حگومة «المالگي» وخطر الديگتاتورية في العراق منذ تولي «نوري المالكي» رئاسة الحكومة التي سميت ب «حكومة المصالحة الوطنية» في 20 مايو 2006 ثم تشكيله لحكومته الثانية في 25 نوفمبر 2010 بعد ثمانية أشهر من الانتخابات البرلمانية، وهناك جدل وصراع ونقد حاد للمالكي وحكومته، رغم تمسك كل الكتل النيابية «ائتلاف دولة القانون - القائمة العراقية - التحالف الكردستاني» بالبقاء في الحكومة. ونقطة البداية في فهم أزمة الحكومة في العراق هي الاعتراف بأنها «حكومة محاصصة طائفية».. ناهيك عن أن حسابات المناصب والمنافع المالية والامتيازات الكثيرة التي توفرها موازنة ضخمة تمولها عوائد النفط المتصاعدة قيمتها عالميا، لعبت دورا مهما في تمسك الجميع بالبقاء ضمن التشكيلة الحكومية، علي رغم الخلافات العميقة، الأمر الذي أدي إلي استشراء الفساد الإداري والمالي علي صعيد الحكومة والبرلمان،وبالتالي تدهور الخدمات العامة وتفاقم تردي أوضاع الناس، الضحايا الحقيقيون لحكومة «المصالحة الوطنية» التي استحقت وصفها شعبيا ب «الكارثة الوطنية» كما يقول الكاتب «كامران قره داغي» في الحياة اللندنية. وطبقا لوزارة التخطيط العراقية فإن عدد العراقيين الذين يحصلون علي دخل يقل عن حد الفقر يزيد علي خمسة ملايين و550 ألف مواطن من بين 31 مليونا و644 ألف نسمة هم سكان العراق بنسبة 53.17%، في حين تشهد أسعار النفط الخام ارتفاعا غير مسبوق، وبالتالي توفير موازنات اتحادية وصفت بأنها انفجارية منذ العام 2008 وحتي الآن. وكما تقول «ماجدة عبداللطيف التميمي» عضو اللجنة المالية البرلمانية، فأسباب الفقر متعددة يأتي في مقدمتها البطالة التي تصل في أقل التقديرات إلي 30%، يضاف إلي ذلك عدم الاستقرار السياسي، والحروب التي خاضتها العراق خلال العقود الثلاثة المنصرمة، والحصار الاقتصادي، والإرهاب وتخريب ونهب وحرق مؤسسات الدولة، ومعاناة الاقتصاد العراقي من اختلالات هيكلية، وشيوع ظواهر الفساد المالي والإداري.. إلخ. وخلال الأسبوع الذي قضيته في اربيل تعرض المالكي وحكومته لهجوم من جهات مختلفة تحمله المسئولية عن تدهور أحوال البلاد خلال سنوات حكمه الست، كان أعنفه وأكثر أهمية التصريحات التي أدلي بها رئيس إقليم كردستان «مسعود بارزاني» خلال زيارته للولايات المتحدة. ففي حوار أجراه في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني» اتهم بارزاني المالكي باحتكار السلطة وبناء جيش يواليه شخصيا، وقال إن «الوعود والتعهدات لا تنفذ في العراق منذ 6 سنوات.. ومثال علي ذلك عدم صرف المستحقات المالية لشركات النفط الأجنبية، وعدم المصادقة علي قانون النفط والغاز الاتحادي، الأمر الذي تسبب بتوقف تصدير النفط من كردستان».. وأضاف مسعود بارزاني «نحن لا نؤيد أبدا وفي أي وقت وظرف أن تصبح الكثير من المناصب والصلاحيات بيد شخص واحد يستأثر بها كما هو حاصل في العراق من قبل بعض المسئولين.. لقد دعوت الأطراف السياسية كافة، للجلوس معا لقطع الطريق أمام ظهور الديكتاتورية في البلاد عبر الالتزام بالدستور وتنفيذ اتفاق اربيل». اللافت أن نقد المالكي والهجوم عليه لم يأت فقط من خارج، كتلته بل امتد إلي «أهل البيت» كما يقولون فعزيز المالكي النائب عن «إئتلاف دولة القانون» قال إن المالكي لا يريد مشاركة الكتل السياسية بقرارات الدولة، لاعتقاده بأن مصلحة العراق تكون في يده أفضل، وتضيف «زينب الطائي» النائبة عن كتلة الأحرار «التيار الصدري» أن المالكي يتجه نحو حكومة الحزب الواحد والديكتاتورية، وفي مارس الماضي أعلن «جواد البزوني» عضو البرلمان، القيادي في حزب «الدعوة الإسلامية» الذي يتزعمه المالكي استقالته من حزب رئيس الوزراء «في خطوة عكست تذمرا داخل الحزب من الأداء الفاشل لحكومة المالكي». ويتولي «نوري المالكي» رئاسة مجلس الوزراء وهو القائد الأعلي للقوات المسلحة العراقية ووزير الدفاع ووزير الداخلية، ولجأ في الفترة الأخيرة إلي إنشاء غرف عمليات عسكرية أمنية خاصة «غرف عمليات بغداد وديالي ونينوي» بصلاحيات واسعة يديرها هو مباشرة، ويعين ضباطها الكبار وتدين بالولاء الشخصي له، ويستخدم هذه القوات ضد خصومه أو يهددهم بها، ويخضع نحو مليون فرد في المؤسستين العسكرية والأمنية لأوامر شخص واحد هو نوري المالكي. ويشير الكاتب العراقي «عقيل عباس» إلي أن العراق يفتقر إلي «حزمة المصدات البنيوية اللازمة لمنع بروز الديكتاتورية، طبقة وسطي ضخمة تحمل قيما ليبرالية، وقطاع خاص كبير ومنتج يسمح بحياة اقتصادية نشطة بعيدة عن هيمنة الدولة علي الموارد، ومجتمع مدني واسع وفاعل وصحافة مهنية حرة ومستقلة وجريئة». ويفسر «حميد فاضل» أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد أسباب قوة المالكي وجرأته في مواجهة القوي الأخري وحتي داخل حزبه وكتلته البرلمانية قائلا «ارتكزت قوة المالكي علي عدة أمور.. فهو يمتلك قبولا في الولاياتالمتحدة والغرب، وبالتالي لا يلتفت إلي الانتقادات التي توجه إليه من الساحة العربية، لقد استطاع بمرونة جمع المتناقضات في السياسة الدولية، إيرانوالولاياتالمتحدة لأنه صديق لكليهما، كما أن الأوضاع الداخلية لها تأثير إيجابي في بقاء المالكي في مقدمة السياسة العراقية، وبدا هذا جليا من خلال نجاحه في حصد الدورة الثانية «بعد انتخابات 2010» واستمالته الصدريين الذي كانت له معهم مواجهة ساخنة في صولة الفرسان سنوات الاحتقان الطائفي». ولكن مهارة المالكي في جمع المتناقضات واللعب عليها لم تمنع من تكون اتجاه عام رافض لممارساته فتخوف من عودة الديكتاتورية، ومن وقوعه في أخطاء تهدد وحدة العراق، خاصة في العلاقة مع إقليم كردستان وتفجر الخلافات بين بغداد واربيل، وهي موضوع الرسالة القادمة.