وزعت وزارة الدولة للتنمية الإدارية في الحكومة مقالة في ورقة تحت عنوان مشروع قانون الوظائف المدنية الجديد، ومن قراءاتها، تبين أنها ليست بمشروع قانون يحتوي كما جري العرف علي مواد القانون، وإنما مجرد قواعد ونقاط عن أهم ما احتواه هذا المشروع. كما ذكرت الورقة «أن الوزارة سوف توالي تباعا نشر تفصيلات أدق وأشمل عن مشروع قانون الوظائف المدنية الجديد» مما يفهم منه أنه ليس بمشروع، لكن ما جاء في هذه الورقة- علي نقصه- يصلح للتحاور والنقاش دون تجاهل ما حدث في مصر من ثورة عظيمة في 25 يناير كنست عصرا بأكمله بامتيازاته وتجبراته وثغرات قوانينه وعقم تشريعاته التي نفذ منها الفاسدون والمتربحون وزادت الفئات الدنيا تهميشا وفقرا وبطالة. مصطلحات متضاربة جاء في الورقة مصطلح قانون الوظائف المدنية الجديد ثم قالت يتضمن «المشروع الأحكام والقواعد الحاكمة للوظيفة العامة» أي أن هناك مصطلحين، فهل هو قانون للوظائف المدنية فقط دون العسكرية.؟ إن صح ذلك التفسير فلا بأس، أم هو قانون للوظائف العامة يقتصر علي الحكومة والهيئات العامة والإدارة المحلية والقطاع العام بعيدا عن الوظيفة الخاصة بالقطاع الخاص. طبعا هو كذلك ، وهذا ما ينبغي أن يكون لأن القواعد التي تحكم العمل في الحكومة غير تلك التي تحكم العمل في القطاع الخاص فالأولي تفترض أنها تركز علي البعد الاجتماعي والثانية تستظل بحرية السوق وحرية العمل وحرية الفصل وأيضا الحوافز وغيرها، لكن ذلك غير واضح في المشروع الذي وإن كان يحكم قواعد الوظيفة في المشروع العام إلا أنه قال «تسري أحكام القانون علي الوظائف المدنية في الوزارات والمصالح والاجهزة الحكومية والإدارة المحلية والهيئات العامة، ولا تسري أحكامه علي وظائف الجهات والهيئات التي تنظم شئون وظائفها قوانين خاصة إلا فيما لم يرد بشأنه نص خاص» إذا فهو ليس قانون للوظائف العامة حيث إن عشرات الهيئات في مصر لها قوانين خاصة تحفل بالأجور العالية والحوافز التي لا يحكمها سقف والامتيازات المفرطة بل إن هذه الهيئات حرصت علي أن تورث هذه المزايا لابنائها فاحتكر الأولاد فرص الحلول محل الابناء في المصالح الحكومية التي يعملون فيها وأعرف أحدا من رجال هذه الهيئات وظف ابنه وزوج ابنته وكذلك ابن خالتها في الهيئةالتي يعمل فيها. بل إن هذا التميز المفرط في الأجور والنفوذ جعل بعض مصالح الحكومة التي تخضع للوظيفة العامة ويحكمها القانون العام وهو القانون 47 لسنة 1978 الخاص بنظام العاملين في الدولة خلقت لنفسها طريقا للتميز والتحفيز والحصول علي الأموال الضخمة دون سند من القانون، وعلي سبيل المثال مصلحة الضرائب المصرية التي يحصل فيها العاملون في مكتب رئيس المصلحة علي أموال شهرية تحت مسميات مختلفة تزيد بعشرات المرات علي اقرانهم في المأموريات ولجان الطعن الذين يماثلونهم في الدرجة الوظيفية وهو جزء من الفساد الإداري الذي آمل ألا يستمر بعد 25 يناير 2011. معيار الكفاءة إذا فهذا المشروع ليس قانونا للوظيفة العامة طالما هناك قوانين مميزة للكثير من الجهات الحكومية وهو قانون عام فقط في الإجازات والحضور والانصراف والجزاءات ولكنه ليس كذلك في الأجور والمكافأت والحوافز والبدلات حيث قالت الفقرة التي أشرنا إليها من قبل تحت بند المخاطبين به (أو لا تسري احكامه علي وظائفها قوانين خاصة، إلا فيما لم يرد بشأنه نص خاص» كالإجازات والحضور والانصراف والجزاءات كما أسلفنا. وكثيرا من أحكام هذه الورقة ركزت علي هذا المنهج وهو التميز وعدم العدالة التي تكرس الوساطة خاصة في الوظائف القيادية واختيار القيادات للوظائف العليا. لكن بعض أحكام هذا المشروع فيما عدا ذلك قد حوت بعض الايجابات التي لا يمكن انكارها. والخلاصة أن هذا المشروع هو جزء من النظام المنهار والذي اسقطته ثورة مصر العظيمة التي لن تسمح بتشريعات تسمح بالتميز والاثراء بلا سبب علي حساب المجموع الفقير من الفقراء والمحدودة الدخل. فلنشرع قانونا للوظيفة العامة يتشابه فيه موظفو الشهر العقاري مع رجال الشرطة ورجال القضاء دون انكار اعطاء حجم العمل وكثافته حقا متميزا مقارنة بالعمل الأقل وقتا وجهدا وخبرة وفكرا، علي أن تكون الفروق المالية في النطاق المعقول والتي لا تسمح بتراكم الثراء علي جانب والافقار علي الجانب الآخر!!