يبدو أن العلاقات السورية الأمريكية التي خف توترها منذ تولي الرئيس باراك أوباما سلطاته الدستورية، مازالت تلاقي (هبة باردة وهبة ساخنة) ولا تستقر علي حال ثابت، ولا تتطور إلي الأفضل، وكلما اعتقدت السياسة السورية أنها علي أبواب تحول إيجابي لهذه العلاقات، يبرز حادث أو تصريح أو قرار أمريكي يعيدها إلي توترها، ويؤكد تهافت الظنون أن اللقاءات التي تمت، والإشارات التي أوحت بتحسنها، ما هي إلا أوهام لا مصداقية لها، وأن العلاقات ستبقي حذرة وغير مستقرة إلي زمن طويل قادم، خاصة بعد حصول الجمهوريين علي الأكثرية في مجلس النواب الأمريكي. هاجم جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي سورية، وقال بأنها تلعب دوراً سلبياً في لبنان، وفي العراق، وفي علاقاتها مع إيران وحزب الله، وأنها تتسبب في عدم الاستقرار في المنطقة. وطالبها بتغيير سياساتها ومواقفها تجاه قضايا المنطقة كلها، واعتبرها مخطئة إن اعتقدت أنها ستعيد الجولان دون مساعدة الولاياتالمتحدة، وأن ما سماه (تدخلها) في لبنان ستكون له نتائج إيجابية علي هذا البلد أو علي الأوضاع السياسية في المنطقة، وجدد دعم بلاده للمحكمة الدولية المكلفة محاكمة المتهمين باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وأوحي أن هذا الموقف هو ضد سياسة حزب الله وسورية تجاه المحكمة، وهذا ما دعا مصدر رسمي سوري إلي إصدار تصريح رسمي هاجم فيه فيلتمان وتصريحاته، وقال إن فيلتمان مازال يعيش بأوهامه، ولا نحتاج لنصائحه، وأن سورية معنية بأمن واستقرار لبنان لأنهما حيويان لاستقرار وأمن سورية. مناكفة سوريا وكانت مندوبة الولاياتالمتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة قد انتقدت بدورها، قبل أسبوعين، السياسة السورية في لبنان، واعتبرتها عامل عدم استقرار، و بعد تصريحات فيلتمان مباشرة قررت الإدارة الأمريكية تقديم عشرة ملايين دولار، مساعدة لموازنة المحكمة الدولية، وكان واضحاً أن هذه المساعدة تدل علي تبني الإدارة تصريحات فيلتمان وتدعمها، وبالتالي فهي جزء من مناكفة سورية إن لم يكن من شن الحرب الكلامية ضدها. ومازال الكونغرس الأميركي يؤجل الموافقة علي تعيين السفير الأمريكي في سورية والتحاقه بعمله، ومازالت السفارة الأمريكية بدمشق بدون سفير منذ خمس سنوات. وكانت السياسة السورية تتوقع التحاق السفير خلال أسابيع وأن عودته ستكون بداية خطوات إيجابية في العلاقات بين البلدين، إلا أنها الآن لا تتوقع عودته قبل أشهر بل ربما سنوات. لم تعد العلاقات السورية الأمريكية متوترة فقط، بل بدأت تتهاوي نحو الأسوأ، وسواء كانت الأسباب تتعلق بفشل السياسة الأمريكية في تحقيق مكاسب في لبنان والعراق وفلسطين وإيران، وفقدانها شيئ من نفوذها وقدرتها، أم كانت هذه الأسباب تتعلق بنجاح السياسة السورية في الإفلات من النتائج السلبية للعقوبات الاقتصادية الأمريكية، وتحفظ الأوروبيين وتجميد علاقاتهم معها، وتهيب بعض العرب من تقوية هذه العلاقات، سواء هذا أم ذاك فإن النتيجة واحدة وتتلخص بعبارتين مختصرتين: فشل السياسة الأمريكية في تحجيم فعالية السياسة السورية ودورها، ونجاح السياسة السورية في الإفلات من الضغوط الأمريكية. تريد الإدارة الأمريكية من سورية، أن تنقل البندقية من كتف إلي كتف، فتعادي السياسة الإيرانية، وحزب الله، وتدير ظهرها للمنظمات الفلسطينية وخاصة (حماس والجهاد) وتتخلي عن تأثيرها في العراق، وفي لبنان، وهذا ما ترفضه السياسة السورية وربما ما لا تستطيعه، فكيف لها أن تتخلي عن الورقة اللبنانية ولبنان خاصرتها الرخوة، وعن دعم حزب الله الذي يشكل خطراً حقيقياً علي إسرائيل وسلاح ردع ضدها لاشك بقدراته، وعن نفوذها في العراق وحماية نفسها من نتائج سياسة خرقاء في العراق قد تؤدي إلي حرب طائفية أو إلي تقسيم العراق، ولم تستطع السياسة الأمريكية فهم هذه المعطيات واستحالة قبول سورية لمطالبها، ومازالت تصر علي السياسة التي اتبعها الرئيس بوش، ولكن بكفوف مخملية هذه المرة. كيري والأسد سيزور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي سورية خلال أيام، وكيري السيناتور الديموقراطي أصبحت له علاقات ودية مع الرئيس الأسد، وزار سورية عدة مرات قبل هذه الزيارة، آخرها في أبريل الماضي، يعمل وربما بإخلاص لتحسين العلاقات بين البلدين، ولكن يبدو أنه يغني (بالطاحون) دون أن يسمعه أحد من إدارة بلاده، أو من قواها النافذة ، فلم تتحسن العلاقات بين البلدين بعد زياراته السابقة ولم تستجب إدارة أوباما لمقترحاته التي قدمها إليها، وبقي الحال، كما كان عليه، وازداد (الطنبور نغماً) بحصول الجمهوريين الآن علي أكثرية مجلس النواب، وهم الأعداء، المشهود لهم للسياسة السورية وعلي ذلك، ماذا يمكن أن ينجز كيري من خلال زيارته، وماذا ستفيد في إطار هذا التدهور المتسارع في العلاقات، اللهما إلا إذا كان الهدف عدم قطع (شعرة معاوية)، وماعدا ذلك فلن يصلح العطار ما أفسده الدهر.