عقدت فئات المعارضة السورية خلال أسبوعين مؤتمرين منفصلين، أحدهما داخل سورية (في ضواحي دمشق) عقدته هيئة التنسيق الوطني الديموقراطي، والثاني عقدته معارضة الخارج في اسطنبول، وقد عجز الطرفان عن الاتفاق علي عقد مؤتمر واحد، يتوصل إلي برنامج عمل موحد، وقيادة موحدة، ولم يطالبهما أحد بتحقيق الوحدة التنظيمية. وكانت فئات المعارضة السورية الموجودة خارج البلاد قد عقدت عدة مؤتمرات أخري في أنطاليا واسطنبول وبروكسل وباريس وغيرها. نظمت معارضة الخارج، التي تضم جوهرياً معارضين يعيشون خارج سورية (معظمهم من أوروبا) سواء بسبب كونهم منفيين طوعاً وممنوعة عودتهم إلي سورية، أم لأنهم يعملون في أوروبا، مؤتمراً في اسطنبول يومي 1و 2 سبتمبر، وهذا المؤتمر هو في الواقع المؤتمر الثاني الذي يعقد في اسطنبول، إذ عقد الأول قبل حوالي شهرين، وقد ضم هذا المؤتمر (71) عضواً وكان باسم المجلس الوطني السوري، وكان معظم أعضائه من الخارج، أما سياسياً فقد ضم (33) إسلامياً، وكان الآخرون موزعين علي اتجاهات سياسية أخري، وأعرب معظم أعضائه عن دهشتهم لإدراج أسمائهم لآنهم لم يبلغوا بعضويتهم بمثل هذا المؤتمر، ولم يحضروا بالتالي إلي مكان انعقاده، ولعل هذا الخطأ جعل المشاركين في مؤتمر اسطنبول الجديد، يدعون بعض الآخرين غير الإسلاميين لحضور المؤتمر، منهم عدد من إعلان دمشق، وبعض المدعوين الآخرين، ولعلهم ارتكبوا خطأ فادحاً عندما لم يدعوا تكتل المعارضة الرئيس الموجود في الداخل والذي يضم (15) حزباً معارضاً إضافة إلي شخصيات وطنية، ويسمي نفسه (هيئة التنسيق الوطني الديموقراطي) ورغم أن المشرفين علي المؤتمر أو المجلس الوطني في اسطنبول أعلنوا أن جميع فصائل المعارضة السورية تشارك في مؤتمرهم، وعددوا (هيئة التنسيق، وإعلان دمشق، وتنسيقيات عديدة من المنتفضين) فضلاً عن الإسلاميين المستقلين والإخوان المسلمين، لكن ناطقاً باسم هيئة التنسيق الوطني، وهي التيار الأكبر من المعارضة السورية، وهي معارضة الداخل، صرح إن الهيئة لم تدع، ولم تحضر، وقال إننا تواصلنا مع الداعين لمؤتمر اسطمبول، وعرضنا عليهم اجتماع تيارات المعارضة جميعها، خارج اسطنبول، في عمان أوالقاهرة والبحث في عقد مؤتمر موحد، والاتفاق علي عدد المشاركين فيه، وممثلي الأحزاب والفئات والتيارات السياسية المعارضة، وجدول الأعمال. لا للتدخل الأجنبي إلا أن الداعين لمؤتمر اسطنبول لم يهتموا بدعوتنا، ولاعرضنا بهدف وحدة المعارضة، واستعجلوا بدعوة المؤتمرين دون هيئة التنسيق وحتي دون حضور التيارات السياسية المعارضة الأخري، وطلبوا من كل منها أن ترسل ممثلين أو ثلاثة، أي أنهم أرادوا إلحاقها بمؤتمرهم، واتخاذ القرارات التي يريدون علي أن تكون شرائح المعارضة هذه بمثابة شهود الزور. كانت هيئة التنسيق، التي عقدت مؤتمرها في 17/8/ في دمشق وحضر (300) مشارك من احزاب المعارضة ومن التنسيقيات المنتفضة ومن المستقلين، وأصدرت بياناً أهم ما فيه الدعوة (لإسقاط النظام الاستبدادي الفاسد) والتأكيد علي لاءات ثلاث هي (لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل العسكري الأجنبي). وقد تسرب عن أوساط الهيئة أن مؤتمر اسطنبول مقرب من تركيا، باعتبار معظم المشاركين من الإسلاميين، وأن تركيا تلح علي انعقاده كيفما كان، واختيار قيادة تكون جاهزة لطلب التدخل العسكري، وكذلك حاول الداعون للمؤتمر استبعاد هيئة التنسيق لأنها ضد هذا التدخل، رغم أنها الكتلة ألأكبر من كتل المعارضة. العصيان المدني سئلت هيئة التنسيق عن خططها لإسقاط النظام الاستبدادي الفاسد كما أقرت في مؤتمرها، مادامت ترفض التدخل العسكري، وكيف يمكن أن تحقق هذا الهدف دون تدخل عسكري، خاصة أن السلطة السورية، تتبني الحل الأمني أوالقمعي، وتستخدم أقصي درجات العنف، وزجت الجيش وأسلحته الثقيلة، وقوي الأمن وغيرها في محاولة لإنهاء الانتفاضة، عندما سئلت الهيئة هذا السؤال قالت مصادرها إننا أوردنا في بياننا الختامي الصادر عن مؤتمرنا تبني النضال السلمي، وأشرنا إلي الوسائل الأخري التي لم تستخدم بعد مثل الدعوة للإضراب الشامل وشل الحياة اليومية للمجتمع السوري، ثم الاعتصام في الساحات العامة، وأخيراًً تنفيذ العصيان المدني، الكفيل بإحداث تصدع في السلطة وإسقاطها. إن مشكلة تبعثر المعارضة مطروحة أمام شرائح المعارضة السورية التي اتفقت قبل شهر ونيف في الدوحة علي برنامج موحد وقيادة موحدة، ثم ما لبثت أن رفضه بعض أطرافها، وعادت إلي التشرذم من جديد، وها هي تتسابق في عقد المؤتمرات. ولعل المشكلة المستجدة هي موقف كل منها من التدخل العسكري الأجنبي المسلح الذي يبدو أن تركيا (وحلفائها) تنتظر تشكيل قيادة تطلبه عند الحاجة، كما تقول أوساط هيئة التنسيق.