العالم يتغير بسرعة هائلة، وإسرائيل كذلك فما كانت ترفضه بل تحاربه منذ عدة عقود، تعود الآن وتعمل بكل قواها علي تحقيقه! فمنذ عقود كان حديث أي إسرائيلي عن الاعتراف بدولة فلسطينية يعتبر جريمة وخيانة، وكذلك الانسحاب من باقي الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها في حرب يونية 1967، صحيح أنه تم تقديم عدة مشروعات للتسوية السياسية أشهرها مشروع «ايجال آلون» في أعقاب حرب 1967 يفتح أبواب أقامة كيان فلسطيني دون أي أسس للسيادة، إلا أن الأمور لم تصل أبداً إلي ما تم الوصول إليه هذه الأيام حيث طرح وزير الخارجية المتطرف «فيجدور ليبرمان» خطة تقوم علي اعتراف إسرائيل بحكم حماس في غزة، وتحويلها إلي شبه دولة مستقلة مقابل تخلص إسرائيل من مسئوليتها عن القطاع ويطلق ليبرمان علي هذه الصفقة اسم خطة الانفصال الثانية، باعتبارها استكمالا لخطة الفصل الأول التي تم تنفيذها علي يد إيريل شارون الجنرال الإسرائيلي الأشد دموية في التاريخ الإسرائيلي، والذي نفذ فعلاً خطة إخلاء غزة بأكملها وفكك المستوطنات الإسرائيلية هناك، وأرغم المستوطنين اليهود المتطرفين علي ترك مستوطناتهم التي قام شارون بتدميرها. شارون قام بهذه الخطوة بشكل أحادي دون أي اتفاق مع الفلسطينيين، لكن ليبرمان يريد عقد صفقة لا يمانع أن تتم مع حركة حماس باعتبارها المسيطرة علي قطاع غزة فعليا، ووفقا لما نشر في صحيفة يديعوت أحرونوت فإن ليبرمان قدم مشروعه للإدارة الأمريكية وللأمم المتحدة بشكل سري يطلب منهما وضع صيغة تناسب بنود القانون الدولي لإنهاء حالة الاحتلال الواقع في قطاع غزة ذلك أنه وفقا للقانون الدولي تعتبر إسرائيل دولة احتلال رغم الانسحاب أحادي الجانب من غزة. وسيطرح المشروع علي مفوضة الاتحاد الأوروبي كارين اشتون وعلي وزراء خارجية من دول الاتحاد الذين سيزورون إسرائيل خلال أيام بحثا عن تأييد دول الاتحاد هذا المشروع، الذي حاول ليبرمان تغليفه بنقاط إيجابية مثل تعهد إسرائيل بإقامة محطات تحلية للمياه ومحطات كهرباء في غزة، واستعدادها لإعادة افتتاح ميناء غزة علي أن يتم تفتيش السفن من خلال بعثة أوروبية تتواجد في موانئ يونانية أو قبرصية لضمان عدم تهريب أسلحة للقطاع ووفقا لما نشر أيضاً في يديعوت أحرونوت فإن الشرط الرئيسي للمشروع هو إنهاء أي صلة بين إسرائيل بالقطاع ولا تعود ملزمة بأي شيء تجاه غزة. قسم الولاء وعلي الرغم من أن مشروع ليبرمان لم يدخل بعد إلي مرحلة الواقع ، فإنه يعبر عن التفكير الإسرائيلي في هذه المرحلة تجاه كيفية التخلص من القضية الفلسطينية علي عدة مراحل في ظل استحالة حل هذه القضية كتلة واحدة في الانقسام والتشرذم الفلسطيني الذي يسهل علي إسرائيل فرض حلول مختلفة لكل جزء من الفلسطينيين ولذلك لم يكن غريبا أن يناقش الكنيست مشروع قانون يلزم كل من يحمل الجنسية الإسرائيلية بأداء قسم الولاء لدولة إسرائيل، حيث ترتبط المواطنة بأداء هذا اليمين لإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، وبالتالي يتم تجريم كل من يخالف هذا القسم بداية من الحبس سنوات طويلة وصولا إلي أبعاده وتجريده من الجنسية الإسرائيلية. وهذا القانون يستهدف حرب 1948، الفلسطينيين الذين تمسكوا بأراضيهم ورفضوا المغادرة ونجحوا في أن يحافظوا علي تواجدهم ، بل أن يوظفوا حصولهم علي الجنسية الإسرائيلية للمطالبة بكل حقوق المواطنة، ونجحوا بالتالي في تشكيل قوة سياسية حصلت علي 10 مقاعد في الكنيست، وبالتالي يشهد الكنيست معارك ومواجهات مستمرة حول جميع القضايا التي تهم الفلسطينيين، وانضم الفلسطينيون في إسرائيل وعددهم فاق المليون بنسبة 20% من السكان إلي النضال الفلسطيني الشامل من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة علي أراضي 1967، وتحويل إسرائيل إلي دولة علمانية ديمقراطية لكل مواطنيها من إسرائيل وهو ما هدد ولا يزال طبيعة الدولة اليهودية الخالصة. الإبعاد إلي الضفة والضلع الثالثة في الخطة الإسرائيلية هي مواصلة الاستيطان وتقطيع أوصال الضفة وعزل القدسالشرقية بالكامل عن الضفة، وهو ما تم فعلا وهو ما يعني تجفيف كل الأنشطة الاقتصادية والثقافية والتعليمية في القدس واجبار أهلها علي المغادرة بحثا عن فرص عمل وأنشطة اقتصادية في الضفة، وطبقا للقانون الإسرائيلي فإن كل من يخرج من القدس لمدة عدة أشهر يفقد البطاقة الخضراء للإقامة فيها ولا يعود إليها. دولة في الضفة ولا تمانع إسرائيل في نفس الوقت من تنامي المؤسسات الفلسطينية في الضفة التي شهدت طفرة هائلة نحو الوصول لمرحلة بناء مؤسسات دولة مستقلة، حيث وجدت في سياسة الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة سلام فياض الخاصة بعدم السيطرة علي الأوضاع الأمنية وعدم عسكرة الانتفاضة والاتجاه للعمل المدني، فرصة جيدة للتجاوب مع تلك الجهود، وعدم اعتراض إمكانية قيام دولة فلسطينية أخري في الضفة، يتم ابعاد عرب 48 إليها بشكل متتالي، وأيضا عودة اللاجئين في الخارج إلي الضفة. القوة المطلقة إجمالا، الدولة الفلسطينية المستقلة أو حتي الدويلات الفلسطينية المستقلة أصبحت حاجة إسرائيلية ماسة للخلاص من الفلسطينيين إلي الأبد، طالما تستمر إسرائيلي مسيطرة عسكريا ولا تسمح بوجود تهديد فلسطيني علي أمنها. والمثير في الأمر أن كلا من حماس والسلطة قد رفضتا مشروع «ليبرمان» كما رفض عرب 1948 مشروع قسم الولاء، ولكن هذا الرفض لا تسانده قوة تسمح باتقان الخطط الإسرائيلية ولكن علي أرض الواقع تستمر حماس في سيطرتها علي غزة وتستمر السلطة في الضفة، ويواصل عرب 48 نضالهم داخل إسرائيلي، والمظلة الجديدة لهذا كله هذه الأيام خطة أمريكية يدعهما الرئيس أوباما ومبعوثه چورچ ميشيل لدعوة السلطة السلطة الفلسطينية إلي مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وإلا فإن البدائل الأخري قائمة، فإسرائيل ترغب الآن وبشدة في قيام دولة أو دويلات فلسطينية بعيداً عنها.