فهل ينتقل مخطط إسقاط سوريا إلي مصر؟ بقلم | سمير گرم يبدو ان هناك شبه اجماع علي ان الاحداث الجارية في مصر تتجه نحو وضع كارثي يفوق كثيرا ما يشعر به المصريون في الوقت الحاضر. والمقصود هنا بعبارة “شبه اجماع” لا يقتصر علي آراء المصريين علي اختلافها، انما المقصود هو ما يصدر من الجهات الاخبارية والسياسية العالمية من معلومات – من ناحية – ومن تحليلات – من ناحية اخري – حيث يبدو اهتمام واسع النطاق وعميق الجذور بالاحداث الجارية في مصر منذ صعود جماعة الاخوان المسلمين الي الحكم وسيطرتهم علي جميع نواحي الحياة. بطبيعة الحال لن يكون بامكاننا رصد كل ما يقدم من تفسيرات – من خلال المعلومات ومن خلال التحليلات – في تفسير ما يجري في مصر تحت حكم الاخوان المسلمين، انما من الضروري، مع ذكر بعض الامثلة، ان نلاحظ ان التشاؤم يسود ويسيطر علي هذه المعلومات والتحليلات. يتساوي في اظهار هذا التشاؤم الأمريكيون والاوروبيون، وهم للحقيقة اكثر المتابعين للاحداث المصرية اهتماما وجدية. ولا دخل للتشاؤم هنا بالوقوف في صف الاخوان المسلمين كسلطة حاكمة في مصر او معارضة هذه السيطرة الاخوانية. وبصفة خاصة فان تحليلات الصحافة “القومية” الأمريكية أي تلك التي تنتمي الي وجهات نظر رسمية او اقرب ما تكون الي الرسمية تميل الي تأييد الاخوان المسلمين وبقائهم في الحكم. وهذا هو الاتجاه نفسه الذي يحكم تصريحات المسئولين الرسميين الأمريكيين بمن فيهم اعضاء الادارة الأمريكية برئاسة الرئيس باراك اوباما. اليساريون يرفضون يستثني من ذلك وبوضوح كل ما يكتبه المعلقون اليساريون الأمريكيون، وخاصة من ينتمون لليسار الماركسي. وهؤلاء يعدون من انشط المتابعين للشئون المصرية منذ انطلاق ثورة 25 يناير2011 من خلال الصحف الناطقة بافكارهم ومعلوماتهم. هي كثيرة وان لم تكن لا تلقي اي اهتمام او متابعة من جانب الصحف المصرية والاعلام المصري بشكل عام. اذا يبدو ان المشتغلين بالاعلام المصري يتصورون ان الصحافة اليسارية الأمريكية لا تأثير لها علي الرأي العام الأمريكي بأي درجة. وهو تصور أبعد ما يكون عن الحقيقة. ولعل من الجدير بالذكر في هذا المجال ان الاعلام الأمريكي “القومي” نفسه يتابع الاطلاع علي الصحافة اليسارية – بما فيها الماركسية الأمريكية والعالمية وكثيرا ما يعكس وجهات نظرها فيما يكتب وينشر. قبل ايام نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية – التي تعد من ابرز الصحف القومية الأمريكية – تعليقا للكاتب الأمريكي المرموق ديفيد اجناتيوس قال فيه “ان مصر تنزلق نحو الخراب، وجماعة الاخوان المسلمين تتجه نحو الهاوية المالية”. وأضاف الي ذلك “ان الولاياتالمتحدة تدعم الرئيس محمد مرسي وتريده ان ينجح خوفا من ان يكون البديل له الحكم العسكري أو الفوضي”. وقال اجناتيوس “لقد اصبحت الحقائق الاقتصادية صارخة للغاية. فالاحتياطيات الرسمية من العملة الصعبة في شهر فبراير الماضي بلغت 13,5 مليار دولار، وهو ما يكفي الا اقل قليلا من ثلاثة اشهر من الواردات وفي هذا الوقت لا تفعل حكومة مرسي اي شيء علي الاطلاق لوقف هذا التدهور الاقتصادي”. وحرص الصحفي الأمريكي علي ان يؤكد في الوقت نفسه ان المسئولين الأمريكيين يقولون “ان الخطر يقف علي بعد شهرين اثنين او ثلاثة اشهر من ابواب مصر”. ويري اجناتيوس “ان الولاياتالمتحدة وحلفاءها راهنوا قبل عامين علي انه اذا وصل الاخوان المسلمون الي السلطة في مصر فانهم سيضطرون الي التعامل مع مسئوليات هذا الحكم، وعلي سبيل المثال التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض واعتماد اصلاحات اقتصادية لجذب المستثمرين، ولكن مرسي لم يبد للقيادة الأمريكية ماكانت تأمل فيه”. واستطرد فتساءل “ماهي خيارات سياسة الولاياتالمتحدة تجاه مصر؟” وأجاب ان بعض النقاد للسياسة الأمريكية الرسمية “يرون ان علي الولاياتالمتحدة ترك مرسي يفشل، ولكنني اري انها ترغب في نجاحه خشية ان يكون البديل إما فوضي أو انقلاب عسكري”. الجيش المصري لم يقتصر الكاتب الصحفي الأمريكي علي هذا انما اضاف شارحا تصوره للوضع في مصر الان فقال “ان الجيش المصري ينتظر علي جانب المشهد وان بعض جنرالاته يرغبون بشدة في التدخل ،ولكن الولاياتالمتحدة تعارض اي استيلاء عسكري علي السلطة. انها بدعمها لمرسي تقف ضد السعوديين والليبراليين في مصر… ان الرهان المستمر من جانب الادارة الأمريكية علي الديمقراطية الإسلامية يظهر جليا في مصر، ولعل اكبر المفاجآت هي ان حكومة جماعة الاخوان المسلمين لديها اليوم علاقة افضل مع اسرائيل من علاقتها مع تركيا الحليف التقليدي لتل ابيب. وقد يكون هذا افضل ورقة في يد مرسي للعب مع واشنطن. فعلي الرغم من كل اخفاقاته كزعيم لمصر فانه لا يثير المشاكل لاسرائيل”. (المصري اليوم في 8/3/2013).. في هذا الرأي الصحفي نشهد ثلاثة جوانب لصورة الموقف المصري والأمريكي من الاحداث المصرية. ونتبين ان الادارة الأمريكية تعمل علي اظهار ايمانها بان الاخوان المسلمين هم افضل الاحتمالات لمصر علي الرغم من ترديهم في اخطاء كثيرة – اقتصادية بوجه خاص – منذ ان تولوا الحكم. تراجع الشعبية فاذا انتقلنا الي مجلة ال “ايكونوميست” البريطانية الاسبوعية نراها تقول صراحة “ان تحديات السلطة والانتقادات التي تواجهها جماعة الاخوان المسلمين في سدة الحكم اضرت بشعبية الجماعة علي نحو أصبح يهدد بضياع السلطة من ايديهم”. وأضافت ال”ايكونوميست” “ان الانتقادات اللاذعة التي تتعرض لها الجماعة هذه الايام ليست مقصورة علي الاخوان في مصر فقط …انما تمتد الي الجماعات الاسلامية التي تتعرض لكثير من التحديات الصعبة في باقي دول المنطقة “. ولاحظت المجلة البريطانية” ان من بين اسباب تراجع شعبية الاخوان في مصر اتصال الجماعة بالدول الغربية التي طالما اعلنت الجماعة رفضها ونبذها”. ونلاحظ هنا ان الاضافة الوحيدة التي استطاعت ال”ايكونوميست ان تضيفها الي ماقالت واشنطن بوست هي ان الجماعات الاسلامية في دول المنطقة تواجه الانتقادات والصعوبات التي تواجهها جماعة الاخوان المسلمين في مصر. اي ان الظاهرة الاخوانية وعثرات الاخوان في الحكم خاصة انما تتعدي حدود مصر وتشمل البلدان الاخري في المنطقة التي توجد فيها منظمات اخوانية او اسلامية. فاذا ما تركنا جانبا امثلة الاعلام والصحافة الغربية الي الصحافة اليسارية فاننا نفاجأ بان معلومات الصحافة اليسارية اكثر تحديدا ودقة فيما يتعلق بما يجري في المنطقة العربية في ظل تولي الاخوان المسلمين السلطة او سعيهم الي توليها. وعلي سبيل المثال فإن الصحفي الأمريكي اليساري باتريك هيننجسين كتب تحليلا بالغ الاهمية يستند الي معلومات محددة في “نشرة القرن الواحد والعشرين” التي تصدر باللغة الانجليزية علي شبكة “الانترنت”. قال فيه “إن الدليل ماثل الان ونحن نشهد قائمة من الممثلين لادوار الدول يتآمرون علنا لدفع الشرق الاوسط نحو حرب شاملة التفجير. لقد اصبح معروفا الان ان حلف الاطلنطي ودول الخليج قد وضعت خططا مبدئية لقلب دولة سوريا ذات السيادة ولكن هذه الخطط تتأخر عن موعدها لان العملية اطلقت قبل سنتين مضتا. لقد كان املهم من نوع الامل الذي استمتعوا به وهم يقلبون ليبيا في اواخر عام 2011…لكن الخطة نفسها لم تنفذ بالسرعة المتصورة منذ ان اطلقت قبل عامين، لم يتحقق ما ارادوه في سوريا بالسرعة الكافية والغرب يساند الجماعات الارهابية التي لا تزال تصاب بخسائر جسيمة في حربها الرامية لاسقاط حكومة الاسد نيابة عن حلف الاطلنطي وحلفائه في الخليج. ان العقبة الرئيسية التي تواجه الخطة هي ان فكرة تسليح الارهابيين مباشرة في سوريا وهي ليست خطة يمكن ترويجها صراحة لا في الولاياتالمتحدة او بريطانيا”. ويضيف المعلق اليساري ان حلف الاطلنطي يرسل اسلحته الي الارهابيين الذين يشكلون تنظيمات المعارضة في سوريا عبر كرواتيا التي كانت في الماضي احدي جمهوريات الاتحاد السوفييتي والتي “تلعب الان دورالدول العميلة التي تدفع الحرب في سوريا دفعا حيث تجمع في سوريا واحدة من اكبر العمليات السوداء في تاريخ الامدادات العسكرية الحديث. وهكذا اصبح رسميا ان كميات ضخمة من الاسلحة الثقيلة تنتقل من الغرب الي المرتزقة الجهاديين في سوريا الذين يطلق عليهم اسم الجيش السوري الحر”. أسلحة من كرواتيا وينقل هننجسين عن صحيفة كرواتية يومية تحمل اسم “جوتارني” انه “منذ بداية شهر نوفمبر من العام الماضي حتي فبراير من العام الحالي طارت 75 طائرة من مطار زغرب (عاصمة كرواتيا) وعليها ما يربو علي 3 آلاف طن من الاسلحة والذخائر الي المتمردين في سوريا. وتنقل هذه الصحيفة عن مصادر دبلوماسية انه الي جانب الاسلحة الكرواتية التي امتلات بها هذه الطائرات كانت هناك اسلحة من بلدان اوروبية اخري من بينها بريطانيا. وقد تولت الولاياتالمتحدة تنظيم وصول هذه الاسلحة”. ويكشف الصحفي الأمريكي ان صفقة ارسال هذه الاسلحة الي المتمردين في سوريا تمت بواسطة مسئولين أمريكيين ومعهم السفير الكرواتي لدي الولاياتالمتحدة. ويضيف انه اذا كانت هذه التحركات معلومة لكرواتيا فانها معلومة ايضا للمسئولين الأمريكيين والبريطانيين بالمثل. علي الرغم من انكار هؤلاء تورطهم في هذه الحالة. وفضلا عن هذا فإن مستشارين عسكريين بريطانيين وفرنسيين وأمريكيين يعملون في عدد من البلدان المجاورة لسوريا علي تدريب قادة المتمردين والضباط السابقين في الجيش السوري الذين نقلوا ولاءهم الي المعارضة. ويذهب الصحفي الأمريكي اليساري الي حد القول بأن كل شيء يجري الان علانية في سوريا بعد ان كان يحاط بالسرية”. الا تثير هذه المعلومات عن دور الدول الغربية في حرب سوريا المخاوف من ان تكون هذه الدول نفسها مستعدة للعب هذا الدور الخطير نفسه اذا ما لاحت الفرصة سانحة في مصر التي يصف صحفيو الغرب الموقف فيها بانه يتجه نحو درجة قصوي من الخطورة؟ تري الا يفكر هؤلاء المسئولون الغربيون في ان السيناريو السوري يمكن ان يعد للتنفيذ في مصر؟؟