لا شك ما جري خلال الأيام القليلة الماضية في أحداث وتداعيات ثورية متلاحقة نجحت نجاحا باهرا أثني عليها الجميع سواء مجتمعات عربية أو عالمية.. حيث بدأت تتكشف أسباب وأسرار كل هذا الفساد الذي دفع بالملايين إلي قمة الثورة والغضب.. وليس القطاع الرياضي بمنأي عن هذه الثورة الشبابية المفرحة والمبهجة التي تدعونا جميعا للتفاؤل بمستقبل باهر. لكن دعونا نعاود التأمل والتفكير بمنتهي الهدوء والصدق والمنطق.. حيث تلاحظ الفارق الشاسع بين إدارات الأندية والاتحادات الرياضية في مصر وخاصة الكروية التي تعتمد علي السرية المطلقة في إدارة الأمور وإصدار القرارات مما ينتج عنها فساد مطلق.. بمعني ممارستها العمل الرياضي دون أوراق مكشوفة أو أرقام معلنة مما يدركها الفساد ويعشش فيها ويقضي عليها.. هذا ما غفلنا عنه لسنوات عديدة وتنبه له رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الفرنسي ميشيل بلاتيني من خلال رؤية واضحة المعالم ويتضمن ضرورة أن يعلن كل ناد ميزانيته الحقيقية ويحدد جميع موارده ومصادر دخله أيا كان نوعها أو حجمها وحجم إنفاقه وتعاقداته والتزاماته المالية مع الجميع سواء كانوا لاعبين أو أفرادا أو هيئات أخري يتعامل معها النادي.. كما أكد النجم الفرنسي أن الاتحاد الأوروبي من العام المقبل لن يسمح مطلقا لأي ناد يعمل في سرية وبأرقام غير معلنة وواضحة ومؤكدة وفي شفافية كاملة، ولن يسمح لأي ناد في أوروبا بأن ينفق أكثر من موارده.. والنادي الذي لم يلتزم بذلك لا مكان له في أي بطولات وأنشطة الاتحاد الأوروبي أو حتي في البطولات والمسابقات المحلية كان ذلك مشهدا معلنا بالتفاصيل من قبل بلاتيني الذي جاء متضامنا لنظافة الكرة الأوروبية وحرصا علي استقرارها ومستقبلها.. ورغم تحذيرات رئيس المنظومة الكروية الأوروبية للأسس القادمة إداريا وماليا إلا أن هناك كثيرا من الأندية الكبيرة تمارس هذا المنهج بشكل منظم وواضح لكن بلاتيني يسعي للتعميم حتي تنضبط هذه المنظومة وعلي سبيل المثال وليس الحصر نادي برشلونة الأسباني مدخولاته خلال الموسم الماضي بلغت 385 مليون يورو.. ووزع المبلغ علي عدة أمور موضحا أن 135 مليون يورو جاءت في حقوق النقل التليفزيوني و94 مليون يورو في بيع تذاكر المباريات علي الجماهير و117 مليونا من عوائد التسويق، و20 مليون يورو كعوائد متنوعة في مختلف المجالات بالإضافة إلي 18 مليونا جاءت من اشتراكات الأعضاء المنتسبين للنادي.. وكذلك الحال للنادي الملكي ريال مدريد أغني أندية العالم هذا الوضوح يتيح بشكل سلس ترتيب الأندية ال 20 الكبري حيث حصلت علي أكثر من أربعة مليارات يورو في الموسم الماضي وهو ما يجعلها في وضع جيد لتنفيذ لوائح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فيما يتصل بالممارسات المالية. أما في بلادنا المحروسة فلم نر سوي أنفسنا ولا نتطلع من دروس العالم الخارجي الذي يثبت يوما بعد الآخر نظرتهم المستقبلية بشأن الاستمرار في النجاح دون توقف.. علينا من الآن أن ننصف ماضينا المؤلم بكل ما فيه من فساد ونحاول تصحيحه بدءا من محاسبة جميع من تسبب في الوصول بنا إلي هذا المنحني المنجرف الوعر فهم معروفون لدي المجتمع الكروي.. ولابد من مراجعة جميع الأمور المتعلقة بالنشاط الرياضي وخاصة كرة القدم الذي ازدهر وترعرع فيه الفساد.. والإعلان عن الميزانيات الحقيقية للأندية والاتحادات من خلال جميع موارد الدخل وحتي وإن كان البعض منها علي شكل تبرعات وكل أوجه الإنفاقات والالتزامات.. فبلاتيني بات يخشي من الفساد في الأندية الأوروبية التي هي شركات أصلا ولها ميزانياتها المعلنة مسبقا فما بالك بنا نحن لا نعرف عن جميع الأرقام الحقيقية لأنديتنا لا رواتب مدربين أو عقود لاعبين أو تكلفة إدارة أي مشروعات ولا موارد أو مكاسب إعلانية أو عائدات تأتي من المباريات أو التبرعات مما أدي إلي استشراء حجم الفساد في كرة القدم المصرية.. فهل نرعي ضمائرنا ونمضي في طريق الإصلاح والتطوير من أجل شبابنا العظيم الذي يأمل في مواكبة المجتمع الرياضي العالمي.