الأربعينيات عقد انتصار حركة العداء للشيوعية مع اقتراب الحرب العالمية الثانية كان الحزب الشيوعي الأمريكي قد اقام لنفسه اوسع قاعدة من الحلفاء الليبراليين ومن اصدقاء النقابات العمالية، متجاوزا في ذلك كل ما أمكنه فعله في هذا المجال وفي اي وقت من الاوقات. مع ذلك لم يكن الحزب في ذلك الوقت قد حقق نجاحا يذكر في صد موجات خصومه واعدائه المتتالية، ولا استطاع حتي ان يحيد هؤلاء الخصوم والاعداء الذين ظلوا لسنوات يتربصون به بانتظار فرصة لفرض عزلة تامة عليه. وفي هذا الوقت بالتحديد حدثت داخل الحزب الازمة التي يمكن تسميتها بأزمة ايرل براودر. فقد تم عزل براودر من زعامة الحزب وشاع ان العزل تم نزولا علي رغبة موسكو التي كان لها اعتراض شديد علي بعض مواقفه، وبعد ان اصدر الامين العام للحزب الشيوعي الفرنسي رسالة علنية انطوت علي انتقادات حادة لبراودر. ادت هذه الازمة الي نوع من الالتباس داخل الحزب وخارجه حول مدي استقلالية الحزب ومدي خضوعه لتوجيهات قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي. وصدر نوع من الحكم العام من الراي العام الأمريكي بان براودر انما ازيح من زعامة الحزب لاسباب تكشف "خضوع الحزب لقوي اجنبية". وعلي الرغم من ان فترة الحرب العالمية الثانية من عام 1939 الي 1945 كانت بمثابة فترة هدنة في المواقف العدائية تجاه الحزب _ وكان ذلك نتيجة تحالف الاتحاد السوفييتي مع الولاياتالمتحدة ومعسكر الحلفاء ضد ألمانيا ومعسكر المحور - لكن الحزب خرج بعد هذه الفترة اضعف مما كان قبل الحرب. ولم ينجح في تجاوز ازمة ازاحة براودر ولم يحقق رغبته في ان تبدو قيادته الجديدة قوية ومتماسكة. ذلك ان عمليات الطرد والتطهير استمرت بالنسبة لاعضاء كثيرين، كما سادت حالة من المرارة والسخرية لدي اعضاء قضوا سنوات طويلة في الحزب. وتصف "موسوعة اليسار الأمريكي" هذه الحالة بقولها "إن اخلاقيات اليسار واجهت فيضانا من اخلاقيات الطبقة المتوسطة واخلاقيات خصوم الشيوعية المتواطئين ضدها". وقد حدث هذا "في وقت كان الحزب يواجه فيه تأثيرات الحكم القمعي في روسيا وبلدان اوروبا الشرقية وبشكل عام القيود والضوابط الستالينية علي الحقوق والحريات المدنية". وتبين للحزب في تلك الظروف ان تحقيق تحول حقيقي من جديد نحو الاخلاقيات والمبادئ اليسارية بصورة سريعة كان امرا مستحيلا او شبه مستحيل علي اقل تقدير. كانت الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بزعامة الولاياتالمتحدة والمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي قد بدأت، او بالاحري استؤنفت فور انتهاء الحرب العالمية الثانية دون اي انتظار. وبدأت تظهر مع علامات الحرب الباردة بوادر الحملة المنظمة ضد الشيوعية والشيوعيين الأمريكيين، ليس فقط من جانب المنظمات اليمينية، بل من جانب الوكالات الرسمية الحكومية وبمشاركة القوي والتنظيمات الليبرالية التي كانت تتعاطف مع مواقف اليسار السياسية والاقتصادية - الاجتماعية في السابق. وهكذا بدأت حملة طرد الشيوعيين من منظمات مثل "الأمريكيون من اجل العمل الديمقراطي". وبالمثل بدأ الاتحاد العام للعمال الأمريكيين عملية "ازالة لمراكز النفوذ الشيوعي" من تنظيماته المركزية والفرعية. وكان الهدف المعلن لهذه الحملة وشبيهاتها "تهميش دور المؤمنين بالشيوعية". ردا علي هذه الحملات المنظمة والقوية قاد الحزب الشيوعي الأمريكي جهدا قويا ضد الحرب الباردة في القطاعات المختلفة علي امل اعادة روح الوفاق بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي، كذلك اعادة النظرة الايجابية والوئام الي الشخصيات اليسارية. وفي هذا الصدد قامت منظمة "مواطنو أمريكا التقدميون" بنشاطات عديدة جندت فيها شخصيات شهيرة وذات ميول تقدمية - منهم عدد من نجوم السينما والغناء والمسرح - لمناهضة سياسات الرئيس هاري ترومان انذاك التي كانت مزيجا من الاصلاحات الداخلية والعدوانية الخارجية. وعندما اقترب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية التالية في عام 1948 وضع الحزب كل تأييده بلا تحفظ وراء حملة المرشح المستقل هنري والاس. وكان من نتيجة هذا العمل اليائس ان دفع الحزب ثمنا غاليا من شعبيته بعد هزيمة والاس القاسية امام الرئيس ترومان. وكان من نتائج هذه الهزيمة ان اجبر عدد من المنظمات المتعاطفة مع اليسار علي الانتقال الي صفوف اليمين لتنأي بنفسها عن اي علاقة وثيقة مع الحزب الشيوعي. وواجه الذين بقوا علي تعاطفهم او تاييدهم للحزب الشيوعي عقوبة الطرد من تنظيماتهم، بما فيها النقابات العمالية. في هذا الوقت بدأت في الظهور اساليب الحملة الحكومية التي حملت في التاريخ الأمريكي اسم "الذعر الاحمر" ولم تتاخر عن استخدامها منظمات رجال الاعمال والشركات والمؤسسات المملوكة لهم. وعلي الفور بدأت حملة الاستجواب لكل من يشتبه في ميله لليسار من جانب مكتب التحقيقات الاتحادية (اف.بي . اي. ،اي المباحث الجنائية) وقد شبهت عمليات الاستجواب بعملية الشواء علي النار. واتسعت العملية لتشمل الاقارب والاصدقاء والمعارف والزملاء ولتشمل مراقبة التليفونات والبريد. وقد صاحبت ذلك كله حملات المنظمات اليمينية وصيحاتها بضرورة التعامل مع "الحمر" بكل الشدة الممكنة. ولم تكن الاجهزة الرسمية بحاجة الي تحريض. بوجه عام اتخذ الحزب الشيوعي اتجاها بعيدا عن تأييد المرشحين المستقلين في كل انواع الانتخابات نتيجة للهزيمة التي مني بها والاس. وفي الوقت نفسه بدأت حركة هجرة واسعة النطاق من جانب الافراد من التنظيمات اليسارية او التي عرف عنها الميل الي اليسار، كذلك بدات عملية هجرة جماعية من نوع اخر من جانب التنظيمات التي كانت تأخذ مسارا يساريا بدرجة او باخري، معلنة لنفسها مواقف "مستقلة". بالنسبة لهؤلاء الافراد ولهذه التنظيمات كف الحزب الشيوعي عن كونه "مركز القوة للسياسات التقدمية". باختصار كانت حركة العداء للشيوعية قد اكتمل بناؤها في القطاعين العام والخاص. وجاء ذلك في وقت اصاب فيه الحزب في نهاية عقد الاربعينيات من القرن العشرين اقصي درجات الضعف. ساعد علي ذلك الموقف المبدئي المفهوم من جانب الحزب ضد الحرب الكورية التي بدأت مع بداية العقد الخامس من القرن واستمرت لثلاث سنوات. فقد استخدمت حركة العداء للشيوعية هذه المعارضة للحرب علي انها دليل جديد علي ولاء الشيوعيين الأمريكيين لموسكو واعتبارهم "طابورا خامسا" يقوم باعمال هدامة ضد الدفاع الوطني الأمريكي. وفي هذا الجو العام استمرت حملات الصحافة التقليدية الأمريكية (التي تسمي في الولاياتالمتحدة "صحافة المؤسسة") في اطلاق مانشيتات معادية للشيوعيين واليسار بوجه عام من نوع "المباحث الجنائية توجه ضرباتها ضد 20 الفا من الحمر". وزاد الطين بلة عند ظهور قضية الزوجين الشيوعيين روزنبرج اللذين اتهما بنقل اسرار القنبلة الذرية الي الاتحاد السوفييتي، ثم ادانتهما واعدامهما. وكان انتصار الشيوعيين في الصين علي حلفاء أمريكا بصورة نهائية وقيام جمهورية الصين الشعبية عاملا اضافيا لزيادة حملات الكراهية ضد الشيوعيين في أمريكا والعالم. وقد ادت هذه الحملات الي الزج بالآف الشيوعيين في السجون والمعتقلات ابتداء من الولاياتالمتحدة غربا الي المالايو شرقا. لكن الامر الجدير بالاعتبار ان كل حملات القمع ضد اليسار الأمريكي كانت قد بدات واتسعت واكتسبت اقصي درجات الحدة حتي قبل ان تظهر "المكارثية" لتمارس هذا القمع من خلال استجواباتها للمسئولين المدنيين والعسكريين خاصة في وزارتي الخارجية والدفاع.