصري في اغانيه الشعبية، وذلك لأن الموسيقي الشعبية هي القاعدة التي تقوم عليها التعبئة القومية، لأنها مصدر لكل إلهام حقيقي لأعمالنا وأهدافنا القومية، فهي التعبير الصادق عن ارادتنا وعن شخصيتنا الأصيلة. ولما كانت المرحلة الابتدائية هي القاعدة الشعبية التي تتولي تربية ابناء الشعب تربية سليمة تمكنهم من مواجهة الحياة في شتي نواحيها.. ذلك لأنها المرحلة التي يتكون فيها الطفل المصري جسميا ووجدانيا وعقليا ونفسيا واجتماعيا، ولما كانت الموسيقي هي الأساس الذي تقوم عليه التربية، وجب علينا جميعا أن نوجه إلي تعليم الموسيقي عناية كبيرة نسمح للطفل المصري أن ينمو نموا سليما صحيحا في وسط اجتماعي سليم وصحيح، ومناهج المرحلة الابتدائية تهدف إلي تحقيق هذه النتائج التربوية الأساسية. 1 - تنظم الإدراك الحسي. 2 - تنمية الذوق الموسيقي عن طريق النغم والايقاع. 3 - تنمية الوعي القومي والاجتماعي والديني. 4 - غرس عادات سلوكية قويمة في الاطفال عن طريق الاشتراك في الالعاب الموسيقية 5- الكشف عن ذوي المواهب الموسيقية 6 - تقريب المناهج العلمية إلي عقول الأطفال هذه الأهداف العظيمة التي تلزم وزارة التربية والتعليم بتحقيقها عن طريق مدارسها ومدرسيها ومدرساتها.. أري أن من الصعب تحققها إلا إذا قامت التربية الموسيقية علي أساس هذه الالحان والأغاني الشعبية والمفردات التي تنتشر في بيئة الطفل، سواء في قريته أو مدينته. علما بأن هذا الطفل يدخل المدرسة الابتدائية وهو شبع بجو الاغاني- البعيدة عن بيئته- التي يذيعها الراديو والتليفزيون . هذه الأغاني التي لا تساعد الطفل علي النمو نموا سليما صحيحا بناء. وفي المدرسة تفرض عليه اناشيد بعيدة عن مفردات البيئة التي يعيش فيها، ولا أدري لماذا لا تستفيد المدرسة الابتدائية بهذه الالعاب والاغاني الشعبية التي تنتشر في بيئة هذه المدرسة واللعب هو أحسن وسيلة تربوية لتعليم الاطفال عن طريق الموسيقي والغناء كل حقائق ووقائع البيئة التي يعيش فيها الطفل.. وبهذا لا يعاني الطفل المصري هذا الازدواج بين البيت والمدرسة والشارع، كما أن الرقصات الجماعية في صورها البسيطة فرصة طيبة لتمرين الاطفال علي المشاركة البناءة لتقديم عمل فني متكامل من الكلمات والحركات0 وأحب أن أؤكد هذه الحقيقة، أن الطفل يدخل المدرسة الابتدائية وهو يملك ثروة من المفردات والالحان والاغاني والرقصات والالعاب ولا يدخلها صفحة بيضاء.. ولهذا علي واضعي المناهج في كل منطقة تعليمية أن يعتمدوا علي هذه الثروة الكبيرة التي يملكها الطفل عند دخوله هذه المرحلة وبهذا تصبح المدرسة الامتداد الطبيعي للبيت، وتتعاون المدرسة والبيت تعاونا مثمرا بناء في تنشئة الطفل وفي نموه نموا سليما بناء مثمرا0 وأحب أن اسجل هنا هذه التجربة التي قامت بها زوجتي صوفي عندما كانت مدرسة للموسيقي في مدرسة قنا الابتدائية عام 1956، تقول : «ذات يوم دخلت أحد الفصول وكان مزدحما باطفاله.. وحاولت أن أردهم إلي الهدوء فلم أفلح.. ثم جاءتني هذه الفكرة00 جلست إلي البيانو واخذت احرك اصابعي بدون قصد.. وكنت في طريقي إلي المدرسة قد استمعت إلي لحن شعبي اعجبني واشجاني00 كان يردده بائع حلاوة طحينية كان يردد بصوته الاجش هذا النداء: «حلاوة طحينية 00 وتعالي دوق» كانت جملة النداء الموسيقية رائعة في لحنها الشعبي وأخذت في تقديم هذا النداء الشعبي الأصيل ومن الضربات الأولي بدأت اصوات الأطفال تهدأ.. ثم انتهت إلي الصمت.. ومن هذا الصمت بدأت اصوات الأطفال تتجمع لمصاحبة نغمات البيانو بكلمات النداء.. وأخذ هذا الكورس من الأطفال يردد: «حلاوة طحينية.. وتعالي دوق» ولمست أثر الموسيقي العظيم علي نفوس وقلوب الاطفال.. عندما تكون هذه الموسيقي نابعة من واقع حياتهم الشعبية». ولقد أجمع خبراء الموسيقي أن الموسيقي الشعبية في صعيد مصر غنية بحيوية ايقاعاتها.. وأقول أخيرا إن موسيقانا واغانينا وألحاننا الشعبية هي الأساس الفني الذي يجب أن تقوم عليه التعبئة القومية00 لتحقيق المواطنة الصادقة الهادفة0 ألا يمكن أن تكون هذه التربية الموسيقية هي الوسيلة الجادة والبناءة لمحاربة كل ألوان التطرف والانحراف في مجتمعنا المصري، وبناء وطن يعيش فيه المصريون جميعا في محبة واخاء وتعاون؟