"قراءات " في خطاب أوباما الشرق أوسطي لا يمكن ان يكون كاتب خطب واحد هو الذي صاغ خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي طال انتظاره قبل ان يلقيه في مبني وزارة الخارجية الأمريكية يوم الخميس الماضي . فالامر الواضح ان الرئيس الأمريكي عهد الي اكثر من كاتب خطب بهذه المهمة او فانه عهد الي كاتب خطب يدين بالولاء للاتجاه العروبي في وزارة الخارجية الأمريكية ، وسلمه بعد ذلك الي كاتب خطب اخر يدين بالولاء لاسرائيل والصهيونية العالمية ليغير فيه بالتعديل والاضافة بما يرضي اصحاب هذا التيار في الداخل والخارج . من الطبيعي ان يحير هذا الخطاب المحللين الذين اهتموا بتناوله لانه احتوي علي فقرات تنطوي علي سياسات ترضي اصحاب الاتجاه العروبي ، واحتوي في الوقت نفسه علي فقرات اخري تزيل تاثيرات تلك السابقة وتضيف فقرات اعتاد مراقبو السياسة الخارجية لأمريكا في الشرق الاوسط علي وجودها في خطب الرؤساء الأمريكيين علي مدي اكثر من ستين عاما . وهكذا تنوعت ردود الفعل ازاء هذا الخطاب من جانب العرب - من ناحية ، ومن جانب الاسرائيليين ومؤيديهم من ناحية اخري . فالكل حاول ان يجد فيه ما يرضيه ، والكل استطاع ان يجد فيه ايضا ما يصيبه بخيبة الامل بدرجة او اخري . بل ان الخطاب الذي يفترض انه موجه اساسا الي الشرق الاوسط اهتم بالراي العام الأمريكي . ولم لا فقد بدات حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية واصبح من الضروري اخذ الراي العام للناخبين الأمريكيين في الاعتبار . لهذا كان تركيز الرئيس أوباما شديدا وواضحا علي قضية الديمقراطية ، حتي انه كرر هذا المصطلح في خطابه 23 مرة . فقضية الديمقراطية تهم الرأي العام الأمريكي كثيرا لان الادارات المتعاقبة في الولاياتالمتحدة ديمقراطية وجمهورية تهتم بان يظن الرأي العام الأمريكي ان الديمقراطية هي السلعة الرئيسية التي تصدرها الولاياتالمتحدة الي العالم الثالث الذي يفتقر اليها . وتلح الادارات الأمريكية بشدة علي هذا المعني بالنسبة للشرق الاوسط حيث اسرائيل هي البلد الديمقراطي الوحيد في المنطقة ، وحيث لا يقترب الرؤساء الأمريكيون من علاقة بلادهم بالنظم الديكتاتورية الاستبدادية التي تؤوي قواعد عسكرية أمريكية او تجري دوريا مناورات عسكرية واسعة النطاق مع القوات الأمريكية . تجاهل الاستبداد ربما لهذا اسرف الرئيس أوباما كثيرا في الحديث عن الربيع العربي والثورات التي رافقته والتي صورها بانها تتطلع الي الولاياتالمتحدة بانتظار دعمها وتأييدها لتمكين الديمقراطية في المحلات التي خلت بخلع نظم استبدادية كانت تحميها أمريكا في المنطقة بكل الدعم والتأييد اللازمين . وربما لهذا لم يرد اي ذكر في خطاب أوباما للبحرين او السعودية او قطر او الامارات او الكويت او عمان من قريب او من بعيد تفاديا للحرج الذي من المؤكد ان يسببه وصفها كذبا بانها ملكيات ديمقراطية او وصفها صدقا بانها نظم استبدادية لا تقل في ذلك عن نظام حسني مبارك الذي خلعته ثورة مصر اوعن نظام زين العابدين بن علي الذي خلعته ثورة تونس. وفي خطاب أوباما لم يحن الاوان بعد لاعتبار احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية وممارسة اقصي واقسي درجات الوحشية في التعامل مع الشعب الفلسطيني الاعزل نوعا من الاستبداد الذي يستوجب نهاية حاسمة . لهذا لم يخفق الذين الفوا السياسة الخارجية الأمريكية واتجاهاتها طوال الاعوام الستين الماضية ان يجدوا ان الرئيس أوباما لم يجد العقبة الكأداء بوجه عملية السلام الأمريكية في المستوطنات الاسرائيلية الزاحفة بلا توقف علي ارض فلسطين ، ولم يجدها في وضع القدس التي تظهر اسرائيل كل العزم علي انتزاعها كاملة من الفلسطينيين لتكون عاصمة ابدية لاسرائيل لا يسمح بتحول اي جزء منها الي عاصمة للدولة الفلسطينية ... انما وجد الرئيس الأمريكي هذه العقبة التي توقف عملية السلام في حركة حماس ، خاصة بعد المصالحة الفلسطينية التي اولتها الثورة المصرية كل اهتمامها بجدية افتقدها النظام المخلوع الموالي تماما لما تريد واشنطن الموالية تماما لما تريد تل ابيب . وخلف الحذر من حماس وضع أوباما كل تصوراته الموالية للتصورات الاسرائيلية عن حدود اسرائيل وحدود الدولة الفلسطينية . فقد تبني بالكامل وجهة النظر الاسرائيلية التي لا تقبل حدود 1967 حدودا لدولة فلسطين الا بشرط يتيح لاسرائيل ان تستولي من اراضي فلسطين علي كل ما يروق لها مقابل التنازل عما لايروق لها ليكون جزءا من هذه الدولة في عملية "تبادل للاراضي" بين الدولتين . وتبني أوباما بالكامل مفهوم الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح تماما في مواجهة اسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط المسلحة بالقوة النووية (...) إنذار للفلسطينيين ولم يترك أوباما مجالا لاي اعتقاد بانه يلوم اسرائيل عن توقف عملية السلام ، انما هي مسئولية فلسطينية بالكامل وبلا تردد . بل انه لم يشأ ان يترك خيار الحل الدولي للفلسطينيين فلم يسمح لهم بتصور امكان تكوين الدولة الفلسطينية المستقلة عبر الاممالمتحدة - الامر الذي كان الحل وقت اقامة دولة اسرائيل - انما اعتبر ان لجوء الفلسطينيين الي الاممالمتحدة بمثابة نهاية لحلم قيام الدولة الفلسطينية .واختار أوباما ان يوجه انذارا الي الفلسطينيين بانه سيتعين علي زعمائهم ان يجدوا اجابة قابلة للتصديق خلال الشهور القليلة القادمة علي السؤال عن موقف حماس النهائي من اسرائيل : اعتراف كامل باسرائيل والا فلا محادثات ولا دولة فلسطينية . لقد اوضح الرئيس الأمريكي ان واجب الاسرائيليين والفلسطينيين معا ان يتخذوا الفعل الضروري (لاستئناف المحادثات بين الجانبين من اجل تحقيق السلام ) ولكنه لم يلبث ان وضع علي كاهل الفلسطينيين وحدهم مهمة اتخاذ الخطوة الاولي لايجاد جواب علي السؤال عن موقف حماس . وكانه يعطي لاسرائيل في يدها من الآن الذريعة التي تبرئها من عرقلة عملية السلام . واما عدا ذلك فان احدا - بما في ذلك الولاياتالمتحدة - لا يستطيع ان يفعل شيئا لدفع عملية السلام للامام. وفيما عدا ما جاء في خطاب أوباما عن مساعدة مصر الديمقراطية الجديدة بمليار دولار تلغي من ديونها للولايات المتحدة ومليار اخري مساعدة في صورة قروض فان أوباما آثر ان يترك امر العلاقات مع مصر - وكذلك مع تونس - كما هو ، الامر الذي يعني ان الثورة بالنسبة اليه لا تعني تغييرا - اي تغيير - في طبيعة العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة عما كانت عليه في زمن النظام المخلوع . هل يخدع أوباما نفسه ام يخدع الثورة المصرية والشعب المصري ام انه يرمي الي ان يخدع المجلس الاعلي للقوات المسلحة المتحالف مع الثورة وعهد الي نفسه بدور حمايتها ؟ لا نفط في الخطاب بل ان الرئيس الأمريكي تعمد ان يتحدث عن الشرق الاوسط والربيع العربي والمأزق الحادث في كل من ليبيا واليمن وسوريا دون ان يذكر شيئا عن النفط ... حتي وهو يتحدث عن المصالح الأمريكية . وكأن النفط لم يكن وليس الآن جزءا اساسيا من هذه المصالح الأمريكية في الشرق الاوسط . حتي ان موقع الاممية الاشتراكية علي شبكة الانترنت وصف غياب هذه الكلمة الصغيرة المؤلفة من ثلاثة حروف عن خطاب أوباما عن الشرق الاوسط بانه "دليل علي كذب الخطاب باكمله ... ففي كل من العراق وليبيا تنطوي الحرب ليس علي حقوق عالمية انما علي مصالح محورية ، هي دافع امبريالي أمريكي لممارسة الهيمنة علي احتياطيات الطاقة الاستراتيجية العالمية ." استنتاج واحد اكيد يمكن الخروج به من هذا الارتباك الفاضح لخطاب أوباما يوم الخميس الماضي هو ان الربيع العربي - ربيع الثورات - الذي لا يزال في بداياته الاولي قد اربك الاستراتيجية الأمريكية ، استرايتجية الامبريالية العالمية ، علي نحو لم يسبق له مثيل . وهو دليل علي ان نفوذ الامبريالية الأمريكية آخذ في التدني نحو انهيار حقيقي .