اذا اعلن البنتاجون الأمريكي شيئا فانه يحظي باهتمام أمريكي وعالمي لا يوازيه اهتمام. فالبنتاجون يحتل مكانة في النظام الحاكم الأمريكي لا تعادلها مكانة اي هيئة حكومية أمريكية بما في ذلك البيت الابيض والكونجرس (البرلمان الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ) ووكالة المخابرات المركزية ومكتب المباحث الجنائية (مكتب التحقيقات الفيدرالي). بل يمكننا الذهاب الي حد الزعم بان العاملين في البنتاجون الذين يبلغ عددهم نحو 95 الفا ربما يفوق عدد العاملين في هذه الهيئات الرسمية مجتمعة. والبنتاجون كلمة انجليزية تعني المبني الخماسي الاضلاع. فهذا هو الشكل الذي بني به المبني الذي تشغله وزارة الدفاع الأمريكية منذ البداية. وكانت البداية في عام 1941 واستغرق بناؤه ثلاث سنوات لينتهي في عام 1945 ليضم تحت سقفه كل العاملين في مكاتب وزارة الحرب الأمريكية الذين كانوا يشغلون عدة مبان متفرقة المواقع قليلة الاهمية. وعندما اكتمل بناء البنتاجون اصبح اضخم مبني في العالم. وتبلغ المساحة التي يقع عليها المبني ثلاثة ملايين وسبعمائة الف قدم مربع. وهو يقع في منطقة آرلنجتون بولاية فيرجينيا المتاخمة للعاصمة الأمريكيةواشنطن. ويجاورالبنتاجون – ولعل هذه مصادفة بحته مقابر ارلنجتون العسكرية حيث يوجد قبر الجندي المجهول الأمريكي وعدة آلاف من مقابر العسكريين الأمريكيين. وقد اكتسب المبني اهمية سياسية كبري في التاريخ الأمريكي منذ نشاته وحتي الان ويعده بعض المراقبين للشئون الأمريكية مركز السلطة الرئيسي وان لم ترد الحكومة الأمريكية ان يبدو كذلك لان السلطة العسكرية في النظام الأمريكي تخضع للسلطة المدنية. غير ان هذا لا يعدو ان يكون كلاما نظريا. فان وزارة الدفاع الأمريكية تؤدي دورا في رسم السياسة الأمريكية – خاصة الخارجية – يفوق ادوار الهيئات الحكومية الاخري بما في ذلك البيت الابيض ووزارة الخارجية. والامر الذي لا شك فيه ان تعاظم دور البنتاجون في السياسة الأمريكية يسير – او هو قد سار خلال العقود الماضية في اتساق مع اتساع دور الحرب في تحديد هذه السياسة سواء من حيث مناهجها او اهدافها. ولهذا فان كل بيان يصدر عن البنتاجون يحظي باهمية وباهتمام يفوق ما تعلنه الهيئات الأمريكية الاخري. فالشعب الأمريكي يهتم بما يؤديه البنتاجون في الحروب التي تقع غالبا بعيدا عن الاراضي الأمريكية بمسافات كبيرة. وتنطبق هذه الاهمية وهذا الاهتمام علي ما يقوم البنتاجون بابلاغه للكونجرس بمجلسيه. الاول يمثل اهم سلطة تنفيذية والثاني يمثل اهم سلطة تشريعية. حرب السنوات القادمة وفي الاسبوع الماضي كان مجلس الشيوخ الأمريكي – الذي يؤدي دورا بالغ الاهمية في متابعة وتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية بشكل خاص – يستمع في جلسات للجنته المتخصصة في القوات المسلحة الي شهادات يدلي بها اليه كبار المسئولين في وزارة الدفاع. وكان اهم ما استمعت اليه لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ ما قاله مايكل شيهان مساعد وزير الدفاع من ان التشريع الذي اقره الكونجرس بشان "الحرب علي الارهاب" يعطي لمسئولي البنتاجون سلطات كاسحة لشن الحرب في اي مكان في العالم بما في ذلك الولاياتالمتحدة نفسها وذلك دون الرجوع الي الكونجرس لاخذ موافقته. وقال شيهان ان هذا التشريع الذي صدر في عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر وسمح باستخدام القوات المسلحة يشكل موافقة فعالة من جانب الكونجرس علي شن الحروب مستقبلا. ومن وجهة نظر البنتاجون فان بامكانه ان يواصل حملته العالمية لشن هجمات قاتلة وشن مزيد من الحروب تحت عنوان "الحرب علي الارهاب" دون ان يعود مجددا لطلب موافقة من الكونجرس. "في الوقت الحالي نحن نشعر بارتياح الي قانون السماح باستخدام القوة المسلحة بصيغته الراهنة …فهو يؤدي الان الغرض منه". وأعرب شيهان عن اعتقاده بان هذا السماح بالحرب يمتد في المستقبل الي اجل غير مسمي، وربما لفترة السنوات العشر او العشرين القادمة. وبطبيعة الحال فان هذا الموقف الصارخ من مساعد وزير الدفاع قوبل باعتراضات من عدد – قليل للغاية – من اعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ. كان من بينهم السناتور ليندسي جراهام الذي تساءل عما اذا كان القانون الحالي قد اعطي الرئيس باراك اوباما سلطة وضع الاحذية العسكرية الأمريكية في ارض اليمن الشرق اوسطية او في اراضي الكونغو الافريقية. ورد علي هذا التساؤل مسئول آخر في البنتاجون هو روبرت تايلور الذي اجاب علي السؤال بنعم. وأضاف شيهان الي ذلك قوله "نعم ياسيدي من بوسطون الي المناطق القبلية التي تديرها السلطة الاتحادية الباكستانية، وكذلك القرار بوضع مدينة بوسطون (الأمريكية) تحت الحظر بعد هجوم 15 ابريل بالقنابل علي عدّائي بوسطون". ضد المواطنين أيضا وأضاف شيهان "ان كون اي شخص مواطنا أمريكيا لا يعني تحصينه كعضو من الاعداء ضد الهجوم من القوات الأمريكية." وهكذا يكون من الواضح ان الادارة الأمريكية التي دافعت عن هذا القانون باعتباره موجها ضد تنظيم القاعدة الارهابي وضد تنظيم طالبان الافغاني انما اعتبرته شيكا علي بياض لشن حروب واغتيالات في جميع انحاء العالم ضد من تعتبره معاديا للولايات المتحدة كتنظيم او حتي كفرد. الحقيقة بشأن النقاش الذي دار في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي هي ان المناقشة بدأت باعتبارها محاولة من جانب بعض اعضاء اللجنة من اجل تعديل هذا القانون الذي صدر في عام2001 واستخدمته ادارتا جورج بوش الابن وباراك اوباما ذريعة لشن حروب أمريكية في العراق وفي افغانستان وشن عمليات اغتيال في باكستان، ومن الواضح ان ادارة اوباما تريد استخدام القانون نفسه دون العودة مجددا الي الكونجرس لشن حروب اخري وعمليات اغتيال اخري في اي مكان تشاء. وقد كان لمنظمات اليسار الأمريكي موقف مناهض لهذه السياسة التي تستمد المبرر لهذا القانون من ظروف كانت قد سادت في عام 2001 والسنوات التي تلتها. وتعتقد منظمات اليسار الأمريكي ان الادارة الأمريكية تريد او تؤسس "حكما استعماريا جديدا في الشرق الاوسط مستخدمة هذا القانون واستنادا الي ما جري بعد هجمات 11 سبتمبر" علي ناطحتي السحاب في نيويورك والبنتاجون في واشنطن. وبينما تريد الادارة الأمريكية ان لا تعود الي مناقشة تعديل هذا القانون فانها تريد ان يتجاهل المعترضون تماما حقيقة ان تنظيم القاعدة الذي كان العدو الرئيسي في عام 2001 اصبح الان – وكما كان في سنوات حرب أفغانستان السوفياتية تنظيما حليفا للولايات المتحدة. لقد عادت الولاياتالمتحدة الي التحالف مع تنظيم القاعدة في حرب ليبيا ثم في حرب سوريا التي لا تزال دائرة بمشاركة القاعدة والاخوان المسلمين وبتمويل وتسليح من الولاياتالمتحدة وعدد من دول اوروبا وعدد من دول الخليج العربي. ومع ذلك فان ادارة اوباما تضغط بكل قوتها من خلال المسئولين في البنتاجون لكي تستمر بالعمل بقانون صدر قبل اثني عشر عاما باسم الحروب ضد ارهاب متغاضية عن حقيقة انها هي نفسها تحالفت مع الارهاب في آخر حروبها في الشرق الاوسط ولا تزال مستمرة في هذا الانحراف في الحرب الدائرة في سوريا. تحالفات مصلحية ولا يكاد هذا الموقف الرسمي الأمريكي يختلف في شيء عن موقف تنظيم القاعدة نفسه الذي تحالف مع النظام الافغاني مرة مع أمريكا ومرة اخري ضدها ولم يلبث ان عاد الي التحالف مع أمريكا كما هو حادث الان في سوريا. كما لا يكاد يختلف الموقف الأمريكي وموقف تنظيم القاعدة الارهابي عن موقف وسياسة المملكة العربية السعودية. فالمملكة سارت خلف السياسة الأمريكية حيثما اتجهت. وعندما اتجهت أمريكا الي التحالف مع القاعدة في زمن الوجود العسكري السوفييتي في افغانستان اتجهت السعودية في الاتجاه نفسه، وعندما عاد العداء فنشب بين أمريكا والقاعدة اثر هجوم نيويورك سارت السعودية في الاتجاه ذاته، والان تمارس السعودية سياسة العودة لتزويد القاعدة بالمال والسلاح في حرب التنظيمات الارهابية ضد سوريا التي يقودها ويوجهها كبار القادة والساسة الأمريكيون (…) ماذا تقول هذه التحولات عن الديمقراطية الأمريكية؟ وماذا تقول عن استخدام الاموال السعودية؟ وماذا تقول عن سياسات الاخوان المسلمين الذين يخوضون الان في سوريا حربا أمريكية القواعد والاهداف؟