صرعة الانتخابات .. وتفكك الائتلافات الحزبية للمرة الثالثة علي التوالي، وبناء علي طلب من الأحزاب، أجلت اللجنة العليا للانتخابات غلق باب التقدم للترشيح بعد مده يومين جديدين انتهيا أمس الأول الأثنين، والدلالة الواضحة لهذا المد أن معظم الأحزاب والقوي السياسية، بدت وكأن تحديد موعد لفتح باب الترشيح للانتخابات العامة قد باغتها، وفاجأها، خاصة بعد أن اضاعت وقتا طويلا في تكوين هذه التحالفات السياسية ثم الانسحاب منها، بعد الخلافات التي بدت بين أطرافها من جهة، ووسط صفوف كل طرف علي حدة من جهة ثانية. كما يعكس مد فتح باب الترشيح من جهة أخري حجم التعقيدات التي يحملها النظام الانتخابي الذي انقسم إلي ثلثين للقائمة وثلث للفردي، والذي يتحتم أن يراعي فيه المرشحون في أي من القسمين نسبة 50% للعمال والفلاحين. ومن الدلالات المهمة لغلق باب الترشيح في المرة الأولي، أن عدد المتقدمين للترشح علي المقعد الفردي في مجلس الشعب والذي بلغ أكبر 4500 مرشح، كان أكبر من عدد القوائم التي تقدمت للترشيح والتي لم تتجاوز 75 قائمة، فيما وصل المرشحون علي المقعد الفردي في الشوري إلي نحو 900 مرشح، ولم تتجاوز القوائم الحزبية 30 قائمة، وهي أرقام تقل كثيرا عما كان متوقعا، وتؤكد حالة الارتباك التي اصابت نحو 40 حزبا ونحو نصفهم علي الأقل من الأحزاب القديمة. وتكتسب الانتخابات البرلمانية التي ينتظر أن تنتهي خطواتها الأخيرة في مارس المقبل، أهميتها في رأي القوي التي ستشارك فيها أو الأخري التي تقاطعها، في أنها الانتخابات التي ستشكل استنادا إليها السلطة الثورية الانتقالية التي تشمل وضع دستور جديد، وتشكيل سلطة تنفيذية يمكن القول بأنها ستكون بمثابة حكومة الثورة، وهي خطوة في الطريق إلي الانتخابات الرئاسية، والدستور الذي سيوضع هو الذي سيحدد طبيعة نظام الحكم الذي سيحل محل النظام السابق، وهل سيكون جمهورية رئاسية أم جمهورية برلمانية أم جمهورية مختلطة. ويمكن القول إن التفاؤل بأن هذه الانتخابات ستؤدي إلي نتائج ايجابية من وجهة نظر كل الأطراف، أمر غير مؤكد وسابق لأوانه لأسباب متعددة من بينها، أن القوي الجديدة التي فجرت الثورة لم تظهر بشكل منظم وكاف ضمن الخريطة الحزبية التي ستخوض الانتخابات، ويشمل ذلك حتي القوي والأحزاب الإصلاحية التي كانت قائمة قبل الثورة، وتعرضت لعوامل تعرية بسبب مشاكل كانت تحيط بها وعوامل من داخلها. ومن بين تلك الأسباب أيضا أن الظروف السابقة، أعطت قوة لتيار وحيد من التيارات التي شاركت في الثورة بعد تفجرها، هو التيار الإسلامي، وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن القوي والفصائل الإسلامية الأخري، التي لم تكن تشتغل بالسياسة قبل الثورة، ونشطت لتشكيل أحزاب مثل السلفيين والصوفيين والجماعة الإسلامية. ومن بين الأسباب الداعية لعدم التفاؤل أيضا، أن كل المحاولات التي بذلت لكي تخوض قوي الثورة وحلفاؤها الانتخابات بقائمة موحدة، أو طبقا لتقسيم الدوائر بحيث لا تخوض الانتخابات متنافسة في دائرة واحدة، قد فشلت، إما لعدم جدية من كان يطروحونها، أو لتصور بعضهم أنهم الأحق بالحصول علي الأغلبية، أو بسبب خلافات ايديولوجية رسختها ممارسات بعض هذه القوي، خلال الشهور الماضية، علي النحو الذي بدا في الخلاف الذي حدث حول الانتخابات أولا أم الدستور أولا؟ والشعارات التي رفعها بعض فصائل التيار الإسلامي أثناء ما سمي بجمعة لم الشمل في 29 يوليو الماضي، التي كشفت عن وجود مشروعين متضادين لدي القوي التي فجرت الثورة أو التي شاركت فيها، أحدهما لإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، والثاني لإقامة دولة دينية إسلامية. ومن بين أسباب عدم التفاؤل أيضا، أن هذا الفشل في إقامة تحالفات سياسية بين قوي الثورة، شمل حتي المنتمين للتيار الواحد، إذ انسحبت بعض الأحزاب السلفية من التحالف الديمقراطي من أجل مصر، الذي تتصدره جماعة الإخوان المسلمين، ورفض حزب الوسط الدخول في التحالف منذ البداية. ونفس الأمر حدث في الكتلة المصرية، التي تضم عددا من الأحزاب الليبرالية واليسارية انسحب بعضها من بين صفوفها، وفضلا عن الأسباب السياسية والايديولوجية لانفراط هذه التحالفات والتكتلات، فقد كان الخلاف علي شغل رؤوس القوائم هو العامل الحاسم في هذه الظاهرة، ربما يؤدي إلي افشال كل محاولة للعمل المشترك بين هذه القوي، لأن هذه التحالفات كانت أقرب إلي صفقات انتخابية لتبادل الأصوات، منها إلي تحالفات سياسية حقيقية تقوم علي حد أدني مشترك بين الساعين إلي بنائها والمنتمين إليها. وجاء عدم حسم الموقف من التعامل مع الحزب الوطني المنحل ليتخذ ذريعة لانسحاب أحزاب وافراد من القوائم، كما اتخذته جماعة الإخوان المسلمين مبررا للتحلل من وعدها بأن لا تنافس إلا علي عدد محدود من المقاعد الذي يكفل لها الحصول علي ما لا يزيد علي 30% من أعضاء مجلسي الشعب والشوري ، وتمثل هذا في خوضها الانتخابات علي ما يتراوح بين 90% و100% من المقاعد الفردية، بدعوي الحيلولة دون فلول الحزب الوطني وبين احتلال هذه المقاعد. ما يدعو أيضا إلي عدم التفاؤل أن العوامل التقليدية الموروثة التي تشكل المحكات التي تقود الناخب المصري لاختيار ممثليه استنادا إليها كالروابط العائلية والعشائرية والقبلية والتعصب الجهوي والانحياز الديني والمال السياسي، والنظر إلي النائب باعتباره ممثلا لدائرة ووسيطا بين السلطة التنفيذية والجماهير، وليس نائبا عن الأمة بمجملها، ستظل قائمة ومؤثرة في الانتخابات القادمة، علي الرغم من أن ثلثيها بالقوائم من جانب، ولأن التخلص من هذه العوامل يتطلب زمنا أطول وجهدا أوفر ووعيا سياسيا أكثر عمقا مما تحقق حتي الآن. وفي ضوء هذه العوامل ، وربما غيرها، فالأرجح أن تسفر الانتخابات القادمة عن كتلة محورية، ستكون هي الأكبر تنظيما، والأغلب أن هذه الكتلة ستكون من المنتمين لتيار الإسلام السياسي وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، وأن بقية القوي السياسية سوف تشكل مجموعات صغيرة، ربما يصعب التنسيق بينها، لكنها ستتحول إلي قوة توازن قوة التيار الإسلامي، أو تدفعه للبحث عن مشتركات وطنية، بين مشروعه، وبين مشروع الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، طبقا للمعايير الدولية.