للناقدة المسرحية د. نهاد صليحة إسهامات إبداعية ونقدية متعددة، فهى أحد أبرز الأقلام النقدية فى المسرح المصرى والعربي، وتحمل كتاباتها – دائما – رؤية مستقبلية لتطوير الخطاب المسرحي، ظهر ذلك جليا فى عدد كبير من مؤلفاتها ومنها «التيارات المسرحية المعاصرة، و»المسرح بين الفن والفكر» و»التفكيك والأيديولوجيا»، و»أمسيات مسرحية» و»الحرية والمسرح» و»المسرح بين الفن والحياة» و»المسرح بين النص والعرض». هنا حوار معها حول رؤيتها لمستقبل المسرح العربي.. * كيف ترين مستقبل المسرح العربي؟ ** المسرح العربى يشمل مجموعة من العواصم العربية التى بها مجموعة من العناصر المسرحية المزدهرة كانت هناك مصر والعراقوسوريا ولبنان وتونس هذه الدول كان بها ازدهار مسرحي. منذ بدء الربيع العربى نجد أن الحركة المسرحية فى سوريا شبه متوقفة تماما، وفى العراق توقفت الحركة تماما بسبب الصراعات السياسية، وفى تونس نجد المسرح يعانى من تسلط التيارات المتشددة. الفترة القادمة فى سورياوالعراق لن يستطيع المسرح أن يستعيد ازدهاره إلا بعد أن تستقر الحياة السياسية هناك. أنا ربما أكون متشائمة، لست على درجة كبيرة من التفاؤل في استعادة العراقوسوريا لدورهما الثقافى فى الفترة المقبلة، لكن كلنا أمل أن تستقر الأحوال فى البلدين لأنهما من أكبر المعاقل المسرحية العربية، سوريا كانت الرائدة الأولى لإرساء قواعد المسرح العربي، ومنها دخل إلى مصر، والعراق كانت توجد بها حركة رائدة لسنوات طويلة. الحركة المسرحية فى الخليج بدأت فى السبعينيات من القرن العشرين والنظرة إلى خريطة العالم العربى فى الدول التى بها استقرار بدرجة ما بعد الربيع العربي، فى مصر هناك بوادر مشجعة، هناك جيل من شباب لهم تجارب مغايرة، هناك مهرجان مسرحى من شباب الهواة يقام حاليا تحت عنوان «آفاق» وهو مستمر لأكثر من شهر، وهناك مجموعة كبيرة من الفرق متقدمة فى التقنية المسرحية، وهناك مهرجان «ساقية الصاوي»، وهناك مهرجان مسرح الشارع «ألوان». ولك أن تتصور أن هناك عددا كبيرا من الشباب يقومون بالعمل المسرحى بدعم ذاتي، هذه الرغبة الجامحة تحتاج إلى الثقل والتدريب، وهذا هو الدور الذى يمكن أن تلعبه وزارة الثقافة فى الفترة القادمة من خلال استقدام الخبراء، والاستعانة بالأكاديمية لتطوير الثقافة المسرحية لأن الرغبة وحدها وروح الهواية لن تستطيع إنتاج حركة ثقافية ومسرحية، المسألة بحاجة إلى عمل مؤسسى كبير. وهذا ينقلنا إلى الحديث عن دول الخليج فالمسرح فيها مدعوم بشكل كبير. بل امتد دور الشيخ القاسمى حاكم الشارقة لدعم المسرح العربي، من خلال «مؤسسة المسرح العربي» وأحد أعضائها الفنانة الكبيرة سيدة المسرح العربى سميحة أيوب وتضم فى هيئتها عددا كبيرا من المبدعين العرب وتقيم مهرجانا سنويا وتقيم مسابقة لأفضل الأعمال المسرحية وهذا نشاط محمود، يمتلك رؤية مستقبلية. وهذه الدول تتمتع بدخل مادى يسهل الإنفاق على المسرح، بينما لا يتوفر ذلك للمواطن المصرى والتونسي. وهناك مجلس التعاون الخليجى الذى يقيم مهرجانا مسرحيا متفردا، وكلها أنشطة تحاول أن تبتكر صيغا جديدة فى الفن. ومن خلال حجم النشاط المسرحى نجد أن مسرح الخليج يحاول أن يطور نفسه وأن يستفيد من التجارب الأخرى كما يحدث فى الإمارات والكويت والبحرين والتى يوجد بها مركز للمسرح. عندما يتحدث أحد عن المسرح العربى يتبادر للذهن الدول المؤسسة له التى عانت انكسارات شديدة خاصة العراق فالكثير من الفنانين غادروا بغداد، وهدمت دور العرض، وهذا ما يحدث الآن فى سوريا. المسرح المستقل * الكثيرون يراهنون على تجربة المسرح الحر، فما هى المقومات التى يمتلكها هذا المسرح وتختلف عن باقى الأشكال المسرحية الأخري؟ ** هذه الفرق كانت الشرارة الأولى لتطوير المسرح العربى منذ عام 1990، من خلال المهرجان الأول للمسرح المستقل. والفكرة باختصار تتلخص فى إيجاد صيغة جديدة لدعم المسرح من قبل الدولة لكن دون أن يتحول الفنان إلى تابع، من خلال صيغة بين الفرق المسرحية والدولة. نحن نحتاج فى مصر بعد أن تستقر الأوضاع السياسية إلى أن تكون لدينا وزارة ثقافة تكون بها إدارة جيدة للمسرح المصري، فالعملية البيروقراطية التى تستنزف الميزانية هذا لا يصح، فى بلد قام بثورة كبيرة من أجل التغيير. الإنتاج الآن هزيل، نحن نحتاج لدعم مسرحى حقيقى على أساس القيمة كل عام تخرج فرق جديدة، الفرق المستمرة حوالى 36 فرقة يحصدون جوائز من المهرجان القومى، المخرجة عفت يحيى أخذت أفضل مخرجة، نورا أمين وفرقة «لاموزيكا»، فرقة «الشظية والاقتراب»، «المسرح المتمرد» لهانى غانم، و»الورشة» لحسن الجريتلي، المسرح البديل د. محمود أبودومة، وفرقة «الحركة» لخالد الصاوى وإن توقفت بعد دخول الصاوى للسينما والتليفزيون، كل هذه الفرق قدمت صيغا بديلة وعروضا متميزة، الجميع حفروا فى الصخر من أجل البحث عن مسرح جديد، قوامه التجريب فى كل المستويات الإخراجية والأداء التمثيلى والتأليف الجماعى هؤلاء الفنانون يقدمون مسرحا بديلا. لا ينبغى أن ندور فى صيغ قديمة ودوائر مرسومة من قبل، الجيل الجديد ولد بحساسيات مختلفة، هيئة المسرح أنشئت فى الستينيات حين كانت الدولة مسيطرة على كل شيء ومنها المؤسسات الثقافية، نحن الآن نعيش فى زمن آخر، هيئة المسرح أصبحت خارج الزمن. الثقافة الجماهيرية أصبحت أخطر الأجهزة وهى الأكفأ لإدارة الحياة الثقافية والمسرحية، لكن عليها أن تستوعب تجربة المسرحيين الجدد من الشباب وتدعمهم، ماديا وبتوفير أماكن العرض لهم لابد أن أى بيت وقصر ثقافة تكون إدارته من المثقفين. نحن بحاجة إلى إعادة النظر فى رسم سياسة ثقافية جديدة فى مصر. مسرح جديد * على مدار أكثر من عشرين عاما وأنت تتابعين تجربة هذا الجيل الجديد، هل باستطاعته قيادة الحركة المسرحية فى المستقبل؟ ** الحقيقة أعترف لك أن الشباب يبهرونني، شباب المسرح المصرى يستفيدون من التجارب التى تحدثت عنها، ولكنهم يبدعون تجاربهم من خلال هويتهم الخاصة مثل فرقة «المسحراتي» مثل عرضهم «حكاوى الحرملك» الذى يجمع بين التمثيل والغناء والحكى الشعبى فنون الأداء فيه رائعة، الخلط بين الفنون الشعبية، بعض التجارب إذا كانت ناضجة تخرج عروضا قيمة، كذلك نورا أمين فنانة ومخرجة ناضجة، فالثقافة لها دور كبير، نورا تكتب عروضها وتقوم بالإخراج هى فنانة متعددة المواهب. فرقة المسحراتى يقومون بعمل أبحاث ومن خلالها يشكلون النص الذى يُمثل. هناك تجارب رصدتها فى كتاب باللغة الإنجليزية لعدد من الفرق ورصد لتطور حركة المسرح المستقل، تحت اسم «المسرح المصري» وهى خمسة كتب الأول عن تجارب شبابية ووزع توزيعا كبيرا فى الخارج.