تفرض الأزمة القائمة بين مصر وأثيوبيا حول بناء الأخيرة لسد النهضة وتحويلها لمجرى النيل الأزرق، وبالتالى قضية «الصراع» بين دول المنبع والمصب فى حوض نهر النيل، تفرض نفسها على أولويات الشعب المصرى وأحزابه وقواه السياسية وعلى أولويات الدولة المصرية، وقبل مشاكل وقضايا وتحديات عديدة تشغل الرأى العام حاليا، فى مقدمتها مواجهة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، وبعث الحياة فى عجلة الاقتصاد، وتغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة منذ عام 1974 والتى أدت لتراجع التنمية وارتفاع نسب الفقر والبطالة وشيوع الفساد، واستكمال خريطة المستقبل بانتخابات رئاسة الجمهورية ومجلس النواب. فقضية مياه النيل قضية حياة أو موت، وطبقا لبيانات وزارة الموارد المائية والرى والبنك الدولى فاستهلاك مصر من المياه تجاوز 75 مليار متر مكعب، وتحصل مصر حاليا على احتياجاتها من المياه من ثلاثة مصادر رئيسية.. مياه نهر النيل 55.5 مليار متر مكعب 1.4 مليار متر مكعب من الأمطار فى الساحل الشمالي، و7.6 مليار متر مكعب من إعادة استخدام مياه الصرف، وتعانى مصر من فقر مائى خطير، فبعد أن كان نصيب الفرد من المياه 1000 متر مكعب سنويا عام 1993، وهو الحد الذى يعد النزول منه معيارا للفقر المائي، انخفض نصيب الفرد إلى 900 متر مكعب سنويا من المياه عام 1997 ثم إلى 750 مترا مكعبا عام 2008، ويتوقع وصوله إلى 550 مترا مكعبا فقط عام 2025 لتدخل مصر مرحلة قحط ومجاعة مائية. ويزيد الأمر خطورة فقدان مصر سنويا كميات كبيرة من مياه النيل تقدر بحوالى 35% من المياه المنصرفة عند أسوان نتيجة مجموعة من الظواهر، منها ضياع 1.8 مليار متر مكعب من مياه النيل فى البحر المتوسط و11 مليار متر مكعب من مياه الصرف فى الزراعة تصرف فى البحر، إضافة إلى ما يفقد بالبخر والرشح. وإذا كانت مياه نهر النيل تمثل 97.5 % من موارد مصر المائية، فإن نسبة 85% منها تأتى من أثيوبيا، وسيؤدى بناء سد النهضة إلى تراجع حصة مصر من المياه من 55.5 مليار متر مكعب إلى 40 مليار متر مكعب على الأكثر، إضافة إلى النقص الحاد فى إنتاج الكهرباء المولدة من السد العالى وخزان أسوان بنسبة تتراوح ما بين 25% و30%، ويتوقع «د. أحمد على سليمان» الخبير المائى أن يؤدى ذلك إلى إظلام 3 محافظات مصرية على الأقل، وبوار 3 ملايين فدان وتشريد من 4 ملايين إلى 5 ملايين فلاح مصري، وهناك تخوف من انهيار سد النهضة حيث تم إنشاؤه فى أرض غير ملائمة. والتصدى لهذا الخطر الداهم تعترضه صعوبتان الأولى هي عدم اعتراف الدول الأفريقية بالمعاهدات الدولية التى تنظم استخدام مياه نهر النيل بمقولة أنها تمت فى ظل الاستعمار، ومن بينها اتفاقية 1929 بين مصر وبريطانيا، والثانية عدم وجود قانون دولى للأنهار والاحتكام إلى مجموعة من القواعد حددتها جمعية القانون الدولى فى مؤتمر هلسنكى عام 1969. وهناك قوى إقليمية ودولية تلعب فى المنطقة وتضغط على مصر فى مقدمتها إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية والبنك الدولي، واستفادت من إهمال الإدارة المصرية فى نهاية حكم السادات وخلال حكم مبارك لأفريقيا، ثم الأخطاء التى ارتكبها حكم مرسى والإخوان فى حق أفريقيا. ومواجهة هذا الخطر الذى يهدد الحياة فى مصر تتطلب سياسة إقليمية وخارجية جديدة وأن يتم التعامل مع أفريقيا ودول حوض النيل برؤية شاملة تربط موضوع المياه والتنمية والتبادل التجارى والعلاقات الدبلوماسية والسياسية، وبما يحقق مصلحة مصر ومصالح دول حوض نهر النيل، وتستخدم كل الوسائل والأساليب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، دون استبعاد الخيار العسكرى كحل أخير ومع توفير المناخ الملائم له إقليميا ودوليا.