العزل السياسي يتساءل كثيرون عن مغزي وأهداف «المليونية» التي نظمتها جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة يوم الجمعة الماضي تحت شعار «حماية الثورة» بالمشاركة مع «الجماعة الإسلامية» و«الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» و«حزب النور» و«حزب الأصالة» و«الجبهة السلفية»، للمطالبة ب «عزل الفلول والمحسوبين علي النظام السابق ممن سمحوا لأنفسهم بالترشح للرئاسة ومواصلة إفساد الحياة السياسية». ومناط التساؤل يعود إلي أن حزب الحرية والعدالة وحلفاءه الذين يسيطرون علي أغلبية مجلس الشعب نجحوا في تمرير تعديل علي قانون مباشرة الحقوق السياسية ينص علي أن «كل من عمل خلال السنوات العشر التي سبقت 11 فبراير 2011 رئيسا للجمهورية أو نائبا للرئيس أو رئيسا للوزراء أو رئيسا للحزب الوطني المنحل أو أمينا عاما له، أو كان عضوا بأمانته العامة، لا يحق له ممارسة العمل السياسي لمدة عشر سنوات ابتداء من التاريخ المشار إليه»، وبالتالي سيتم منع كل من عمر سليمان وأحمد شفيق من الترشح لرئاسة الجمهورية في حال التصديق علي القانون ونشره في الجريدة الرسمية قبل إعلان لجنة انتخابات رئاسة الجمهورية القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة في 26 أبريل الحالي. كذلك فالدعوة لهذه «المليونية» تأتي فجأة وقبل أسبوع من «جمعة تقرير المصير» المحدد لها يوم 20 أبريل، للمطالبة بإلغاء المادة 28 من الإعلان الدستوري والتي تحصن قرارات لجنة انتخابات رئاسة الجمهورية من الطعن عليها أمام القضاء أو بأي شكل آخر، وبإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور من خارج مجلسي الشعب والشوري وطبقا لمعايير موضوعية تحقق التوافق وليس علي قاعدة الأغلبية البرلمانية وهي بالضرورة مؤقتة ومتغيرة، ورفض ترشح فلول النظام السابق لمنصب رئاسة الجمهورية، وتشارك في جمعة تقرير المصير «حركة 6 أبريل» و«اتحاد شباب الثورة» و«الجمعية الوطنية للتغيير» وأحزاب «التجمع» و«الوفد» و«الجبهة الوطنية» و«المصري الديمقراطي الاجتماعي» و«المصريين الأحرار» و«حزب التحرير المصري» المنبثق عن الطرق الصوفية. والتفسير المنطقي لهذه الممارسة من الإخوان وحزب الحرية والعدالة وحلفائهم يعود إلي خوفهم من عدم استكمال إجراءات صدور القانون قبل 26 أبريل، وهو خوف له ما يبرره. فالأغلبية التي مررت هذا القانون في مجلس الشعب تدرك أن هناك عوارا دستوريا تم التحذير منه أثناء مناقشته المشروع في المجلس، خاصة من جانب المستشار محمد عطية وزير مجلسي الشعب والشوري الذي لفت نظر المجلس أن مشروع القانون يستهدف شخصين محددين بالاسم مهدرا القاعدة العامة التي تقول إن خصائص القاعدة القانونية والتشريعية أن تكون عامة ومجردة ولا تخاطب شخصا معينا بالذات، وأن التعديل يفرض عقوبة الحرمان من الحقوق السياسية مهدرا مبدأ سيادة القانون فلا يجوز فرض عقوبة علي جريمة غير معدة سلفا ودون تحقيق ومحاكمة وصدور حكم نهائي وبات. وأكد عدم الدستورية أيضا المستشار عادل عبدالحميد وزير العدل «لأنه يتعلق بحق دستوري طبيعي فلا يجوز حرمان أي مواطن من مباشرة حقوقه ومجازاته بحرمانه من مباشرة حقوقه السياسية إلا بناء علي حكم قضائي». ومن المتوقع أن يلجأ المجلس الأعلي للقوات المسلحة لواحد من عدة احتمالات. الأول هو التصديق علي القانون ونشره في الجريدة الرسمية قبل 26 أبريل، وبالتالي إلزام لجنة الانتخابات الرئاسية إعلان أسماء مرشحي الرئاسة بدون الذين يتقصدهم هذا القانون وهما «عمر سليمان وأحمد شفيق»، وفي هذه الحالة يصبح المجلس العسكري شريكا لمجلس شعب الإخوان والسلفيين في الاعتداء علي الدستور وتعريض البناء السياسي والدستوري للخطر إذا ما حكمت المحكمة الدستورية بعد ذلك بعدم دستورية القانون. الثاني أن يطلب المجلس من المحكمة الدستورية إبداء الرأي في القانون قبل التصديق عليه، فإذا جاء رأي المحكمة - وهو ما يرجحه عديد من الفقهاء - في جانب عدم الدستورية، يعيد المجلس الأعلي للقوات المسلحة القانون لمجلس الشعب لتعديله. الثالث أن يلجأ المجلس العسكري إلي رفض القانون وإعادته مباشرة إلي مجلس الشعب لمناقشته من جديد وتعديله أو إقراره كما هو بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس. وضغوط الإخوان وحلفائهم تستهدف تبني المجلس الأعلي للقوات المسلحة للسيناريو الأول، وممارسة العزل السياسي بقانون مطعون في دستوريته.. بينما تطالب القوي الديمقراطية وائتلافات شباب ثورة 25 يناير باحترام الدستور وعزل فلول النظام السابق سياسيا عن طريق الشعب وصندوق الانتخاب كما حدث في انتخابات مجلسي الشعب والشوري.