تجاوز اهتمامنا – بمن فينا السياسيون والمعلقون – بالفترة القصيرة الباقية علي حلول يوم 30 يونيو اهتمامنا بالفترة التي تلي هذه. بشكل ما اعتقدنا ان تجاوز حقبة حكم الاخوان المسلمين اهم من تثبيت ما بعدها وتحقيق استقرار ما بعد ازاحة الاخوان المسلمين. وصل الامر الي حد دفع ببعض الاخوان المسلمين في الحكم او انصارهم الي حد تقديم تفسيرات لهذا التركيز غير المبرر. وعلي سبيل المثال فقط فان الدكتورة باكينام الشرقاوي التي تشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية – في اول ظهور علني لها بعد واقعة الاعتذار عن نسيان تنبيه المشاركين في اجتماع بحث ازمة سد النهضة الاثيوبي الي ان الاجتماع غير سري انما مذاع علي الهواء فكانت الكارثة التي نجمت عن ذلك – تطوعت بتقديم تفسير فذ للوضع الراهن في مصر اذ قالت ان سبب الفرقة في الشارع السياسي المصري هو حصول المواطن المصري علي جرعة زائدة من الديمقراطية عقب ثورة 25 يناير 2011. "جرعة زائدة من الديمقراطية" يمكن ان تعني ان الشعب المصري لم يعتد علي هذا القدر من الديمقراطية الذي اتي به حكم الاخوان المسلمين، او يمكن ان تعني ان حكم الاخوان سمح في وقت مبكر بقدر من الديمقراطية لم يكن يستحقه هذا الشعب. وفي الحالتين فان الدكتورة باكينام ارادت ان ترسخ في اذهاننا ان حكم الاخوان المسلمين هو الذي وطّد الديمقراطية في مصر الي حد تجاوز الحدود فخرج بعض المصريين يطالبون بازاحة حكمهم والبدء في مرحلة جديدة لا يكون الاخوان فيها هم الحاكمون. وبالتالي فان الشعب المصري – اذا كسب معركة ازاحة الاخوان من الحكم – فانه سيخسر القدر من الديمقراطية الذي تمتع به. واذن فليست الثورة في 25 يناير هي المسئولة عن هذا الوضع وليس تطلع الجماهير المصرية الي تحقيق اهداف هذه الثورة هو الدافع الي السعي نحو ديمقراطية حقيقية لان "ديمقراطية" الاخوان قد اخفقت كلية في التواؤم مع ما هدفت اليه الثورة. علي اي الاحوال فان الاهتمام العام والخاص بمرحلة ما بعد مرسي لم يظهر بصورة كافية في المشهد السياسي لاقبل ولا اثناء تحرك "تمرد" الديمقراطي الجديد لايجاد وسيلة ديمقراطية وسلمية لازاحة حكم الاخوان المسلمين برئاسة مرسي بسبب الاخطاء الجسيمة التي ارتكبها هذا الحكم بحق الثورة وبحق الديمقراطية علي السواء، والتي اوصلت البلد الي الحالة التي تبدو فيها طوال العام الذي انقضي علي حكم مرسي والاخوان. مهمة أصعب وقد كان من الضروري ان ندرك جميعا – وخاصة منا الذين يتناولون الشان العام كتابة وتعليقا فضلا عن السياسيين الذين يضعون برامج الاحزاب والتنظيمات السياسية – ان مهمة الذين سيتولون مسئولية الفترة القادمة بعد 30 يونيو اصعب كثيرا واهم من مهمة المسئولين الحاليين. بمعني ان مهمة الذين سيتولون الحكم بعد ازاحة الاخوان وعلي رأسهم محمد مرسي ستكون اكثر صعوبة في كل تفصيلاتها. اذ سيكون عليهم ان يوجدوا الحلول التي فشل مرسي وحكم الاخوان في ايجادها والتي ادت الي سقوطهم. لقد بدا في الفترة التي سبقت 30 يونيو وحتي الان – كما سيبدو لفترة طويلة قادمة لا نعرف اذا كانت ستطول او تقصر – ان تركيز القادة والجماهير في الحركة الشعبية المصرية التي اثبتت انها اعرض واقوي من كل التصورات، ان كل التركيز ينصب علي هدف اسقاط حكم الاخوان المسلمين برئاسة مرسي. ولم يذهب قدر كاف من الاهتمام الي فترة ما بعد السقوط، حتي لو الفترة التي تلحق السقوط مباشرة. ما اعنيه هو ان الاعداد لما بعد سقوط حكم الاخوان المسلمين لم يحظ بالاهتمام اللازم الذي يتوازي مع اهمية هذا الحدث. وصحيح ان الاحزاب السياسية المصرية الكثيرة المعارضة لحكم الاخوان والتي ستشارك في اسقاط حكمهم تملك من البرامج ما يحتوي علي اهداف محددة بدرجة او باخري. وصحيح ايضا انه لا تكاد توجد اي درجة من التناقض بين هذه البرامج وان سلمنا بوجود خلافات واختلافات بينها. مع ذلك فان معظم هذه البرامج لم يوضع علي اساس انه سيكون موضع تطبيق فوري بعد نضال جماهيري وحزبي لاسقاط الحكم القائم وهو حكم الاخوان برئاسة مرسي. اي ان برامج الاحزاب المعارضة يغلب عليها طابع المعارضة اكثر مما يغلب عليها طابع الحكم. ان هذه الاحزاب التي ستتصدي لمهمة اسقاط حكم الاخوان واسقاط رئاسة مرسي ليست مهيأة تماما لمهمة او بالاحري لمهام تولي السلطة في الفترة التي تعقب سقوط حكم الاخوان. وبطبيعة الحال فاننا لا نعني غياب سيناريو ما بعد مرسي عن تفكير هذه الاحزاب والقوي السياسية غيابا كليا. ولقد نشر – علي سبيل المثال – ان قيادات حزب الدستور وحركة 6 ابريل اتفقت فيما بينها علي ضرورة توحيد جهود القوي السياسية والشبابية لانجاح مظاهرات 30 يونيو المطالبة بسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي واجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وذلك بتشكيل غرفة مركزية لتنظيم المظاهرات تضم ممثلين عن القوي المشاركة وتوحيد الرؤي بشان سيناريو مابعد اسقاط مرسي. (المصري اليوم-20يونيو 2013). ومن الواضح تماما ان هذه صيغة يغلب عليها التعميم كما يغلب عليها التركيز علي مرحلة المظاهرات التي تؤدي الي اسقاط النظام الحاكم. لقد تناولت هذه الاشارة ما وصف بانه "التشاور حول سيناريو المظاهرات وترتيبات ما بعد رحيل الرئيس". وتغيب عن هذه الصيغة أي تفصيلات تتعلق بخطوات الحكم فيما بعد السقوط عدا الاشارة الي ان رئيس المحكمة الدستورية العليا سيتولي الرئاسة وتشكل حكومة ائتلافية لفترة انتقالية وتجري تعديلات علي الدستور لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ولاشك ان هذه الاشارات ضرورية وتشير الي خطوات لا مفر منها. ومع ذلك يغيب عنها ادراك حقيقة بسيطة هي ان تنظيم الاخوان المسلمين عندما تقدم لتولي السلطة كان يفعل هذا بعد انتظار طال لاكثر من ثمانين عاما منذ التأسيس تخلله تفكير نظري وعملي حول كيفية الصعود الي السلطة وتولي مهامها. ومع ذلك فقد اخفق الاخوان المسلمون وتأكد فراغهم الفكري والعملي من هذه الجوانب. احتمالات التدخل نحن في هذا السياق في مواجهة مهمة تتجاوز كثيرا حدود اسقاط النظام الاخواني الي آفاق تهيئة نظام جديد له ملامح تختلف عن ملامح النظام الاخواني بل تختلف عن ملامح نظام مبارك الذي سبقه، خاصة وقد تبين خلال العام من رئاسة مرسي ان نظام مبارك استطاع ان يترك بصماته بل وملامحه علي وجه النظام الاخواني، وهو امر من المؤكد ان الاخوان المسلمين لم يسعوا اليه بل لم يريدوه. واذا ما تساءلنا اذا كانت ملامح النظام الجديد الذي سيخلف النظام الاخواني واضحة بقدر كاف فان من المؤكد ان اجابتنا اما ستكون شديدة التعميم او ستكون قاصرة عن تقديم التفصيلات اللازمة او – وقد يكون هذا الاحتمال الثالث هو اكثر الاحتمالات احتمالا – فان اجابتنا قد تعكس نظرة حزب واحد معين من الاحزاب التي ستتنافس علي تولي الحكم. ان اقامة نظام جديد مهمة تتجاوز في تفصيلاتها اسقاط نظام قديم، حتي لو كان هذا النظام القديم لا يزيد عمره علي عام واحد. والافتقار الي التفصيلات يحفز القوي الداخلية المعادية للثورة، كما يحفز القوي الخارجية الراغبة في التأثير علي اتجاهات الثورة، علي التدخل. والامر الذي لا شك فيه ان محاولات التدخل ستكون نشطة للغاية مع بداية صعود الحكم الجديد. ولابد من الاستعداد لها من الآن، بل كان من المحتم الاستعداد لها منذ بداية العمل من اجل اسقاط نظام الاخوان المسلمين.