أخفقت في التوصل إلي راي قاطع وصريح ومنطقي في الوقت نفسه فيما يتعلق بموقف اسرائيل من احداث مصر الأخيرة. المصادر المتاحة لمعرفة ملامح هذا الموقف لا ترسم صورة كافية، سواء كانت هذه المصادر من الجانب الاسرائيلي او الجانب المصري. اعني ان متابعة ردود الافعال كما تقدمها الصحافة الاسرائيلية او الاعلام المصري بشكل عام لا تعطي صورة واضحة لموقف اسرائيل من تلك الاحداث. حتي تصريحات القادة والمسئولين الاسرائيليين عن هذه الاحداث لا تبدو واضحة او كافية. وبالمثل فان اهتمام الاعلام المصري، بما فيه الصحافة المطبوعة لا تقدم صورة واضحة عن متابعة جيدة للموقف الاسرائيلي. في بعض الاوقات – اعتمادا علي متابعة الاعلام الاسرائيلي وبعده الاعلام المصري – بدا ان اسرائيل تعطي اهتماما اكبر بقضايا عامة باقية في العلاقات بينهما مثل احتمالات اثارة مصر – تحت حكم الاخوان – موضوع ضرورة اعادة النظر في معاهدة السلام بين البلدين بهدف تعديلها، ومثل احتمالات الحرب بينهما سواء بدوافع اسرائيلية او بدوافع مصرية، ومثل مسألة رغبة اسرائيل في بناء سفارة جديدة لها في موقع تختاره بحيث يكون اكثر امنا. فقد اشتكي السفير الاسرائيلي في القاهرة يعقوب لآميتاي لعدد من الدبلوماسيين الغربيين من ان مصر تعرقل اقامة سفارة اسرائيلية جديدة في القاهرة. وقال اميتاي في هذا الصدد ان “علاقات السلام يجب ان تكون مدعومة ليس فقط بالتعاون الامني والتنسيق المخابراتي حول قضايا الاهتمام المشترك ولكن ايضا بتواصل دبلوماسي جيد”. (الشروق في 13 يناير 2013) بل ان الاعلام الاسرائيلي وبعده المصري ابديا اهتماما بما اثاره السناتور الجمهوري اليميني الأمريكي جون ماكين اثناء زيارته الاخيرة لمصر عن تصريحات كان قد ادلي بها الرئيس محمد مرسي في عام 2010 – حينما لم يكن احتمال توليه رئاسة مصر يخطر بباله او ببال اي مصري او اجنبي – ووصف فيه اليهود احفاد القردة والخنازير. وقد بقي الاهتمام بهذا الموضوع حتي بعد ان قدم مرسي الي ماكين اقرب تصريح الي الاعتذار عما قاله بحق اليهود. ولم يكن بالطبع كافيا لتهدئة الاسرائيليين وصهاينة أمريكا وماكين احدهم. مرسي والحرب علي غزة ولقد اظهرت اسرائيل اهتماما مستمرا بتقييم مرسي منذ صعوده الي الرئاسة ولم ينعكس ذلك علي احداث مصر الاخيرة بسبب سياساته المترنحة ازاء القضايا التي تهم المصريين لانها وثيقة الصلة بحياتهم واهتماماتهم. وعلي سبيل المثال ايضا فان الصحافة المصرية وقبلها الاسرائيلية اهتمت بنشر تصريحات ادلي بها آفي بريمور السفير الاسرائيلي السابق لدي ألمانيا، والتي قال فيها ان “مرسي لن يتحمل دخول حرب معنا” – وهو يقصد مع اسرائيل – وان مرسي “برهن علي انه مفيد في الحرب (الاسرائيلية) علي غزة”. وهي اشارة الي الدور “البناء والايجابي” الذي لعبته حكومة مرسي في تحقيق الهدنة بين اسرائيل و”حماس” ابان الصدام العسكري بين الطرفين الذي تميزت فيه غزة عندما استخدمت الصواريخ التي حصلت عليها من ايران. وكان هذا اطراء اسرائيليا تكرر كثيرا علي السنة المسئولين الاسرائيليين حاليين وسابقين. وأضاف بريمور انه ينبغي “التفريق بين ايديولوجية مرسي وأفعاله” علي اساس “ان الاصوليين الاسلاميين مثل مرسي دائما ما يرددون تصريحات متطرفة ولكنهم عند الفعل تختلف مواقفهم عن تصريحاتهم”. أما الاحداث الجسيمة – بل الخطيرة – التي تجتازها مصر بسبب قيادة مرسي وقراراته ومواقفه فانها لم تحظ باهتمام صريح وواضح من جانب الاعلام الاسرائيلي، ولم يحصل الاعلام الاسرائيلي باهتمام من جانب الاعلام المصري من هذه الزاوية. مع ان الموضوع – ونعني موقف اسرائيل من هذه الاحداث – جدير بالاهتمام خاصة في غياب موقف اسرائيلي صريح تعبر عنه الدبلوماسية الاسرائيلية ان لم نقل حكومة اسرائيل ككل. فهذا الجانب تحيط به سرية لابد من توقعها نظرا لما تمثله احداث مصر من خطر علي النظام المصري القائم الذي تعثر في شهوره الاولي، فضلا عن خطرها علي مركز مصر في المنطقة وبصفة خاصة علي “العلاقات” المصرية – الاسرائيلية، هذا اذا جاز وصف ما بين مصر واسرائيل بانه علاقات علي الرغم من – او لعله بسبب – ما يبديه نظام مرسي من حرص علي اظهار “احترام” كاف امام اسرائيل والولايات المتحدة لما يصفه بانه “التزامات مصر” تجاه اسرائيل وتجاه الضمانات الأمريكية المقطوعة لاسرائيل بشان مصر. فشل في مصر الا ان الغياب العلني للاهتمام الاسرائيلي بما يجري في مصر قد عوضه بشكل فجائي اصدار مركز شئون الامن القومي اليهودي في واشنطن – وهو من اكثر المراكز البحثية التزاما بالمواقف والسياسات الصهيونية في أمريكا – تحليلا مطولا عن احداث مصر الجارية. وهو تحليل لابد من اعتباره ناطقا بلسان الصهيونية “الرسمية” الاسرائيلية والامريكية علي السواء. حمل هذا التحليل عنوانا لافتا للغاية هو”الفشل هو يقينا احد الخيارات في مصر” (…) وبطبيعة الحال فان التساؤل عن المقصود بالفشل في هذا السياق يفرض نفسه لولا ان انتماء التحليل الي السياسة الصهيونية التي تعني الولاء المطلق لمصالح اسرائيل حتي وان كان المحلل – ديفيد جولدمان – امريكيا يهوديا وليس اسرائيليا. فالمقصود بالفشل هنا هو فشل الرئيس مرسي في اكمال فترة رئاسته وما يعنيه هذا من فقدان اسرائيل رئيسا اكد التزامه بما سبق ان التزم به سلفه المخلوع حسني مبارك وهو السلام مع اسرائيل وبقاء معاهدة “كامب ديفيد” …ربما الي الابد خلافا لما هو معروف عن ان المعاهدات تكون محكومة بفترة زمنية محددة سواء نص فيها علي هذه الفترة او تركت لاختبار الزمن(…) واول ما يلفت النظر في هذا التحليل بعد العنوان الواضح الدلالة ما يذكره من ان الرئيس الامريكي باراك اوباما “وضع كل بيضه في سلة الرئيس المصري محمد مرسي. فاذا ما سقطت سلطة حكومة مرسي فان المخططين الامريكيين سيتعين عليهم ان ينظروا في البدائل الملحة لمنع الازمة المصرية من ان تشيع عدم الاستقرار في المنطقة باسرها”. واول ما ينتبه اليه المرء في هذه الجملة هو ان التحليل هذا يعتبر ان نظام مرسي هو الاستقرار وان الاحتمالات التي تأتي بعده تجبر رئيس امريكا علي البحث عن ما يضمن عدم الوقوع في عدم الاستقرار الذي ينتج عن “سقوط مرسي”. ويمضي هذا التحليل ليقول “إن المحور الذي تقوم عليه السياسة الخارجية للحزبين (الرئيسيين في أمريكا) هو ان الفشل في مصر ليس احد الخيارات. لقد استثمرت امريكا نحو 60 مليار دولار في مساعدة مصر منذ ان وقعت مصر واسرائيل معاهدة السلام في عام 1977 . وقد بقيت العلاقة المصرية -الامريكية العمود الذي تدور حوله السياسة الخارجية الامريكية لقرابة نصف قرن”. البدائل الأمريكية ويمضي التحليل فينقل تصريحات السناتور ماكين امام مجلس الشيوخ الامريكي قبيل زيارته لمصر مؤخرا ليقول “ان بين مجموعتنا هنا – ديمقراطيين وجمهوريين – هناك الكثير مما نختلف بشانه. ولكن حينما يتعلق الامر بمصر فاننا نتحدث بصوت واحد. فكلنا نعتقد ان ما يحدث في مصر سيكون له تأثير حاسم علي مستقبل هذه المنطقة باسرها. “ثم يعقب التحليل علي هذا قائلا ان قليلا من النظر قد وجه الي فرضية بديلة: ان الثورة المصرية لم تعبر عن آمال ديمقراطية انما هي بالاحري عبرت عن حالة من فشل الدولة راجع الي عقود من سوء الادارة الاقتصادي والاجتماعي. وان ازمة مصر الراهنة ليست قابلة للحل باي وسيلة متاحة للسياسة الامريكية … ان استمرار الصراع بين القوي السياسية واختلافها حول ادارة البلاد يمكن ان يفضي الي انهيار الدولة ويهدد مستقبل الاجيال القادمة”. ويمضي التحليل ليقول “لقد مضت سنتان حتي الان والامور تبدو متدهورة اكثر مما هي في طريق الاستقرار . … ان مصر تمر بحالة كارثية في تجارتها منذ منتصف الالف الثانية. ويتناول التحليل في هذا السياق احوال مصر الغذائية ونقص الايدي العاملة واعداد الجامعيين ونسب البطالة والتقسيمات السكانية …الخ”. ولهذا فان حكومة مرسي قد تبنت اقل الوسائل كفاية للحفاظ علي العملات الاجنبية ولخفض قيمة عملتها. وليست مصر في وضع يمكنها من استيعاب مبالغ ضخمة من الاستثمار الاجنبي. فانها لا تملك البنية التحتية اللازمة ولا القوي العاملة لاستخدام هذه الاستثمارات. “ان الاخطاء المتراكمة للحكومات المصرية السابقة اكبر ببساطة من ان يديرها الغرب في اطار مقبول”. وينتهي التحليل الي انه “اذا سقطت سلطة حكومة مرسي سيتعين علي المخططين الامريكيين ان يجدوا بدائل مهمة لمنع الازمة المصرية من ان تشيع عدم الاستقرار في المنطقة باسرها”. ونعتقد ان هذا التحليل الصهيوني الامريكي لا يحتاج الي تعليق.