هيثم حسنبعد مرور 58 عاما علي ثورة يوليو وما أحدثته من تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية انصبت في مجملها لصالح الفقراء ومحدودي الدخل. ثم التحول الاقتصادي الي الرأسمالية والخصخصة والذي بلغ اقصي مدي له في تسعينيات القرن الماضي وما بعدها. ظلت قضية الاسكان في مصر أحد ابرز القضايا التي تأثرت بهذا التحول. يقول " نبيل عتريس" -عضو المكتب السياسي بالتجمع ومقرر لجنة الاسكان بالحزب- أن تعداد السكان في فترة الثورة كان 20 مليون نسمة وكان هناك عجز في الوحدات السكنية لكن الدولة أخذت علي عاتقها حل الأزمة بالتعاون مع المجالس المحلية والتعاونيات الاسكانية ببناء الوحدات السكنية وتأجيرها.. ووضع الرئيس الراحل " جمال عبد الناصر" تخطيطا للمدن الجديدة التي بدأ تنفيذها في عهد السادات ومبارك وعلي سبيل المثال كمدن ( مراقيا، مايو، وغيرها ..) لكن كل هذه المدن كانت بسياسة الايجار ولبناء ( اسكان شعبي) حتي أن معظم الشركات والمصانع كانت تقوم ببناء وحدات سكنية للعاملين فيها واستمر هذا الوضع الي أن جاء " عثمان أحمد عثمان" كوزير للاسكان وكانت النقطة المفصلية في سياسات الاسكان في مصر هي بعد عودته من مؤتمر "بانكوبر" حيث تجاهل تماماً البيان الختامي للمؤتمر الذي وضع فيه جميع الحلول المثالية لمشاكل الاسكان في العالم ، وقام بتنفيذ سياسات مخالفة تماماً لما جاء بتوصيات المؤتمر فوضع حجر الأساس لنظام التمليك في مصر وهو الذي كان بداية لأزمة الطبقات محدودة الدخل مع الاسكان حيث تحكمت الطبقات الرأسمالية والبرجوازية في الاسكان بمصر وتحول الاسكان من خدمة مستحقة لكل المواطنين الي سلعة تباع لمن يملك.. ويضيف " نبيل عتريس" أن سياسة الاسكان التي بدأها " عثمان" كانت السبب الرئيسي في مشكلة العشوائيات التي بدأت مع عدم وجود امكانيات للطبقات الفقيرة في توفير مسكن بعد أن رفعت سياسة التمليك أسعار الوحدات السكنية وأصبح السكن مقتصراً علي القادرين علي تملك الوحدات ، فاتجهوا للبناء بالمناطق الشعبية دون تخطيط هندسي مما أدي لتفشي العشوائيات. حتي وصل الأمر في عام 80 الي وجود مليون و 800 الف وحدة بلا سكان حيث تحكمت الطبقات الرأسمالية والبرجوازية المهاجرة الي دول الخليج في الوحدات واشترت غالبية الوحدات وأغلقتها لحين عودتها مما جعل الاسكان في مصر " سكان بلا مساكن ، ومساكن بلا سكان". المرحلة الأولي وفي تحليلها لحالة الاسكان في مصر طبقاً لدراسة أجرتها "منال الطيبي" تقول ان المرحلة الأولي عقب 1952 شهدت حركة اقتصادية نشطة خصوصاً علي مستوي الصناعة. فأنشئت مئات المصانع وهو ما انعكس علي الوضع السكاني، فتم بناء عدد كبير من المساكن العمالية لاستيعاب أسر العاملين بالقرب من المصانع، وتبنت الدولة مشاريع اسكان للفقراء "الاسكان الشعبي" لتلبية نسبة كبيرة من الطلب علي هذا النوع من السكن.. والظاهرة الملحوظة في تلك المرحلة هي الافتقاد للمقاييس الجمالية للبناء والاعتماد علي قوالب أقرب للنموذج الصيني. المرحلة الثانية وعن الفترة (1970-1990) تقول" منال الطيبي" وبدأت التغيرات متدرجة وهادئة الي حد كبير ثم تسارعت بعد ذلك، والبداية كانت سياسة الانفتاح علي الخارج ثم انشاء المناطق الحرة.... الخ.، وكان يتم أعداد الخطوط العريضة للتحولات الكاملة مع تبني النظام لمصالح الطبقة الرأسمالية التي كونت ثرواتها من أدارتها للقطاع العام وقد انعكست تلك السياسات علي وضع السكن في عدد جوانب.. وبدأت الدولة في التخلي التدريجي عن اسكان الفقراء بتخفيض عدد الوحدات التي كانت تقوم بانشائها، وألقت بذلك الالتزام علي عاتق المستثمرين العقاريين وهو ما يتناقض مع رغبة الرأسمال في الربح السريع. من التسعينات وحتي الآن وعن المرحلة الثالثة تضيف "منال الطيبي" مع بداية التسعينيات بدأت الدولة في الاسراع في استكمال مشروعها الاقتصادي المبني علي "اعادة الهيكلة" والخضوع الكامل لقوانين العرض والطلب فتسارعت عملية الخصخصة بشكل أشبه بالتهور الاقتصادي.. ويمكننا بسهولة سرد عشرات الحقائق عن الكوارث التي سببتها وتسببها تلك السياسات خصوصاً في تحميل الفقراء ثمن تلك السياسات ويكفي الانفلات المذهل للأسعار مع الانخفاض الحاد في الدخول، وهو ما أدي الي بلوغ نسبة الفقر في مصر 33% وكذلك وجود أكثر من عشر ملايين مصري تحت خط الفقر.. ومازالت الدولة مستمرة في اندفاعها المحموم نحو اطلاق آليات السوق المتوحشة والخروج تماماً من النشاط الاقتصادي والخدمي، وتخلت الدولة نهائيا عن اسكان الفقراء، وحتي النظافة ومياه الشرب تم خصخصتها أخيراً.