ما فعله مرسي ببورسعيد بفرض حالة الطوارئ وحظر التجول بها وتسببه في مقتل أكثر من 50 شهيدا من أبنائها الشجعان أحفاد أبطال 56، أعادني بالذكرة إلي هذه الأيام الخالدة من تاريخ هذه المدينة عندما قام عبدالناصر بأكبر وأعظم إنجازاته بتأميم قناة السويس في 26/7/56 وجاء ضربة موجعة للاستعمار واستردادا للقناة ولحقوق مصر وسيادتها علي هذا الممر العالمي. وحين بدأت المؤامرة الثلاثية من إسرائيل وإنجلترا وفرنسا بالعدوان علي مصر بدءا من إسرائيل في 29/10/1956 وتلتها إنجلترا وفرنسا في أول نوفمبر 1956 بغارات علي مدينة بورسعيد بإلقاء القنابل والصواريخ والقذائف الحارقة من الطائرات والبوارج الحربية في محاولة لاحتلال المدينة وقف عبدالناصر علي منبر الأزهر في 2/11/1956 قائلا: «إننا سنقاتل ولن نسلم – ولن نترك بورسعيد الباسلة وحدها تصد عنا هذا العدوان – سنحارب بكتائب التحرير والحرس الوطني جنبا إلي جنب مع الجيش ومن قرية إلي قرية.. سنقاتل في كل مكان ولن نسلم.. سيكون شعارنا جميعا سنقاتل ولن نسلم أبدا.. سنقاتل إلي آخر نقطة دم وبورسعيد الباسلة علي رأس هذا الشعب لن تتصدي وحدها.. الشعب كله لن يستسلم أبدا، سنقاتل.. سنقاتل». كان لهذا الخطاب فعل السحر في نفوس المصريين.. وانتفض الشعب عن بكرة أبيه حيث خرجنا من المدرسة الثائرة وكنت وقتها طالبا في السنة الثانية في مظاهرة غاضبة تطوف شوارع كفر الشيخ.. وانضم إلينا المحامون بقيادة نقيبهم عمر المارية المحامي، والمحامي الاشتراكي جمال طولان، نطالب عبدالناصر بالسلاح.. والذهاب إلي بورسعيد.. وتحولت المدينة إلي معسكرات للتدريب وارتدينا لأول مرة ملابس الحرس الوطني وكتائب التحرير، وحمل كل منا سلاحا، جاهزين انتظارا للسفر.. وقد صمدت المدينة الباسلة.. واستماتت في الدفاع وقاومت مقاومة عنيفة أحبطت خطة العدوان في احتلال مصر كلها.. يقول عبدالناصر عن بورسعيد: «بورسعيد التي حمت مصر كلها.. بورسعيد هي التي فدت مصر والعروبة.. بورسعيد استطاعت أن تحبط خطط العدوان الذي ادعي أنه سيأخذ بورسعيد في 24 ساعة.. وسقط شهداء بورسعيد في سبيل مصر كلها.. بورسعيد صمدت ولم تركع للدول الكبري.. إن مقاومة بورسعيد لإنجلترا وفرنسا بتضحيات أبنائها هي التي كانت أساسا في هزيمة الاستعمار في العالم». وأذكر في سجل الفخار والتضحية من أجل الوطن بعضا من أبطال بورسعيد، مثل السيد عسران هذا الفتي الصغير الذي اغتال وليامز ضابط المخابرات البريطانية، وأحمد الهلالي الذي اشترك في عملية خطف الضابط مور هاوس.. والشهيد عادل زكي مندور الذي رابط بمدفعه الرشاش في حي الإفرنج حتي إذا نزل العدو بالساحل بجنوده أمطرهم بوابل من النيران.. وشوقي خلاف الذي تصيدته رصاصات الأعداء عند كوبري الرسوة بعد أن أدي مهمته الحربية.. والشهيد الأشهر جواد علي حسني ابن كتيبة كلية الحقوق الذي اعتقله الجنود الفرنسيون وقتلوه في سجنه بعد أن رسم بدمه قصته علي جدران السجن، ليكون رمزا للفداء والتضحية علي مر الزمن. وحين انهزم العدوان.. ورحل آخر جندي عن بورسعيد في 22/12/1956.. كانت بورسعيد بالنسبة لنا عروسا جميلة نحلم بأن نشد الرحال إليها لنراها بعد انتصارها العظيم ونري أبناءها البواسل.. وقامت وزارة التربية لتحقيق هذا الحلم بتنظيم رحلات أسبوعية لطلبة المدارس الثانوية في أنحاء مصر فيما يسمي ب «أسبوع تعمير بورسعيد» وكان الاختيار مقتصرا علي طلبة السنة الثالثة فقط.. وأنا في السنة الثانية.. وتم استثنائي لنشاطي السياسي البارز في ذلك الحين، وأنا غير مصدق فرحا سعيدا. وفي 7 مارس 1957 وطأت قدماي أرض بورسعيد الباسلة لأول مرة في حياتي وانحنيت وقبلت أرضها – ولم لا وهي أرض البطولات والأمجاد – وكان شرفا عظيما أن أشارك في إعادة تعميرها من جديد.. وحسنا فعلت وزارة التربية وكان علي رأسها عضو مجلس قيادة الثورة كمال الدين حسين، أما كمال الدين رفعت فكان قائدا لكتائب التحرير التي دخلت بورسعيد لقد كان الهدف من هذه الرحلات هو بناء جيل جديد من أبناء مصر يعرف معني التضحية والفداء من أجل الوطن. هذا ما فعلته مدينتكم يا أحفاد 56 يا من أطلق عليها عبدالناصر «المدينة الباسلة» وصار هذا اللقب مثلا لكل المدن المصرية. وما ثورتكم الغاضبة علي قرار محكمة مذبحة ملعب بورسعيد وتسببت في مجزرة دموية استشهد فيها العشرات من أبنائكم البواسل لم يكن سببها إلا انتقاص مرسي من هيبة القضاء وعدم احترامه للسلطة القضائية.. وقضائه علي دولة القانون وإسكات محاكم مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا، ومحاصرتها بميليشياته حتي لا تصدر أحكامها كانت في سبيلها لإسقاط مجلس الشوري والهيئة التأسيسية الباطلة واغتصابه لمنصب النائب العام لصالح جماعة الإخوان مما أدي إلي فقدان ثقة الشعب في القاضي علي منصته فكيف يصدق أبناء بورسعيد هذا القرار بإحالة 21 من المتهمين إلي فضيلة المفتي، ولا يمكن إدانة الشعب البورسعيدي علي قرار يعتبرونه ظالما وعدوانا بعد أن فقدوا الثقة في السلطة القضائية نتيجة عدوان مرسي عليها.. وهل تصدقون أن العدو الإنجلوفرنسي ترك أبناء بورسعيد سنة 56 يشيعون شهداءهم بكل حرية ودون تدخل.. في حين أن ميليشيات مرسي أمطرت مشيعي جنازة الشهداء بالنيران والغازات المسيلة للدموع والخرطوش من فوق أسطح المنازل فسقط منهم العشرات غيلة وغدرا. وأتساءل كما يتساءل المناضل العتيد البدري فرغلي هل تترك بورسعيد الدم المسال يذهب هباء؟؟!!