حرية تداول المعلومات تأتي أهمية الحق في الحصول علي المعلومات وتداولها من اعتباره أحد أهم آليات تعزيز ودعم ممارسة الحقوق الأخري علي اختلاف أنواعها، فهو عامل أساسي لتهيئة سياق وبيئة عامة تحترم وتحمي وتؤدي الحقوق. هكذا تقول مقدمة التقرير المهم الذي أصدرته مؤخرا مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن «حرية تداول المعلومات.. دراسة قانونية مقارنة» التي شارك في إعدادها الباحثون والباحثات أحمد عزت وريهام زين وسارة المصري ورؤي إبراهيم وحررها عماد مبارك. توافق القانونيون ومناضلوا حقوق الإنسان في العالم أجمع علي أن الحق في المعرفة والوصول للمعلومات مكون أساسي من حزمة الحقوق السياسية والمدنية، وقد بينت دراسة «مسح القيم العالمي» أن شعوب المنطقة العربية هي من أعلي الشعوب رفضا للحكم التسلطي الذي يحجب المعلومات بمبررات شتي، كما أنها الأكثر تفضيلا للنظام الديمقراطي، وتقديرا لأهمية المعرفة في تحقيق التنمية الإنسانية. ويعتبر الحق في المعرفة هو الوجه الآخر لحرية التعبير والتي كانت موضوعا لكفاح طويل خاضه الصحفيون والمفكرون والطبقة العاملة المصرية علي امتداد التاريخ الحديث، فحرية التعبير لا تقتصر فقط علي حرية الأفراد في التعبير عن آرائهم، وإنما تشمل أيضا حق تلقي الآخرين لهذه الآراء المعبر عنها بحرية، وفشل أي نظام حكم في ضمان حرية وتداول المعلومات يعني فشله في الوفاء بكل الحقوق الأخري. وليس الحق في الوصول إلي المعلومات رفاهية زائدة عن الحاجة ولكنه يدعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية علي ثلاثة مستويات هي توفير الوعي لأن المعرفة تشكل وعيا أكبر بحقائق العالم ومجرياته، وهي أيضا ممارسة الرقابة علي أداء وإنجاز الحكومات فيما يخص التزاماتها تجاه المجتمع، أما المستوي الثالث فهو حق التقاضي والمحاسبة فيما يخص دعم وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. هذا فضلا عن أن حرية الرأي والتعبير تحتضن بداخلها حرية تداول المعلومات، وذلك قياسا علي الوضع الوارد في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص علي أن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود. ولكن المشرع الدستوري في مصر لم يعر أمر حرية تداول المعلومات اهتماما سواء في دستور 1971 أو في الإعلان الدستوري بعد الثورة وهو ما يعني أن الطريق لايزال طويلا لتأمين الحق في الوصول إلي المعلومات وتداولها بحرية في بلادنا حتي نصل إلي الوفاء بالمعايير العالمية في هذا الصدد. كما أكد المقرر الخاص لحرية الرأي والتعبير بمفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان «أن حرية تداول المعلومات والمعرفة ليست فقط دعامة أساسية من دعائم الديمقراطية، ولكنها أيضا أساس المشاركة والتنمية» وهو ما أكده كل من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. كما تتجه المعايير الدولية في هذا السياق إلي تقييد نطاق الاستثناءات مع توفير الحماية من العقوبات للموظفين في حال إفصاحهم عن أي معلومات وفقا لمبدأ حرية تداول المعلومات وكذلك حماية المبلغين، ونحن نعرف في تجاربنا اليومية كيف يمكن أن يتحول المبلغ المتطوع إلي متهم في بعض الحالات وكيف تعرض موظفون للعقاب لأنهم قدموا معلومات لصحفيين. ويتابع البحث تطور موضوع حرية تداول المعلومات عبر الصحف والاستثناءات الواسعة علي هذه الحرية وصولا إلي حالة الطوارئ التي فننت وقمعت هذه الحرية، وعدم التوازن بين الإتاحة والحجب للوثائق الرسمية والتاريخية مع الحظر المطلق لتداول المعلومات المتعلقة بأنشطة الجهات العسكرية والأمنية حتي وإن سبق نشرها بواسطة الجهة حائزة المعلومات أو أحد المسئولين في القوات المسلحة. ويخصص البحث جزءا للمعلومات والمعلومات الكاذبة والإشاعات ونتذكر في هذا الصدد ما حدث لعدد من الصحفيين قبل أربعة أعوام حين نشروا خبرا عن صحة الرئيس السابق وتعرضوا بسببه لحكم بالسجن. ويعتبر قانون حماية المستهلك 67 لسنة 2006 من القوانين النادرة في التشريعات المصرية التي نصت صراحة علي حق المستهلك في الحصول علي المعلومات ومن ضمنها الإفصاح عن المعلومات في سوق الأوراق المالية، ويفرد البحث مساحة للجهاز المركزي للمحاسبات باعتباره هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة تهدف أساسا إلي تحقيق الرقابة علي أموال الدولة. وقد تابعنا في الشهور الأخيرة بعد الثورة النقاش الذي دار حول تدخل رئاسة الجمهورية في عمل هذا الجهاز وتحديد ما يجوز له إثارته وما لا يجوز. وفي تقديمه للتجربة الهندية يقتبس التقرير قولا للزعيم جواهرلال نهرو يؤكد «إنني أفضل البطء في التنمية مع الديمقراطية.. علي النمو مع الديكتاتورية». وتؤكد التجارب التاريخية صحة هذا التوجه وحصافته. ورغم أن التقرير أشار سريعا إلي مشروع قانون حرية تداول المعلومات في مصر لكنه لم يتوقف أمامه بما يكفي خاصة أن نشطاء حقوق الإنسان اعتبروه قانونا لحجب المعلومات لا تداولها وإن كنا نتمني علي المجلس العسكري أن يسحب هذا المشروع ويتشاور مع منظمات حقوق الإنسان حول مشروع جديد يستفيد من تجارب الآخرين ويبقي أن نحيي مؤسسة حرية الفكر والتعبير التي أصدرت هذه الوثيقة التي لا غني عنها لكل المهتمين بالشأن العام.