الحوار الوطني: الدعم قضيةً مجتمعية تهم 70 مليون مصري ونشكر الحكومة على ثقتها    سناء خليل: مايا مرسي تستحق منصب وزيرة التضامن بجداره    وزير التموين يفتتح «هايبر وان» باستثمارات تصل مليار ونصف.. «يوفر 1000 فرصة عمل»    الحكومة تدرس نقل تبعية صندوق مصر السيادي من التخطيط إلى مجلس الوزراء    رئيس الوزراء: نعمل على استفادة ذوى الهمم من التيسيرات الموفرة لهم    الجيش اللبناني يعلن مقتل أحد جنوده وجرح آخر إثر غارة إسرائيلية في جنوب البلاد    مستشار بحملة هاريس يجتمع بقيادات للمسلمين لاحتواء الغضب من دعم إسرائيل    الدفاع الروسية: تدمير منشآت الطاقة التي تغذّي المنشآت العسكرية الأوكرانية    هشام نصر: العقد الجديد ل"زيزو" سيكون الأعلى في الدوري المصري    زغلول صيام يكتب: سوبر إيه بس!.. من ينقذ كرة القدم من هذا العبث؟! وإيه حكاية زيطة الإداريين في الجبلاية    الزمالك يُشدد على ضرورة عودة ميشالاك وفرج قبل استئناف التدريبات    افتتاح مقر جديد للجوازات بالسادس من أكتوبر بالجيزة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    تفاصيل الظهور الأول لبسمة داود في مسلسل تيتا زوزو    محافظ المنيا: افتتاح معرض «بداية جديدة» لتوفير السلع الغذائية بأسعار مخفضة في ملوي    نائب وزير الإسكان يتابع موقف تقديم خدمات المياه والصرف الصحي بدمياط    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    ضاحي خلفان يثير جدلًا بتعليقه على اغتيال حسن نصرالله.. هل شمت بمقتله؟    حلاوة رئيسًا للجنة الصناعة والتجارة بمجلس الشيوخ    سفير مصر بالدوحة يلتقى مع وزير الدولة للشئون الخارجية    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    أزمة المحاضرة.. قرار مهم ضد أستاذ الحقوق بجامعة المنوفية    «في مجال الهيدروجين».. تعاون بين مصر وحكومة بافاريا الألمانية    جون دوران بعد هدفه أمام بايرن: سجلت في شباك أحد فرق أحلامي    "الإسكان" يُصدر قراراً بحركة تكليفات وتنقلات بعددٍ من أجهزة المدن الجديدة    للخريف سحر لا يقاوم.. 15 صورة من شواطئ عروس البحر المتوسط    إصابة عاطلين في معركة بالأسلحة النارية بالمنيا    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    قرار عاجل من مدير تعليم الجيزة بشأن المعلمين    ضبط 367 عبوة دواء بيطري مُنتهية الصلاحية ومجهولة المصدر بالشرقية    لحسم الشكاوى.. وزير العدل يشهد مراسم إتفاقية تسوية منازعة استثمار    في أول أيامه.. إقبال كبير على برنامج «مصر جميلة» لرعاية الموهوبين    فى احتفالية كبرى، الأوبرا تحتفل بمرور 36 عامًا على افتتاحها بمشاركة 500 فنان    بعد إعلان اعتزالها.. محطات في حياة بطلة «الحفيد» منى جبر    لطفي لبيب: جربت الشغل فى الصحافة سنة ونصف ولقيتها شاقة واعتذرت    تعرف على موعد حفل وائل جسار بدار الأوبرا    محافظ المنيا يعلن موعد افتتاح مستشفيات حميات وصدر ملوي    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    «التضامن» تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    توقعات برج القوس اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024: الحصول على هدية من الحبيب    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بريطانيا تستأجر رحلات جوية لدعم إجلاء مواطنيها من لبنان    «القاهرة الإخبارية»: استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل داخل لبنان    محامي أحمد فتوح يكشف تفاصيل زيارة اللاعب لأسرة ضحيته لتقديم العزاء    صلاح الأسطورة وليلة سوداء على الريال أبرز عناوين الصحف العالمية    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    التابعي: الزمالك سيهزم بيراميدز.. ومهمة الأهلي صعبة ضد سيراميكا    باحث سياسي: حرب إسرائيل بلبنان تستعيد نموذج قطاع غزة.. فيديو    «وسائل إعلام إسرائيلية»: إطلاق 10 صواريخ على الأقل من جنوبي لبنان    مدبولي يُهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    نجاح عملية استئصال لوزتين لطفلة تعانى من حالة "قلب مفتوح" وضمور بالمخ بسوهاج    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عسكرة الثورة تصب في مصلحة الناتو والإخوان المسلمين
نشر في الأهالي يوم 18 - 01 - 2012

بإسقاط سوريا تريد أمريكا إحياء مشروع الشرق الأوسط الكبير
تتشكل الآن جبهة عريضة تكاد تشمل الشعب السوري كله، تطالب بالخلاص من النظام القائم .البعض يريد هذا الخلاص علي شكل إسقاطه، والبعض الآخر يري ذلك علي شكل تغييره عبر تغييرات وإصلاحات جذرية ونوعية، تحسبا من الفوضي التي تعقب الإسقاط وما تحمله من احتمالات مجهولة. لكن مع كل
يوم يمرّ، منذ بداية الحراك الشعبي في سورية، في آذار الماضي، تزداد ملامح معسكرين متباينين في هذه الجبهة العريضة ؛ معسكر يشمل السواد الأعظم من الشعب السوري، الذي لم يعد يطيق ممارسات النظام القمعية، وهبّ لوضع حدّ لها، بنضال وأساليب غير عنيفة ؛ والمعسكر الآخر، ويضمّ عناصر وتنظيمات مشبوهة، لها امتدادات مع قوي إقليمية ودولية، تستهدف إسقاط النظام السوري لاعتبارات ليس لها صلة، بالمطلق، بما يشكو منه الشعب السوري من ارهاب وقمع، وتحاول تسخير الحراك الشعبي المشروع لصالح أجندتها المشبوهة . وهي إذ تفشل في جرّ الشعب السوري وراءها، كما أثبت فشل المؤتمرات المتعددة التي عقدها ممثلوها ، ومعظمها في تركيا - وكان طيف الإخوان المسلمين طاغيا عليها - في الاتفاق علي توحيد المعارضة للنظام السوري القائم وتبنّي أي برنامج لها، فإنها تلجأ الي العنف المسلّح وتصعيده وتمويهه بشبح بعض الجنود المتمردين، محاولة جهدها توريط مجمل الحراك الشعبي السلمي وجرّه وراءها الي هذا المنعطف المدمّر، مستهدفة الوصول الي أحد احتمالين، يؤمن أي منهما لها أن تكون البديل للنظام القائم ؛ إما النجاح في إسقاط النظام عن هذا الطريق العنيف، مع تجيير الحراك الشعبي لرصيدها، او خلق المناخ المواتي لتدخل الناتو، علي غرار السيناريو الليبي، لتصل الي الحكم في سورية علي أسنة حراب الناتو.
وبمقدار ما تميز قوي الشعب السوري العريضة، التي تواصل معركتها العادلة في سبيل بديل وطني - ديموقراطي، عن هذا التيار المشبوه، بمقدار ما تحرج النظام وتفرض عليه التعاطي معها بغير لغة العنف والرصاص من جهة ، ومن الجهة الأخري مباشرة تطبيق الإصلاحات والتغييرات التي ما تزال حبرا علي ورق، والتي ينبغي لها أن تؤدي، آخر المطاف، تحت الضغط الجماهيري المتواصل والمتصاعد، والذي من المفروض أن يقوي ويتعزز مع كل عملية إصلاح، ومع كل خطوة تراجع من النظام، الي تشكل وولادة نظام مختلف كليا عن نظام القمع القائم ؛ ومن جانب ثالث، فإن مثل هذا الفرز سيسحب الغطاء عن القوي المتآمرة، لتنكشف علي حقيقتها وتزداد عزلتها، ويرغم النظام علي تحويل وحصر ناره نحو الضالعين مع قوي أجنبية ضد الوطن السوري .
درس العراق وليبيا
ويري دعاة الإسقاط الفوري للنظام السوري أن مجرد الحديث عن البديل الأفضل ، إنما هو شكل مموّه وملتو للتعاطف والتأييد للنظام القائم ؛ حتي إن البعض يذهب الي إنكار وجود أي مؤامرة، أو تدخل مكثف لقوي إقليمية ودولية . والمحزن أن يتجاهل هؤلاء المأساة العراقية الماثلة أمام أعينهم ؛ ناهيك عن الحالة الليبية، حيث تقاسمت دول الناتو الرئيسية كعكة النفط الليبية، حتي قبل أن تتشكل حكومة بديلة في ليبيا. واذا كان الشعب العراقي كله كان يطالب، وبحق، بإسقاط نظام صدام الدموي، فإن أقساما منه، بمن فيهم قوي تقدمية، ذهبت - كما هو معلوم - إلي حد الترحيب بالغزو الأمريكي، الذي جاء تحت غطاء العمل لإسقاط النظام الدكتاتوري؛ وكان هذا الموقف لهذه القوي العراقية تعبيرا عن الإقرار بالعجز في تعبئة الشعب العراقي ليتولي هذه المهمة بنفسه . أما حصيلة هذا الغزو فكانت إقتلاع الملايين من بيوتهم وحتي من أوطانهم، ومئات الألوف من القتلي دون تمييز، وأكثر منهم من المعوّقين والمساجين ، وتدمير وإفقار هذا البلد الغني، وتحويله الي بلد يفتقر مواطنوه الي أبسط مقوّمات الحياة العصرية.
المقتولة الحية
وإذ أصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الحكم علي ما يجري في سورية، بالاعتماد علي إعلام الطرفين المتصارعين، الذي فقد، في هذه الأيام، كل موضوعية ومصداقية، وآخر دليل علي ذلك قضية الفتاة زينب عمرالحصني ، من حمص، التي أشاع هذا الإعلام وحتي لجان حقوق الإنسان الغربية، أن الأمن السوري ليس فقط قتلها، بل وقطّع جسدها، لتظهر بعد ذلك علي التلفزيون السوري معافاة! .. فإن هناك وقائع وتصريحات رسمية لا يمكن دحضها تتعلّق بالوضع السوري الحالي، وتحسم فيما إذا كان هناك تآمر علي سورية أم لا، منها : إعلان كل من أوباما وإردوغان، لدي لقائهما، علي هامش افتتاح دورة الجمعية العمومية، في نيويورك، عن اتفاقهما علي تصعيد الضغط علي سورية ؛ وبينما باشر الجانب التركي خطواته العملية في تنفيذ هذا الإتفاق باحتضان مؤتمر جديد لبعض قوي المعارضة، شكل مجلسا وطنيا سوريا وتبنّي الدعوة للحماية الدولية، لتكرار السيناريو الليبي، فقد واكب ذلك الإعلان إجراء مناورات عسكرية تركية ليس فقط علي الحدود السورية، بل وفي لواء الاسكندرون الذي اقتطعه الأتراك من الأراضي السورية وما يرمز إليه ذلك من تطلعات توسعية، كما صاحب ذلك رفع وتيرة التهديدات السافرة للنظام السوري؛ ثم إعلان أردوغان عن العزم علي تشديد العقوبات علي سورية، عقب الفشل في تمرير قرار ضد سورية في مجلس الأمن . أما الطرف الأمريكي، فضاعف ضغوطه لانتزاع قرار من مجلس الأمن يدين النظام السوري ويفتح الطريق لخطوات تصعيدية ضده ؛ كما صعّد مع حلفائه الأوروبيين، حملات التعبئة والتحريض، وتشديد العقويات علي النظام السوري ؛ في وقت ينشط السفير الأمريكي في التحرك والتحريض العلني في سورية. وهنا يتساءل المرء: ألا يلحظ الذين ينكرون قيادة الولايات المتحدة لمؤامرة ضد سورية، واندفاعها بلا ضوابط في هذا النشاط، تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان ! في وقت، تهدد فيه باستعمال الفيتو، في مجلس الأمن الدولي، لمنع حصول فلسطين علي عضوية الأمم المتحدة، رغم وجود الشعب الفلسطيني، علي مدي عقود طويلة يرزح تحت احتلال لم يترك شكلا من أشكال حقوق الإنسان إلاّ انتهكها وينتهكها كل يوم وكل ساعة ؛ أما السعودية - قلعة الرجعية والثورة المضادة في المنطقة - فقد صرح ملكها في 14/9/2011 أن ما يحدث في سورية "لا يمكن أن تقبل به المملكة"!؛ هذا بينما سارع في إرسال جنوده الي البحرين لقمع التحرك الشعبي السلمي هناك، وأطلق مؤخرا علي عبد الله صالح، الذي كان في قبضته، ليعود ويواصل قتل المزيد من اليمنيين الذين يطالبون بالوسائل السلمية بتنحيته ! فما هو الاسم الذي يمكن إطلاقه علي هذه النشاطات؟!
ليس أي بديل
وتكتسب قضية صد أي تدخل أجنبي فيما يجري داخل سورية وتحت أي غطاء كان، من جهة ؛ ومن الجهة الأخري الحرص علي تأمين بديل وطني ديموقراطي، أهمية تتجاوز القطر السوري، في الظرف الحالي، علي وجه الخصوص، حيث تتجمع، في الأفق، مؤشرات متزايدة علي معارك وصراعات كبري قادمة علي المنطقة. لكن يبدو أن دعاة إسقاط النظام السوري الحالي بأي ثمن وبأسرع ما يكون، دون الاهتمام بالبديل الأفضل - وليس أي بديل - تجعل الشجرة تحجب عنهم رؤية الغابة من ورائها. فالولايات المتحدة، التي اهتزت مكانتها وتضعضعت سيطرتها علي المنطقة، تحاول، اليوم، وبكل الوسائل والدسائس، تحويل الحراك الشعبي المنتشر علي مدي المنطقة، إلي نوع من "الفوضي الخلاّقة" - علي حد تعبير كونداليسا رايس - وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة - حيث يسهل علي الأمريكيين الصيد في أجوائها، جنبا الي جنب مع محاولات استجماع قواها وشنّ هجوم معاكس، لترميم وضعها هذا. وبدون إعلانات مسبقة وتسميات،هذه المرة، فهي تعود الي جوهر مشروع "الشرق الأوسط الكبير "، مع احتمالات توسيع مداه شرقا وغربا، ومع بعض التعديلات في توزيع الأدوار؛ فحيث فشلت السعودية ومصر مبارك ' في تشكيل حلف " سني "، من ضمن أهدافه احتواء إيران "الشيعية" التي يتصاعد الآن التحريض والاتهام ضدها، يجري اليوم توكيل تركيا بهذه المهمة . وفي هذا الإطار، جاءت جولة أردوغان علي كل من مصر وليبيا وتونس، وفي هذا الإطار، أيضا، أعلن أوغلو، وزير الخارجية التركي عن توقعاته بقيام شراكة بين بلاده ومصر يمكن أن تخلق " محور قوة جديدا" في الشرق الأوسط، في ظل تراجع التأثير الأمريكي - علي حد قوله. والشراكة مع دولة عربية كمصر لا غني لتركيا عنها، في هذا المجال، لتمويه الأهداف التركية الحالية، وعدم استثارة المشاعر العربية الدفينة علي الظلم العثماني علي مدي قرون ؛ وفي هذا الإطار، أيضا، جري الإعلان عن إقامة قاعدة "لمنظومة الدفاع الصاروخية " الأمريكية في تركيا وفي رومانيا، وسيقام مثيل لها في اليابان وكوريا الجنوبية. وقد أثارت هذه الخطوات ردود فعل مباشرة من إيران ومن روسيا والصين ؛ وراح يجري الحديث عن احتمال تشكل محور مضاد من هذه الدول الثلاث، كما راح الروس يلمّحون الي العودة لتسليم إيران صفقة الصواريخ، الموقعة بين البلدين، تراجعت روسيا عن تسليمها في حينه استجابة لمطالب أمريكية وغربية، لتسهيل الاتفاق علي أمور أخري.
الهند وأمريكا
علي صعيد آخر، راحت المنافسة علي النفوذ في أفغانستان، عشية الانسحاب الأمريكي من هناك، تتصاعد بين باكستان والهند، التي راحت تحظي بالدعم الأمريكي في هذا المجال، وذلك في إطار صفقة ذات بعد استراتيجي كوني، شملت كذلك مساعدات أمريكية للهند في المجال النووي وتزويدها بانواع معينة من الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية والإسرائيلية، كانت محظورة عليها ؛ وكل ذلك للحيولة دون انضمامها الي محور ثلاثي، مع كل من روسيا والصين، كان علي وشك القيام، وكان كفيلا بتغيير التوازن الدولي كله. وكمؤشر علي الميل الأمريكي الي الجانب الهندي في هذا التنافس علي النفوذ في أفغانستان، جاءت زيارة كارازاي -الأفغاني- للهند مؤخرا. أما علي الصعيد الباكستاني - الأمريكي، فقد تصاعدت، مؤخرا، حدة الاتهامات المتبادلة والعلنية بين الطرفين، رغم كون باكستان حليف استراتيجي، منذ خمسينات القرن الماضي، للولايات المتحدة . وفي هذه المواجهة الباكستانية - الأمريكية، بدأ المجتمع الباكستاني كله، حكومة ومعارضة، في صف واحد، وهي حالة استثنائية.
الشرق الأوسط الكبير
وفيما يتعلق بمشروع " الشرق الأوسط الكبير"، من المعروف أن الجولة الأولي من محاولات فرضه انتهت بانتكاسته المدوية علي التراب اللبناني علي يد المقاومة اللبنانية الباسلة . حينها، وفي الأيام الأولي للعدوان الإسرائيلي المكثّف، أعلنت كونداليسا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك من بيروت، بالعنجهية الأمريكية المشهورة، وبثقة مطلقة بأن الجيش الإسرائيلي الغازي سينجز مهمة تصفية المقاومة اللبنانية بنجاح ، أن القتل والدمار المروّع الذي تحدثه الغارات الإسرائيلية، بالطائرات الأمريكية الصنع، إنما هي آلام المخاض للمولود الجديد : الشرق الأوسط الكبير! . ولكن، كما هو معلوم، فبعد خمسة أسابيع، انسحب الغزاة يجرّون ذيلهم بين أرجلهم . تمّ ذلك بفضل التحالف الثلاثي : حزب الله - سورية - إيران، بغضّ النظر عن الرأي في مكوّنات هذا التحالف وأجندة كل منهم . ومحاولة واشنطن، اليوم، تهريب تآمرها علي سورية - الحلقة الوسيطة في هذا التحالف الثلاثي - في خضمّ الحراك الشعبي في سورية، تستهدف، في المقام الأول، تفكيك هذا التحالف، عشية صراعات قد تشمل المنطقة كلها، بل تتجاوزها شرقا وغربا، ولا تستثني العنف والعمليات العسكرية. ومن المفيد التذكير، في هذا الصدد، بتصريح رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي،آنذاك، الذي قال فيه، إن اهتمام واشنطن ليس في تغييرالنظام في سوريا ! بل تغيير سلوكه ! أي أن إخراج سورية من هذا التحالف الثلاثي هو الأهم، لواشنطن. والتركيز علي إسقاط النظام الحالي دون الإهتمام بالبديل الأفضل، إنما يورّد الحب الي طاحونة المخططات الأمريكية في المنطقة، بغض النظر عن النوايا. والإخوان المسلمون الذين ترعاهم اليوم تركيا، وتعلن واشنطن صراحة أنها تتحاورمعهم، لن يترددوا لحظة، إن أصبحوا هم البديل للنظام الحالي في سورية، في تفكيك هذا التحالف ، بل في الإصطفاف في جبهة معادية لإيران وحزب الله، ولو تحت غطاء طائفي : سني - شيعي!
ولم يبق أمام النظام السوري إلاّ سبيل التنازلات المتواصلة، حتي يتغير شكلا وموضوعا . لقد أضاع فرصا لا تعوّض . فلو باشر عملية إصلاحات حقيقية لدي بدء الحراك الشعبي، لكان قوي مع كل خطوة في هذا الإتجاه . أما الآن، فكل خطوة في طريق الإصلاحات الحقيقية تضعفه، لكنها، بالمقابل، تفتح امكانيات حقيقية لتشكل بديلا أفضل.
امبريالية تركية
أما تركيا التي تفاقم نشاطها كثيرا، في الآونة الأخيرة، في سبيل أجندة طموحة، أعلن خطوطها العامة وزير الخارجية الحالي، في الثاني من أيار 2009 حين قال:" إن تركيا لديها الآن رؤية سياسية خارجية قوية نحو الشرق الأوسط والبلقان ومنطقة القوقاز "، فليس من الحكمة السياسية تقييم أفعالها وفق معيار واحد . فحيث تتجه للتدخل في الشئون العربية الداخلية أو المشاركة مع نشاطات أمريكية في المنطقة ضد الشعوب العربية، فمن المنطقي والواجب فضح هذا الدور والتصدي له . وبالمقابل، فأي مظهر، ولو تكتيكي، للتمرد التركي علي الإرادة الأمريكية، أو تعارض وتناقض مع السياسة الإسرائيلية في المنطقة، فهو يستوجب الدعم والتأييد ؛ مأخوذ في الحسبان أن التناقض بين تركيا واسرائيل، ليس مجرد تكتيكي وعابر، كما يظن البعض؛ بل استراتيجي وبعيد المدي . إنه أولا، صراع علي موقع القوة الإقليمية الأولي في المنطقة، الذي احتلته اسرائيل، وعلي مدي عقود، بالدعم الأمريكي الكامل، وثانيا، صراع علي جرف الغاز والنفط، شرقي المتوسط ، الذي تم اكتشافه حديثا . وهذا الصراع قد يجرّ الي حلبته قوي أخري مثل قبرص بشقيها واليونان، ولا يستثني أي احتمال . ومعلوم أن واشنطن فشلت، حتي الان، في معالجة هذا التناقض بين حليفيها الإسترايتجيين . واذا كانت واشنطن تعتبر تحالفها مع إسرائيل هو الأكثر ثباتا، لأنه قائم لا علي قناعة ودعم الفئات الحاكمة وحسب، وإنما دعم وقناعة الجمهور الإسرائيلي اليهودي، الذي تعبّأ، علي مدي عقود بأنه دون التحالف مع الولايات المتحدة فهو معرّض لخطر التصفية من المحيط المعادي . ومع ذلك، فواشنطن تراهن اليوم علي أكثر من حصان في المنطقة، ومن يؤمّن مصالحها ويخدم مخططاتها علي نحو أفضل، فله الحظوة.
وإذا انتهت الجولة الأولي في المسعي الأمريكي، لفرض مشروع الشرق الأوسط الكبير بنكسة واضحة له، في ظروف أفضل للقوي التي وقفت وراءه ودعمته؛ فالظروف،اليوم، في المنطقة أفضل بشكل واضح لإفشال أي جولة جديدة لفرضه، هو أو سواه، مأخوذ في الحسبان الحراك الشعبي العربي الذي يشمل الملايين، كان الإرهاب الحكومي يشل إرادتها، وكذلك، تضعضع مواقع واشنطن في المنطقة، وعزلة إسرئيل المتزايدة ؛ ومأخوذ بالحسبان كذلك اتساع دائرة المعركة هذه المرة ومشاركة قوي إقليمية ودولية جديدة ؛ رغم ما يحمله هذا الإتساع من احتمالات المواجهات العنيفة وحتي الحروب .
وبمقدار ما يفرز الحراك الشعبي العربي الجاري أنظمة متحررة من النفوذ الأجنبية وتعكس إرادة شعوبها، بمقدار ما يشكل نظاما عربيا جديدا، يأخذ في ملء فضائه الطبيعي الذي تطاولت عليه وتمددت علي حسابه قوي دولية وإقليمية. وحينها، سيكون علي هذه القوي المعادية أن تتقلّص وتعود الي حجومها الحقيقية، وفي مقدمتها إسرائيل.
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.