علاقة أمريكا بمصرمنذ 40 سنة تمر عبر المجلس العسكري احد اهم الدروس المستفادة من احداث الشهور العشرة الماضية، وما تخللها من تفاعلات بين الثورة والشعب من ناحية وتفاعلات بين الثورة والمجلس الاعلي للقوات المسلحة من ناحية اخري، هو تباين المواقف ازاء الثورة وازاء المجلس العسكري. لقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك انه ليس كل من يقف في صف المجلس العسكري مؤيدا للثورة بالكامل. وزاد هذا الفارق وضوحا في احداث الاسابيع الاخيرة التي اظهرت خلافات وتناقضات بين مواقف المجلس العسكري والثورة كما تعبر عن نفسها وكما ترفع مطالبها في ميادين التحرير في القاهرة وفي المدن المصرية الاخري. خلال الاشهر الماضية منذ بداية الثورة اظهرت الولاياتالمتحدة حرصا شديدا علي التعبير بطرق عديدة عن تأييدها الواضح للمجلس العسكري. وعندما وقعت احداث الصدام بين الثوار وعناصر وزارة الداخلية التي تنفذ اوامر المجلس العسكري لم تتردد واشنطن الرسمية في اعلان وقوفها في صف المجلس العسكري وليس في صف الثورة. ولم يكن قد مر اكثر من يومين علي بدء هذه الصدامات بين الثورة والسلطة حتي كانت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية فكتوريا دونالد تعلن (19 نوفمبر 2011) عن ان استخدام العنف من قبل السلطات المصرية او الشعب المصري ليس هو الحل واكدت ان الطريق الوحيد للخروج من كل هذه الاحداث هو صندوق الاقتراع. وقالت دونالد - ردا علي سؤال عما اذا كانت هناك اتصالات بين ادارة الرئيس اوباما والمجلس الاعلي للقوات المسلحة - ان السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون علي اتصال دائم مع جميع الاطراف في مصر. كما اكدت المتحدثة الأمريكية رغبة بلادها في قيام المجلس العسكري باجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد دون تأجيل .واضافت "لابد ان يكون التركيز في الايام المقبلة علي اجراء انتخابات حرة ونزيهة وسلمية، وعلي جميع الاطراف ضبط النفس للتمكن من اجراء هذه الانتخابات والمضي قدما في المسار الديمقراطي". من ناحية اخري اكدت المتحدثة الرسمية الأمريكية ان جيك والاس نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي تواصل الاتصالات مع جماعة الاخوان المسلمين بناء علي طلب الجماعة. في اليوم التالي اكدت نولاند ان بيان المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري "قدّم تطمينات وتأكيدات مهمة ارادها الشعب المصري واعربت عن اطمئنانها لاعلانه ان الانتخابات التشريعية ستجري في موعدها وهذا ما كنا قد طالبنا به...والامر الاهم ان العملية الانتخابية ونقل السلطة سيتمان قبل بداية يوليو 2012. واول ما يمكن ملاحظته في هذه التصريحات انها تتطابق مع مواقف المجلس العسكري تماما (كما تتطابق مع مواقف جماعة الاخوان المسلمين بصفة خاصة فيما يتعلق باجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها). ضد التوريث ولا يحتاج المواطن المصري الي اكثر من المتابعة ليدرك ان تأييد الادارة الأمريكية للمجلس العسكري هو استمرار لسياسة انتهجتها الولاياتالمتحدة في العلاقة مع مصر طوال السنوات الثلاثين عاما التي قضاها حسني مبارك في الرئاسة. فقد ظلت الاتصالات مستمرة بين المجلس والقيادات العسكرية الأمريكية. وعندما لاح للادارة الأمريكية ان مبارك ينوي ان يعهد الي المجلس العسكري بمهام الحكم وادارة شئون البلاد اتخذت واشنطن موقفا صريحا تمثل في دعوة مبارك للتنحي الي ان تنحي وآلت السلطة الي المجلس العسكري. ومن ناحية اخري فأن الدلائل تشير الي ان المجلس العسكري، الذي لم يعلن موقفا محددا من خطة توريث جمال مبارك الحكم، كان قد ابلغ المؤسسة العسكرية الأمريكية بمعارضته لهذه الخطة. وهكذا علمت الادارة الأمريكية ان المؤسسة العسكرية المصرية تعارض التوريث مثلها وشجعها ذلك علي ابلاغ مبارك وجمال بهذه المعارضة قبل وقت من ثورة 25 يناير. الامر الاخر الذي ينبغي ان يؤخذ في الاعتبار، فيما يتعلق بتأييد الادارة الأمريكية للمجلس الاعلي للقوات المسلحة حتي بعد ان تحولت علاقته بالثوار الي علاقة مواجهة واتسمت بالعنف متمثلا في تنفيذ الداخلية للاوامر الصادرة اليها، يتضح في تناقض الموقف الرسمي الأمريكي من الثورة المصرية مع الموقف الشعبي الأمريكي. فلقد عبرت جماهير الأمريكيين - وليس فقط جماهير المصريين والعرب المقيمين في أمريكا - عن اعتراضاتها علي الموقف الرسمي الأمريكي، خاصة بعد احداث ماسبيرو التي لم يتخذ ازاءها المجلس العسكري موقفا معارضا حاسما. ويؤكد هذا التناقض ان الشعب الأمريكي يهتم بالثورة المصرية ويتخذ منها موقفا مؤيدا ادراكا منه لاهمية هذه الثورة ودورها في اثارة اعتراضات الأمريكيين علي النظام الاجتماعي السائد في الولاياتالمتحدة واوروبا والذي زاد الطبقات الدنيا فقرا بينما ساعد الاثرياء علي زيادة ثرواتهم من خلال التباين الكبير بين ما يدفعه الفقراء من ضرائب وما لا يدفعه الاغنياء. عكس الاتجاه وعلي الجانب غير الرسمي ايضا يلاحظ ما اعلنه معهد بروكنجز للابحاث من ان استطلاعا للراي العام اجراه المعهد في مصر اظهر ان 43 بالمائة من المصريين يرون ان المجلس الاعلي للقوات المسلحة يسعي الي بطء الحصول علي مكاسب الثورة او يسير في عكس اتجاهها، وبالمقابل فان نسبة المصريين التي تعتقد ان المجلس العسكري يسعي الي الحفاظ علي نتائج الثورة تبلغ 32 بالمائة، في حين ان 14 بالمائة فقط ينظرون الي المجلس باعتباره غير مبال او محايد ازاء اهداف الثورة. اما علي الجانب الرسمي فان المسئولين في الادارة الأمريكية حرصوا علي تأكيد تأييدهم للمجلس العسكري المصري ووصلوا في ذلك الي حد ان وصفوا الانتخابات البرلمانية في مصر بانها ستكون ناجحة جدا. فاظهروا بذلك ثقة بقدرات المجلس العسكري، الامر الذي لم يصل الي هذه المرتبة لدي جماهير المصريين فضلا عن شباب الثورة. بل أن مصدرا بالسفارة الأمريكيةبالقاهرة اكد ان واشنطن واثقة تماما من ان المجلس العسكري سيترك الحكم وانه سيقوم بتسليم السلطة لقيادة مدنية منتخبة. واوضح هذا المصدر ان هذه التأكيدات وردت عبر كثير من الاتصالات بين المجلس العسكري والادارة الأمريكية. واعرب عن اعتقاد الولاياتالمتحدة بان الانتخابات المقبلة في مصر ستكون ناجحة جدا، مشيرا الي وجود تحديات كبيرة في المرحلة الحالية تمثل قلقا لأمريكا ابرزها المحاكمات العسكرية للمدنيين واستمرار العمل بقانون الطوارئ، "وهي امر تم تناولها خلال الاتصالات المصرية - الأمريكية وابرزها الاتصال الهاتفي بين الرئيس اوباما والمشير طنطاوي". واكد المصدر الأمريكي وجود مصالح استراتيجية أمريكية مع مصر. (صحيفة المصري اليوم في 17/11/2011). علاقة خاصة وتشير الدلائل من هذه التصريحات الأمريكية الي ان المجلس العسكري يظهر انفتاحا علي الجانب الأمريكي لا يصرح به فيما يدلي به داخليا، وخاصة ما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية بين واشنطنوالقاهرة (...) وبعد ... ستظل مواقف الولاياتالمتحدة وسياساتها ذات اهمية خاصة لمصر بعد كل ما مضي من عقود (أربعة لا أقل) استطاعت خلالها الولاياتالمتحدة ان تحقق المستحيل وهو ان تربط مصالح مصر بمصالح أمريكا الاستراتيجية مع استمرار علاقة التحالف القوية والاستثنائية مع اسرائيل. الامر الذي ادي طيلة هذه العقود الي تقزيم دور مصر القومي والاقليمي تحت مظلة الصداقة والوئام مع الولاياتالمتحدة. فهل نتوقع او نطمع من المجلس الاعلي للقوات المسلحة في ان يجعل العلاقات الخاصة مع الولاياتالمتحدة قضية موضوع مناقشة في هذه المرحلة المهمة من تاريخ التحولات في مصر والمنطقة العربية؟؟