وافق مجلس الوزراء يوم الخميس قبل الماضي علي مشروع قانون تنظيم التظاهر وأحاله إلي مجلس الدولة «قسم التشريع» تمهيدا لإصداره بمرسوم بقانون من رئيس الجمهورية المؤقت الذي يملك طبقا لخارطة المستقبل سلطة التشريع خلال الفترة الانتقالية الحالية. ورغم إعلان عدد من رؤساء الأحزاب وأساتذة القانون والقضاة تأييدهم لإصدار هذا القانون وتطبيقه فورا «بهدف السعي للاستقرار وكفالة الأمن وضمان حرية التعبير عن الرأي»، فإن مشروع القانون – في حدود ما نشر عنه حتي الآن – يتضمن أخطارا عديدة تهدد بمصادرة الحق في التظاهر وليس تنظيمه كما يفترض في أي قانون يصدر تطبيقا للحقوق والحريات العامة. فمبادرة مجلس الوزراء بإعداد هذا المشروع والموافقة عليه في هذا التوقيت بالذات يبدو مجافيا للمنطق ومثيرا للريبة، فهذا القانون هو أحد القوانين المكملة للدستور، ويفترض صدوره بعد انتهاء لجنة الخمسين من صياغة الدستور الجديد والاستفتاء عليه، والذي تبدأ لجنة الخمسين مناقشة مسودته الأولي خلال أيام، متضمنا مادة تنص علي أنه «للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحا بمجرد الإخطار علي النحو الذي ينظمه القانون..»، والقول بأن السبب في الإسراع بإصدار هذا القانون هو التصدي لمظاهرات «جماعة الإخوان» وحلفائهم، يفقد القانون مشروعيته، فالقانون – أي قانون – يجب أن يكون عاما ومجردا ولا يستهدف حالة أو جماعة بعينها، إضافة إلي أن حالة الطوارئ المعلنة تعطي السلطات الحق في منع المظاهرات لفترة معينة، بدلا من سن قانون استثنائي يقيد حق التظاهر لسنوات طويلة. ومشروع القانون يكاد يكون استنساخا لمشروع القانون الذي أعدته جماعة الإخوان – حكومة هشام قنديل – وكان في سبيله للصدور بعد موافقة مجلس الشوري، لولا ثورة 30 يونيو وإسقاط حكم الإخوان وطبقا لما تسرب عن مشروع قانون التظاهر الذي وافق عليه مجلس الوزراء برئاسة د. حازم الببلاوي، يمكن القول إن المشروع يهدف لتقييد حق التظاهر. فالمشروع يمنع التظاهر أمام المنشآت العامة والحكومية ويحدد 100 متر فاصلة بين المتظاهرين وهذه المنشآت، ولا يوجد في مصر شارع عرضه 100 متر، أي أن المتظاهرين المحتجين علي قرار صادر من مجلس الوزراء مثلا عليهم أن يتظاهروا أمام المتحف المصري ليكونوا بعيدين بمسافة 100 متر عن مبني مجلس الوزراء في شارع قصر العيني! ويمنع مشروع قانون التظاهر اعتصام المتظاهرين، أو المبيت في أماكن التظاهر أو تجاوز المواعيد المقررة للتظاهر «من السابعة صباحا إلي السابعة مساء» ليصادر بذلك أحد الحقوق الأساسية للإنسان وهو الحق في الاعتصام. ويلزم القانون المحافظين بإصدار قرار بالحدود القصوي لأعداد المتظاهرين المسموح لهم بالتجمع داخل منطقة التظاهر الحر التي ستنشأ داخل حدود كل محافظة بقرارات من المحافظين بموجب المادة 15 من مشروع القانون «بما ينال من حرية التظاهر والتعبير عن الرأي المقررة دستوريا للمواطنين». ويعطي مشروع القانون الحق لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص بأن يطلب من قاضي الأمور الوقتية إلغاء المظاهرة» في حالة حصول جهات الأمن علي أدلة أو معلومات كافية بأن إحدي المخالفات متوافرة لدي المنظمين أو المشاركين في المظاهرة»! ويفرض المشروع عقوبات مغلظة تتجاوز حدود المعقولية تصل إلي الحبس لمدة لا تقل عن سنة وغرامة تصل إلي 100 ألف جنيه لأي مخالفة لأحكام هذا القانون. وهناك شبهة عدم دستورية لإسناد مشروع القانون اختصاص الفصل في المنازعات الخاصة بقرار الداخلية أو مديرية الأمن بمنع المظاهرة إلي قاضي الأمور الوقتية بدلا من محكمة القضاء الإداري، وكذلك لمصادرة حق الاعتصام، وتحديد عدد المتظاهرين بقرار إداري. ولم يكن غريبا في ظل هذه المواد المعيبة في مشروع القانون أن ينتقد «روبرت كولفيل» المتحدث باسم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة، هذا القانون، ويعلن أن مسودة القانون المصري تحد من حق التظاهر و«تضع قيودا علي التظاهر والتعبير عن الرأي بصورة تثير القلق والمخاوف».. ويضيف في مؤتمر صحفي بجنيف «لا يجب أن يتم تجريم إنسان أو معاملته بعنف أو تهديده أو التحقيق معه لتنظيم مظاهرة سلمية يعبر فيها عن رأيه، كما لا يجب مساءلته عن هذا الرأي أيضا». ويزيد من خطورة الأمر مبادرة وزارة العدل بإحالة مشروع قانون لمكافحة الإرهاب لمجلس الوزراء، يتضمن تعريفا أكثر إتساعا للإرهاب ويفرض عقوبات مغلظة، رغم وجود قانون العقوبات وبه مواد عديدة لمواجهة الإرهاب مضافة بالقانون رقم 97 لسنة 1992، ولمن لا تسعفه الذاكرة فإصدار هذا القانون أثار في حينه معارضة واسعة من منظمات حقوق الإنسان ونادي القضاة وأساتذة القانون لوجود مواد به تنتهك حرية الصحافة والإعلام وتضع تحت مسمي الجريمة الإرهابية جرائم عادية وتفرض عقوبات تتجاوز حد المعقولية علي الآراء المعارضة. ولا يمكن تفسير هذا التوجه التشريعي للحكومة والسلطات الحالية، إلا بالخوف من تحرك الجماهير السلمي، ومحاولة مصادرة حقوق التظاهر والاعتصام والإضراب عن العمل، حتي يضمنوا عدم تكرار ما حدث في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 وأطاح بنظام الحزب الوطني ومن بعده نظام جماعة الإخوان.