ما أشبه الليلية بالبارحة نفس المبعوثين الأوروبيين وقادة المعارضة الأوكرانية ونفس الشخص ولكنه هذه المرة يحمل صفة الرئيس ، إنه يانوكوفيتش ، فى المرة السابقة إبان ثورة البرتقالى تنازل عن فوزه فى الانتخابات ووافق الأوروبيين على إعادة الانتخابات ، وأيضاً وقف المتظاهرون فى الشوارع حتى إعادة الانتخابات والإعلان عن فوز مرشح الثورة وكان فيكتور يوشينكو والذى حكم أربع سنوات فشل خلالها فشلاً ذريعاً ، وخسر الانتخابات التالية وانزوى . أنا لا أتحدث هنا لكى أقارن بين ثورتى 2004 و2014 ، ولكن لكى أقول إن قضية الصراع على أوكرانيا بين الغرب ممثلاً فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة من ناحية وروسيا من ناحية أخرى لم تنته بعد ، وربما تكون الأحداث الأخيرة أخذت الطابع العنيف بعض الشيء وإن دل هذا فإنما يدل على أن الصراع قد وصل لمراحله الأخيرة ، لكن هل ستشهد أوكرانيا الاستقرار المنشود أشك فى هذا . مشكلة أوكرانيا الرئيسية أنها دولة مصنوعة ، بمعنى أن جزءا منها وهو الغربى اقتطعه ستالين من بولندا ، وهم يتحدثون خليطاً من اللغات البولندية والرومانية والمجرية ، وهو الجزء الفقير فى الموارد الطبيعية وكذلك الصناعية ، فقد حرص الاتحاد السوفييتى بعد حرب ضروس استمرت لأكثر من 10 سنوات ضد ما عرف بالجيش الانفصالى الأوكرانى على ألا يقوم بتنمية إقليم غرب أوكرانيا ، على الجانب الآخر شرق أوكرانيا المتحدث باللغة الروسية ويقطنه مواطنون من أصل روسى ، غنى بالموارد الطبيعية ، وتركزت فيه صناعات ثقيلة كثيرة من الدبابات إلى الطائرات ، وهو المنطقة الغنية فى البلاد ولذلك فإنك من ناحية لا تستطيع أن تفصل الجزءين عن بعضهما ، وفى نفس الوقت عداء الجزءين يجعل من جمعهما فى إطار دولة واحدة عملية صعبة . غرب أوكرانيا يرى فى الشراكة مع أوروبا حلاً لمشاكله وفى نفس الوقت يقطع بشكل نهائى مع روسيا ، فى حين يرى شرق أوكرانيا المتحدث باللغة الروسية أنه لا بديل عن البقاء فى أحضان روسيا ويقولون إنهم يطعمون هؤلاء الذين يريدون الارتماء فى أحضان أوروبا . الاضطرابات الأخيرة بدأت عندما عرض الاتحاد الأوروبى على أوكرانيا اتفاقية شراكة ، وهو ما رفضه الرئيس الأوكرانى يانوكوفيتش ، مقابل قروض وإغراءات روسية عديدة وصلت لإقراض أوكرانيا 15 مليار دولار ، وعرضت روسيا انضمام أوكرانيا للاتحاد الجمركى مع كازاخستان وروسيا البيضاء ، وهددت روسيا أنه فى حالة توقيع أوكرانيا لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبى فإنها ستقيم حواجز جمركية أمام البضائع الأوكرانية ، مما سيصيب الاقتصاد الأوكرانى فى مقتل نظراً لأن أكثر من 40% من الصادرات الأوكرانية ليس لها سوق سوى السوق الروسى ، أنا لا اتحدث بالطبع عن ديون روسيا على أوكرانيا ثمناً للغاز وأن روسيا هى المصدر الوحيد للنفط والغاز فى أوكرانيا . لا أريد الخوض كثيراً فى التفاصيل ، لكن المؤكد أن أوكرانيا ربما تكون سقطت فى أيدى القوميين والفاشيست من أتباع إيفان بونديرا الذى حارب الجيش السوفييتى فى عز قتاله لألمانيا النازية ، فهل سيستطيع شرق وجنوب أوكرانيا الروسى الأصول والهوى أن يتعايش مع الفاشيست الجدد ، أم أنه ستكون هناك مقاومة قد تنتهى بتقسيم البلاد ، وهل سيتوقف القوميون الأوكران عند السيطرة على العاصمة أم سيزحفون شرقاً وعندها سيصطدمون بروسيا وبالمواطنين الروس ، مما سيعطى مبررا لتدخل روسى لحماية مواطنيها والمتحدثين بلغتها ، وكيف ستنتهى هذه المواجهة المتوقع انتهاؤها بالتقسيم، على أى حال روسيا ورغم تمثيلها الهزيل أثناء توقيع الاتفاق مع الممثلين الأوروبيين وعدم توقيعها على الاتفاق ، لكنها ربما لهذا تعطى لنفسها الحق فى عمل ما يحافظ على مصالحها. لكن هل المعركة انتهت ، أنا أرى أن ما حدث هو مجرد جولة ، ومازال فى جعبة روسيا الكثير من أوراق الضغط ليس أخرها أنها مصدر الطاقة الذى يكاد يكون الوحيد ، أنا لا أتحدث عن الاستثمارات الروسية الضخمة فى شرق البلاد ، ولن أقول أكثر من أن مدينة كيرتش على البحر الأسود رفعت أمس علم روسيا فوق مبانيها الإدارية ، للصراع بقية وربما روسياوأوكرانيا ولا الاتحاد الأوروبى يريدون لأن يتحول إلى صراع مسلح ، وأعتقد أن الفيدرالية ربما تكون حلا أمثل ، وقد اقترح أحد الخبراء تقسيم البلاد إلى أربعة أقاليم فيدرالية شرق وغرب وكييف والقرم ، قد يكون هذا الحل هو طوق النجاة من حرب أهلية . واختتم مقالى بعبارة قالها ربيجنو دزيرجينسكى مستشار الرئيس الأمريكى الأسبق كارتر « على روسيا أن تنسى استعادتها لدور الدولة العظمى إذا فقدت أوكرانيا « ربما كان هذا هو المسعى الغربى الآن ، وأقول لكم أن تتخيلوا لو أن أوكرانيا انضمت لحلف الناتو ، لأصبح البحر الأسود بحيرة للناتو ، ولن يكون هناك دور لروسيا ، على أى حال تستطيع روسيا التعامل مع مواقف وأزمات أوكرانيا ، فقد تعاملت روسيا مع أزمة ما بعد ثورة البرتقالى واستعادت مكانتها فى أوكرانيا ،، فهل تستعيدها بعد الهجمة القومية الشرسة الحالية ؟