في أعقاب تأسيس حزب التجمع في منتصف سبعينات القرن الماضي بقيادة المناضل والثائر التاريخي خالد محيي الدين – خاض الحزب في كل محافظات مصر معاركه السياسية المتواصلة – حيث نشبت من خلاله الحركات الوطنية اليسارية والناصرية – قادها في محافظة كفر الشيخ القطب اليساري الراحل الدكتور جلال رجب المحامي وقادتها في محافظة الغربية المناضلة الناصرية تهاني الجبالي المحامية باعتبارها ابنة ثورة 23 يوليو – فكانت منذ بداية رحلتها في مهنة المحاماة – ملء السمع والبصر – أحاطها أبناء المحافظة بالتقدير والاحترام لما تحمله من صفات الشخصية المتميزة، والمتفردة ذات العقل المستنير الذي خلق ليقود وينتصر لقضايا الوطن وحريات المواطنين. وكنت أسمع عنها مشدوها أتمني أن أراها وأقترب منها إلي أن شاهدتها وسط المحامين أمام محكمة جنايات طنطا في التظلم الذي أقامه أعضاء حزب التجمع من الحبس الاحتياطي لاعتراضهم علي مطالب السادات المعروضة للاستفتاء علي الشعب علي أثر انتفاضة يناير 1977 وترافعت تهاني الجبالي صحبة كبار المحامين في ذلك الوقت، زكي مراد ونبيل الهلال المناضلين اليساريين وفؤاد عيد وصلاح القفص نقيبا محامي الغربية إلي أن أفرجت المحكمة عن الزملاء. ومنذ ذلك الحين لم أفارقها في كل معاركها السياسية وتوج ذلك باختيارها متحدثا عنا نحن المحامين في محاكم محافظة كفر الشيخ أثناء خوضها لانتخابات مجلس نقابة المحامين بالقاهرة. كانت تحمل فكرا جديدا.. من أجل نقابة قومية تحمي الحريات العامة وتدافع عن قضايا الوطن – فكان طبيعيا أن يختارها المحامون من كل أنحاء مصر – في انتخابات حرة عضوا بمجلس نقابة المحامين العامة – ولمرات متتالية.. حتي ذاع صيتها كمناضلة سياسية في الدفاع عن حقوق الشعب ومناصرة لمكتسبات ثورة يوليو حتي اختارها المستشار الجليل فتحي نجيب مستشارة بالمحكمة الدستورية العليا فكانت أول امرأة في العصر الحديث تختار لهذا المنصب الرفيع. ورغم أن صلتي بها قد انقطعت منذ شغلها هذا المنصب واكتفيت بمتابعتها في أجهزة الإعلام المختلفة، فشقت طريقها بكل اقتدار بين فطاحل المفكرين وأساتذة القانون – وكانت كعهدي بها – في أول الطريق مناضلة قوية المراس معارضة شريفة تملك من الحجة والفصاحة والشجاعة للدفاع عن رأيها لم تكن أبدا تخشي في الحق لومة لائم.. لم تنس كمستشارة في أعلي محكمة في البلاد قضايا أمتها وانحيازها الكامل للدولة المدنية واستقلال القضاء. وبمبدأ راسخ وثابت وقفت وحدها تدافع عن كل ذلك فما كان من جماعة الإخوان المسلمين إلا إطلاق حملة شرسة عليها استخدمت فيها كل أنواع الأكاذيب والتلفيق والتشويه لعلها تتراجع عن موقفها وعندما استمرت ببسالة.. لجأ الإخوان إلي حيل أخري للإطاحة بها من عضوية المحكمة الدستورية وذلك بنص دستوري انتقالي (م233) تم تفصيله من أجلها وسط ذهول الجميع لكنها سكنت صفحات التاريخ كامرأة لم ترهبها الميليشيات التي حاصرتها داخل مقر المحكمة الدستورية.. ولم تثنها حملات التشويه التي شنها الإعلام الإخواني المضلل لتتراجع عن مبادئها، وتم إبعادها بمادة دستورية في دستور ولد ميتا من رحم فاسد هو جمعية تأسيسية غير شرعية جاء بها الإعلان الدستوري الباطل لتحصين قراراتها من الطعن وبمنع المحكمة الدستورية من الحكم ببطلانها وأطاح الإخوان بكل المبادئ الدستورية التي تعلمناها في كليات الحقوق ومنها أن القاضي مستقل وغير قابل للعزل. وقد أعربت أكثر من 40 منظمة حقوقية عن بالغ قلقها وانزعاجها الشديد من القرار الصادر مؤخرا من الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية خضوعا للدستور الباطل الذي تضمن إقصاء المستشارة تهاني الجبالي من عضويتها، واصفة ما حدث بالسابقة التاريخية الأولي في تاريخ القضاء المصري – ومشددة علي أن القرار يخالف كل النصوص الدستورية والثوابت القانونية التي تؤكد عدم قابلية القضاة للعزل وأن واقعة إقصاء المستشارة تهاني الجبالي ردا علي مواقفها المغايرة لسياسات النظام الحاكم يخل بمبدأ استقلال القضاء الذي يعتبر الضمانة الأساسية لتحقيق العدالة، وأن ما حدث يمثل إهدارا لمبدأ الفصل بين السلطات واستمرارا لمسلسل الاعتداء المتكرر علي السلطة القضائية. مرحبا بك أيتها الأستاذة العظيمة إلي رحابك الأوسع – مهنة المحاماة – عودي كسابق عهدك من حيث بدأت.. محامية عن قضايا الوطن تناضل لإسقاط الطغاة متحررة من قيود السلطة القضائية التي باتت تتعرض لاعتداء ميليشيات الإخوان وحتي تعود الدولة المدنية من جديد.. ولن ينسي التاريخ ما حدث لك وسوف يضعك بين صفوف العظماء.