تحتاج منظمات المجتمع المدني إلي رؤية جديدة، في ظل الثورة، وفي كل مجالات الحياة، رؤية تنظر إلي المستقبل، وإلي بناء مجتمع جديد، يرتفع بالعمل من صورة الوجاهة الاجتماعية إلي نظرة جادة ومهمة لتنمية وتغيير المجتمع، بمنطق المسئولية والمشاركة، وابتكار آليات وصياغة مستقبلية، تري الروائية «فوزية مهران» ضرورة استثمار التغيير والتحول الكبير الذي حدث للشخصية المصرية في انتفاضة ثورة 25 يناير، الذي حرك السلبية إلي روح جديدة تشمل الجميع، وتتطلع إلي عمل بناء، بالتآلف والتآخي والمحبة، وعلي جمعيات المجتمع المدني أن تعيد صياغة أسلوب العمل والتأكيد علي الحفاظ علي الروح الجديدة من منطلق إيماني «أن تحب لأخيك كما تحب لنفسك» وهي الوجهة والرؤية لخطة العمل، وتحقيق الصالح العام، وتغليب المصلحة العامة علي النفع الشخصي، ولنبدأ بقضية مهمة، وهي القضية التي تبحث عن الفساد المهول الذي جعل المنتفعين يحصلون علي أموال الشعب وحقوقه، والاستيلاء علي مقدراته وأراضيه، وبيعها، في حين أن الغالبية تعيش في تمزق وفقر، ويصل بنا الأمر لأن نجد آلاف الأطفال تهيم في الشوارع، وتقع صرعي الأمراض والجراثيم. فأطفال الشوارع هم أطفال مصر وأطفالنا جميعا، وعلي المنظمات الأهلية أن تتبني هذه القضية، والعمل علي إقامة مؤسسات حقيقية عبر بناء حقيقي للتعليم والتربية وإعادة التأهيل الإنساني بروحانية وانتماء. البيئة الحاضنة للديمقراطية الحقيقية، تري «د. فادية مغيث» عضو «مصريات للتغيير» أن مؤسسات المجتمع المدني لم تتمكن من ممارسة دورها الحقيقي، لأن السياق الذي كان يعيش فيه مجتمعنا، لم يكن ديمقراطيا بأي حال بل كانت هناك ممارسات صورية للتعددية، ربما للاستعراض أمام العالم، بدليل أن الدولة المصرية لم تتوان في التوقيع علي المواثيق الخاصة بحقوق الإنسان، الطفل، ومباشرة الحقوق السياسية للأفراد، ومع ذلك ما أكثر حوادث الاعتداء علي هذه المؤسسات وإغلاقها أحيانا بما فيها من سجناء للرأي، وهناك الجدل علي ق11 الذي يحظر علي الجمعيات ممارسة النشاط السياسي، وهذا القانون لا محل له في العمل المدني، فهو جائر لأن منظمات حقوق الإنسان معنية بالعمل السياسي وسجناء الرأي السياسي في الأساس، والسياق الديمقراطي وهو المرتبط ارتباطا وثيقا بالحقوق السياسية، بما فيها الحق في العمل والحق في السكن والحق في التعليم، وكل هذه الحقوق تعني بها الدول الديمقراطية. فالرؤية المستقبلية لهذا المجتمع تظل رهنا بمدي التغيير الذي ننشده بعد نجاح (ثورة شباب 25 يناير) فبقدر ما يكون التغيير متسعا تكون مباشرة جميع الحقوق متاحة وقوية وواضحة، وبقدر ما يكون التغيير عميقا بقدر ما تتأصل جميع الحقوق المدنية في ثقافة المجتمع ككل. أدوار متعددة للمجتمع المدني دور سياسي واجتماعي هذا ما تشير إليه سعاد عبدالحميد أمينة المرأة بالحزب الناصري، قائلة: هناك دور اجتماعي، وهو أن يتعاون مع الناس في إصلاح التلفيات، وهذا من الممكن أن يتم بلقاءات متعددة، وتوعية بأن هذه أملاكنا وأراضينا، ولابد أن نحافظ علي ممتلكاتنا ويتم ذلك مع الفئات العمرية المختلفة، الشباب والسيدات وتبدأ اللقاءات الشعبية في المناطق القريبة ثم تنتشر ويكون الانتشار أفقيا. وبالنسبة للساحات الشعبية، من الممكن أن تعقد فيها ندوات بأن ينسق المجتمع المدني مع الجهات الموجودة في هذه المناطق مع الثقافة الجماهيرية، ومع الساحات الشعبية. صور قديمة لم يكن للمجتمع المدني قديما دور يذكر، وكان دعم وزارة التضامن الاجتماعي «الشئون الاجتماعية سابقا» قليلا ولم تكن وزارة منتجة وذلك كما تقول الروائية هويدا صالح. وتؤكد أن بعض الجمعيات كانت تقوم بدور إنساني وهو جمع المعلومات عن الجرحي والقتلي ولكنه دور قليل إذا قيس بما تقدمه الجمعيات في الخارج، وهذه الجمعيات لابد أن تكون علي قدر من الثقافة، حتي تستطيع التفاعل مع المواطن ومع متطلبات المجتمع، بعض الجمعيات كانت تحصل علي إعانات من الخارج وتتهم بالخيانة، هذا المجتمع المدني من وجهة نظري كان هشا ويعمل بشكل كرنفالي وليس حقيقيا. لدينا عشرات المشاكل والتي في حاجة ماسة إلي دور المجتمع المدني منها العشوائيات، المرأة والعنف، أطفال الشوارع، والأمية وغيرها، وللأسف لا تقوم هذه الجمعيات بدور إيجابي في تناول هذه القضايا. أيضا أري ضرورة وجود رقابة حقيقية في الفترة القادمة خاصة بعد الإنجاز العظيم الذي حققته ثورة 25 يناير، نحن في حاجة إلي دور جاد للجان الشعبية أيضا الحقيقية، لتعمل في هذه الجمعيات، وتعقد الندوات وتطرح الأفكار، ولا ننسي الجمعيات المهمشة لابد من تفعيل دورها، وبالنسبة للجمعيات المغلقة لابد من عمل دراسة دقيقة لأسباب إغلاقها واتخاذ الموقف الإيجابي بالنسبة لها إما أن يفعل دورها أو تغلق. تطوير التشريعات وحول ضرورة تطوير المجتمع المدني تقول أمل محمود - نائب رئيس ملتقي تنمية المرأة: مازالت تحكم المجتمع المدني قوانين مقيدة للحريات، فلإشهار أي مؤسسة جديدة، يمر العمل بخطوات طويلة بالإضافة لوجود تدخلات، يقال إنها إدارية لكنها أمنية، تحد من حركة المجتمع المدني، ومن ثم لابد من قانون جديد، ينظم العمل بها، وكان لدينا ق34، ثم ق153 وأخيرا ق84 الحالي، والذي يصنع قدرا من القيود علي حركة المنظمات غير الحكومية. وبالنسبة للنقابات، لابد من تطوير القوانين بها أيضا، فقد صدر حكما قبيل ثورة 25 يناير، بإلغاء ق100 والذي ينظم العمل النقابي، ويضع قيودا وقواعد غير مقبولة، ومازال الحكم الخاص به في الترتيبات الإدارية المتعلقة بالبديل، فلابد من مبدأ استقلال النقابات عن الدولة. كذلك فيما يتعلق بالجمعيات، لابد ألا يشكل القانون أي نوع من التعقيد علي استقلالها أو التدخل في عملها أو تأسيسها أو توجيهها. نحن بحاجة إلي تطوير تشريعي واجب يحكم عمل منظمات المجتمع المدني، ويتيح حرية التعبير وحرية الرأي، والأمر الثاني علي مستوي توجهات المجتمع المدني ودوره، نحن أمام دور متصاعد في صناعة القرار، ولا نكتفي مثلما كانت تكتفي غالبية المنظمات والمجتمعات بالمشروعات الخدمية لأن المجتمع المدني في ظل مجتمع ديمقراطي تحكمه قاعدة المشاركة الشعبية وأداة لهذه المشاركة، ينظم جهود الناس ويعمل علي إطلاق المبادرات الشعبية في جميع المناطق، ومن ثم يكون طرفا أصيلا في صناعة القرار. أيضا لابد أن يلعب دور الرقابة علي المؤسسات التنفيذية والمحلية، أصبح أيضا علي منظمات المجتمع المدني في الفترة القادمة أن تلعب دورا كبيرا في رفع الوعي المجتمعي في أداء المشاركة، وكيفية المشاركة. الصعوبات والتحديات يمر مجتمعنا بمرحلة انتقالية غاية في الصعوبة ونواجه تحديات كثيرة، وذلك كما تقول «د. زينب رضوان» أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، والتي تضيف قائلة: من هنا كانت هذه ثورة 25 يناير المحترمة، دفعنا فيها ثمنا كبيرا جدا لتحقيق أهدافها النبيلة منها، إعادة إعمار البلاد وتثقيف الشعب وإيقاظ الوعي حول قضايا مهمة، لدعم العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، بحيث يتم إدماجها في وجدان أفراد المجتمع، ولابد أن تثبت هذه القيم المحفزة علي النمو والتقدم، والتنمية، ومن هنا يظهر دور المجتمع المدني بمختلف تكويناته، ولعل أبرزها المجتمعات الأهلية التي تلعب دورا حيويا وإيجابيا لبث تلك القيم المحفزة علي النمو والتقدم والتنمية، وتساهم في مشروعات خاصة بالتنمية والنمو، لأنه من الصعب أن ننتظر من الدولة القيم والاحتياطات المرتبطة بهذه المرحلة. ومن ثم يجب تفعيل دور المجتمع المدني من خلال سن تلك القوانين التي تيسر لها العمل وتحقيق الأهداف.. ومن ناحية أخري يجب أن تتضافر جهود انضمام المجتمعات المحلية والمواطنين لهذه الجمعيات، حتي تتحقق الأهداف.