الفساد تحول في مصر إلي «بنية مؤسسية» تاريخ الفساد في مصر طويل، يمتد لفترات طويلة من تاريخ مصر، فمنذ بداية مايطلق عليه ظهور "الدولة الرخوة" في أعقاب نكسة1967، شهدت مصر نموا وتطورا غير مسبوق للفساد، فالدولة أصبحت عاجزة عن التصدي للفساد سواء بمنع وقوعه أو بمعاقبته، وتحول الفساد في مصر إلي "بنية مؤسسية"، بسبب النظم المالية التي تدار بها الدولة، وتدفع الناس إلي ممارسة الفساد، من خلال سياسات لإفساد أفراد الهيئات السياسية بالمجتمع, بالإضافة إلي استمرار سياسات إفقار الطبقات المحدودة الدخل مما يدفع الجميع إلي الرشاوي. فبعد ثورة 1952 والقضاء علي الرشوة والمحسوبية، عاد الفساد ليطل من جديد في مصر بعد 15عاما من الثورة، ففي أواخر الستينيات أصبحت الدولة تخشي مواجهة الأثرياء، ومستعدة للتغاضي عن نزواتهم، وعلي استعداد لأن تسمح لهم ولغيرهم بتهريب البضائع، الممنوع استيرادها، إلي داخل مصر، وتهريب النقد الممنوع تصديره إلي خارجها، والتهاون في تحصيل الضرائب ، وتحول بعض السياسيين إلي مستثمرين. وبعد مرور ثماني سنوات علي النكسة، وفي منتصف السبعينيات، بدأت الفرص الحقيقية للفساد والإفساد، مع تطبيق سياسيات الانفتاح الاقتصادي، ومع تدشين سياسة الانفتاح، انتشر توزيع تصاريح الاستيراد وتوكيلات الشركات الأجنبية علي الأقارب والمحاسيب، وبدأ تنفيذ الدولة مشروعات للتعمير مشكوكاً في فائدتها، تحقيقاً لمصالح خاصة قريبة من السلطة، وتضخمت العمولات المقبوضة علي صفقات الحكومة. وقد بدا الإغراء شديداً في هذه الفترة لمديري شركات القطاع العام الذين يقبلون الدخول في مشروعات مشتركة مع شركات أجنبية ولو أدي هذا إلي الإضرار بعمال وموظفي الشركات القديمة وزيادة أعباء المستهلكين، حسبما ذكر د.جلال أمين المفكر الاقتصادي في مقالاته وفي الزراعة انتشر التعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء المخالف للقانون، حني كاد ما فقدناه من أراض زراعية خلال السبعينيات، بسبب البناء، يعادل ما أضافه السد العالي. وفي الإسكان بدأت ظاهرة جديدة تماماً، وتكرر حدوثها عبر فترات قصيرة، وهي سقوط عمارات حديثة البناء بسبب استخدام أسمنت مغشوش، أو التوفير في كمية الحديد، أو إضافة أدوار جديدة دون ترخيص...إلخ. أما في عهد الرئيس مبارك، إذ أصبح الفساد جزءاً لا ينفصم عن النظام نفسه، فقد جري شيئاً فشيئاً منذ الثمانينيات "تقنين الفساد" من خلال " رأسمالية المحاسيب" والتي بدأت في الظهور في التسعينيات. فساد الصغار وخلال العامين الماضين فقط ، تم ضبط 138 ألف قضية فساد في مصر، معظمها لصغار الموظفين في الدولة، وبحسب تصريحات المستشار تيمور مصطفي، رئيس هيئة النيابة الإدارية، فإن مصر شهدت 68 ألف قضية فساد إداري خلال عام 2010، بينما كان عدد القضايا 70 ألف قضية خلال عام 2009، فيما بلغ متوسط عدد القضايا خلال المدة من عام 2000 حتي الآن نحو 65 ألف قضية سنويا، وقال تيمور إن الفساد أصبح ظاهرة منتشرة في مصر تقوم علي أساس مؤسسي منظم من قبل بعض الأفراد والجماعات. من ناحية أخري، ذكرت دراسة مسحية آراء المواطنين عن الفساد وجودة الخدمات الحكومية في مصر، أن معدلات الإبلاغ عن الفساد في مصر لا تتجاوز 4 بالمائة فقط، ويقدر الخبراء حجم الفساد في مصر مابين 70 مليار جنيه 100 مليار جنيه سنويا. رجال الأعمال واحتلت مصر المركز 89 في معدلات الفساد علي لائحة التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2010، وتساوت في الترتيب مع بوركينا فاسو والمكسيك، بينما جاءت الدانمارك ونيوزيلندا وسنغافورة في المركز الأول. وأرجع د. فرنك فوجل، نائب رئيس منظمة الشفافية الدولية تأخر ترتيب مصر في الترتيب العالمي لمكافحة الفساد إلي العديد من المشكلات المتعلقة بالفساد التي تتطلب مراجعتها، مرجعا السبب الأساسي لهذا التراجع إلي رجال الأعمال. واعتبر تقرير دولي أن الفساد في مصر أصبح إحدي الظواهر الخطيرة في الدولة، ولا يقتصر علي مستويات بعينها من صغار الموظفين، بل يصل إلي وزراء وبرلمانيين. وأشار التقرير إلي أنه رغم مجموعة القوانين والأجهزة التي تكافح الفساد، ما زال الفساد يمثّل واحدة من _الظواهر الخطيرة في مصر، لافتا إلي أن هذه الظاهرة لم تعد تقتصر علي قطاعات اقتصادية أو خدمية بعينها، كما لم تعد مقتصرة علي مستويات بعينها، بدءا من تورط صغار الموظفين إلي تورط وزراء وأعضاء مجلس شعب، في عمليات فساد كبيرة. تحذير أمريكي ومن جانبها، حذرت وزارة التجارة الأمريكية الشركات الأمريكية ورجال الأعمال الأمريكيين الراغبين في الاستثمار في مصر، من انتشار الفساد في الحكومة المصرية، خصوصا في مستويات الموظفين الصغار، وطالبتهم بالقيام بتحريات عن شركائهم قبل وضع أموالهم هناك. ووصفت الوزارة قضايا الفساد بأنها تحركها دوافع سياسية. وقالت وزارة التجارة الأمريكية في تقرير بعنوان "تنفيذ الأعمال في مصر، دليل للشركات الأمريكية" إن الفساد المنتشر يدعو للانزعاج، وأضافت الوزارة الأمريكية أن تهم الفساد التي تقيمها الحكومة لا تستهدف الأجانب أو المستثمرين الأجانب علي وجه الخصوص غير أنها، - كما ذكرت وزارة التجارة الأمريكية- تستهدف مسئولين وقعوا فيما بعد في خلافات مع الحكومة نفسها. وقال التقرير: "تشير الدلائل إلي أن القضايا التي رفعت للمحاكم تكون وراءها دوافع سياسية، بمعني أن القضايا تميل إلي رفعها ضد أشخاص ممن دخلوا في خصومة مع الحكومة"!. وذهب التقرير الأمريكي إلي الإدعاء أن مصر بها قوانين مكافحة فساد جيدة، غير إن وزارة التجارة الأمريكية قالت :"علي الرغم من أن القانون يوفر عقوبات جنائية للموظفين الفاسدين لكن الحكومة لا تنفذ القانون بانتظام أو بكفاءة حيث إن الحصانات لدي البعض مشكلة". الفاسدون وفي الدراسة التي أعدتها كلية الآداب جامعة القاهرة،بمشاركة مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء، حول تحليل أسباب الفساد الإداري، ودوافعه علي المستويين الاقتصادي والاجتماعي، أظهرت أن 83.6 بالمائة من المصريين يرون أن الفساد زاد في مصر. وحول انتشار الفساد في المجتمع، أكدت الدراسة أن غالبية رجال الأعمال ذوي السلطة هم الأكثر فساداً في المجتمع بنسبة 43.1 بالمائة يليهم التجار ثم رجال الشرطة وأعضاء المجالس المحلية، ويأتي في المرتبة الأقل فساداً في المجتمع رجال الدين الخاضعون للحاكم. وأشارت البيانات إلي أن المصالح الحكومية ذات الطابع الخدمي جاءت حسب الدراسة في المرتبة الأولي لأكثر المؤسسات فساداً في المجتمع بنسبة 48.4بالمائة، وتليها مؤسسات قطاعي الصحة والتعليم بنسب متقاربة ثم وزارة الإعلام ووزارة الداخلية والمحليات. وأرجع الخبراء أشكال انتشار الفساد في مصر تدور حول غياب سيطرة القانون، وهيمنة السلطة التنفيذية علي الحياة السياسية مقابل ضعف السلطة التشريعية، والاتجاه المتنامي للتزاوج بين المال والسلطة، خاصة بعد دخول عدد ملحوظ من رجال الأعمال مجال العمل السياسي وحصولهم علي عضوية مجلس الشعب، واتجاههم إلي استغلال تلك العضوية للحصول علي امتيازات اقتصادية ومالية واسعة خارج القوانين القائمة.