المرأة المصرية والدولة المدنية في إطار الدولة المدنية يتمتع جميع البشر الذين يعيشون في مجتمع واحد بكل حقوق المواطنة و العدالة الاجتماعية و الكرامة الانسانية لهؤلاء البشر و إن اختلفوا في الدين، أو لجنس، وذلك حتي لا يتحول هؤلاء البشر إلي رعايا لسلطة ما، ويزيد هذا الوضع في الحالة الديمقراطية التي تُفقد فيها التفرقة بين المواطنة والرعية دلالاتها. ويزداد هذا الوضع قوة عندما تصبح قيم العدل والمساواة فيها سائدة ومترسخة في هذا المجتمع في وجود أديان تسعي إلي ذلك حيث إنها القيم التي تربط ثالوث الله ، الإنسان والكون. تصادف وأن قررت أن اكتب عن المرأة و الدولة المدنية قراءتي لكتاب صدر في عام 1902 أي في بداية القرن العشرين بعنوان " حاضر المصريين أو سر تأخرهم" لرجل يدعي محمد عمر من مستخدمي مصلحة البوسته المصرية آنذاك، وهو من الكتب الفريدة في نوعها من حيث موضوعها و القضايا التي يتناولها، وخاصة تلك القضايا محل الجدل في المجتمع الأن وقضية الحجاب وقضايا الأحوال الشخصية ودور الدين في الحياة الاجتماعية، وتكفير الآخر، والوحدة الوطنية و التعليم ...إلخ. وقد أعيد نشر هذا الكتاب لأول مرة عام 1998 في ظل تراجع محسوس في قيم الاستنارة و التنوير كتلك التي سادت الفترة التي عاش فيها محمد عمر ( أواخر القرن 19 و أوائل القرن العشرين) وكأن اليوم مثل البارحة ولم تستصدع كل التطورات العلمية و التكنولوجية في القرن 21 التي حدثت أن تغير التبع إلي الأمام، بل زادت من التراجع والتقهقر. وفي العام 2011 وبعد ثورة 25 يناير أعيد طبع الكتاب مرة أخري وقدم له الدكتور مجدي عبدالحافظ دراسة ممتازة لأهم القضايا التي تناولها الكتاب، خاصة القضايا التي برزت بعد ثورة 25 يناير وتسارعت خطاها بقوة ولاسيما مايتصل بوضع المرأه. وتعود أهمية الكتاب في تناول قضايا المرأة من خلال إعتماد كاتبه علي تصوراته الدينيه وفهمه لمشاكل عصره بمفهوم ديني صحيح ومتقدما مقارنة بنظرائه من أبناء عصره من السلفين حيث إنه يفسح مجالا واسعاُ للعقل و الأفكار الحديثة المتقدمة. ويعلق محمد عمر في مقدمة كتابه علي الأراء التي أوردها في الكتاب بقوله: " وغاية ما أود ممن يطالع هذا الكتاب أنه لا ينظر إليه بعين الإستغراب لما حواه من كشف المخبأت ورفع الستار عن المعايب التي في جسم الأمة ويؤدي بها إلي الهلاك، بل أرجو أن يكون علي ثقة بأني ما كشفت ذلك الستار إلا حبا بأمتي وشفقة عليها لا شماتة، علنا وإذا عرض الداء سارعنا إلي أخذ الدواء قبل إستفحال الخطب نندم حيث لا ينفع الندم. " ويدافع محمد عمر في كتابه عن حقوق المرأة مؤيدا قاسم أمين في كتابيه "تحرير المرأه و المرأة الجديدة"، تلك الحقوق التي ساوت بين المرأة و الرجل في كثير من الشعوب و أعطت المرأة مركزها الطبيعي في المجتمع كما قاوم تمسك المصريين بالقشور مثل مسألة الحجاب و التي يعتبرها مسألة دينية محضه ولكنها مسألة خلافية بين فقهاء المسلمين. كما يدعو محمد عمر إلي أهمية تعليم المرأة الذي هو أساس العلاقات السوية بين الرجل و المرأة في مختلف مجالات الحياة ، كما قاوم كثير من الممارسات الثقافية التي تمارس ضد النساء في مجتمعنا الآن. وللعجب مازال الجدل حول أدوار المرأة ومكانتها سائدا حتي الآن يذكرنا في العديد من جوانبه بالجدل الذي أثير منذ قرن من الزمان. وأيضا منذ كتاب محمد عمر، وفي الحالتين كان دور الفهم الخاطيء للإسلام هو مفتاح القضية وكان الجدل يشتعل كنتاج لأزمات إجتماعية وتحت تأثير القوي السياسية والمجتمعيه التي تتنافس علي السلطة حيث إن موقفهم من المرأة وقضاياها يتفق مع ما تمليه عليهم إيديولوجياتهم السياسية. ورغم ما حصلت عليه المرأة المصرية من مكاسب وما تمتعت به من حريات علي الساحة السياسية وفي الحياة العامة، وعلي الرغم من رغبة المرأة المصرية وإرادتها المشهود بها عبر التاريخ، فمازالت عاجزة عن تكوين رؤية ثاقبة لذاتها أو خلق صورة ذاتيه مستقلة عن المؤثر الاجتماعي الثقافي الراسخ في أعماقها منذ زمن بعيد. وكما هو الحال مع الممثلين و المؤدين علي خشبة المسرح، فإن نظرة المتفرجين لهم ستصطبغ -بلا شك- بأضواء المسرح المتعددة، وكذلك بآراء النقاد. وبالمثل يمكن القول بأن النساء في مصر يقمن بدور المؤديات والمشاهدات في نفس المسرح. فبعد كل عرض مسرحي يتراجع الممثلون إلي الكواليس إنتظاراً لنص جديد يسند إليهم، فيعدون ذواتهم للعرض القادم، وبمرور السنين يمكن إدخال بعض التعديلات علي المسرح نفسه، ويتغير النقاد ويتضاعف عدد الممثلين والمتفرجين. فإذا ما تخيل الفرد نفسه علي أنه الدولة و الكواليس هي العناصر الأساسية المكونة لعقلية الحريم علي سبيل المثال (واجبات المرأة التقليدية)، أما النقاد وكتاب السيناريو فيمثلون السلطة الأبوية (الدولة والمؤسسات الدينية) حينئذ سيكون من السهل فهم تقنيات إدراك المرأة لذاتها في المجتمع المصري. أما العودة الثانية إلي الكواليس فهي تلك الدائرة المفرغة المحتومة. وفي الواقع، إن نساء اليوم يملكن الطاقة الكامنة والقدرة علي معاودة الحرب، بل يصبحن "كاتبات للسيناريو"، لأنه مع حدة التيار الإسلامي المتشدد، فإنه يبدو من الصعب كسر تلك الحلقة المفزعة. فلا يمكن أن نتوقع أن تختفي قيم فطرية وقوالب تكوينية Stereotypes حبيسة داخل المرأة منذ قرون في بضعة أعوام ومعوقات أية عملية أمر محتوم، إلا أن العملية نفسها لا يمكن أن تتوقف أبداُ. استاذ علم الاجتماع كلية البنات- جامعة عين شمس