البرهان الوحيد لمد الطوارئ والقول بتطبيقها علي الإرهاب والمخدرات هو الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين تم تجديد حالة الطوارئ للمرة الثالثة علي التوالي لتخضع مصر بشكل دائم منذ حوالي ثلاثين عاما لهذا القانون الذي يعد تعميقا لازدراء الحقوق المدنية والسياسية، فبعد أن تعهد الرئيس مبارك عام 2005 في حملته الانتخابية بوضع حد لقانون الطوارئ فإن هذا الوعد لم يتحقق لتمد حالة الطوارئ لعامين آخرين من القمع والاستبداد وسلب الحقوق الأساسية للمواطنين، وحول توقعات السياسيين والحقوقيين في ظل هذا التمديد يدور التحقيق التالي. إفلاس النظام د. سيف الدين عبد الفتاح استاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية يقول إن مسألة الطوارئ تتعلق بافلاس النظام الحالي، وهذا دليل علي أنه لا يستطيع أن يعيش او يستمر إلا في حالة الطوارئ، فمن المفترض أنها شيء استثنائي في أي بلد. إلا أنها في مصر باتت شيئا طبيعيا ومستمرا، فكيف تعيش دولة بقانون استثنائي لثلاثين عاما حيث ان القاء القبض علي أي مواطن في أي وقت بتهمة انه إرهابي، يظل احتمالا قائما. فمصر تريد أن تعرف الإرهاب دوليا بالرغم من انها لا تعرفه داخليا، وهذا يظهر مدي الإفلاس الذي يعاني منه هذا النظام، فعندما يكون هناك وعد من الرئيس اثناء حملته الأخيرة للرئاسة بإلغاء حالة الطوارئ ثم يأتي اليوم بمدة لعامين فهذا يعني ان الانتخابات القادمة ستجري في ظلها0 ويضيف د. سيف أن هذا يؤكد التضليل السياسي الذي يقوم به من لهم مصلحة في تمديدها فلا أحد يعلم إلي متي ستظل هذه الحالة موجودة وبأي شكل من الأشكال لمواجهة الحراك السياسي المتصاعد، خاصة في هذا الوقت نظرا لكم الاحتجاجات والاعتصامات القادمة والمستمرة تحت اسم العصيان المدني، فالسلطات ستعتبر تلك الاحتجاجات تكديرا للصفو العام وستصنف ذلك تحت اسم الإرهاب وبهذه الحالة يمكن تطبيق قانون الطوارئ مما سيجعل النظام يظهر اسوأ ما عنده لأن الاحتجاجات عندما تزداد ستحدث حالة من العدوي بينها وبين الجماعات والنقابات الاخري مما سيجعل المواطنين يستقلون عن نقاباتهم التي تمت السيطرة عليها بصورة كبيرة، حتي يستطيعوا أن يطالبوا بحقوقهم. فالحكومة تبلدت وتكسلت وصار جلدها سميكا حيث ليس لديها اي قدر من الاحساس بحالة المواطنين وحياتهم وكيفية معيشتهم وكيف بواصلون حياتهم. فكل هذا يدفع لتمديد القانون لسنتين تحسبا لكل هذه السيناريوهات التي لا تستطيع الدولة مواجهتها إلا في ظل قانون الطوارئ للحفاظ علي النظام السياسي الضعيف، حيث جملة الاعتقالات التي يمكن أن تصدرها تحت مسمي العصيان المدني، فهو من جانب الجماهير عصيان سلمي، لكن من جانب النظام السياسي فلا يكون بالطبع هكذا فهو طوال الوقت يتحصن ويتخندق للدفاع عن نفسه ضد أي محاولة لكشف ألاعيبه. مزيد من التجاوزات «ناصر أمين» مدير المركز العربي لاستقلال القضاء يري أن مد العمل بقانون الطوارئ يعد اضرارا بحقوق الحريات بشكل عام ونخشي أن يكون الغرض منه في هذا التوقيت فرض مزيد من الاستثناءات والتجاوزات في الانتخابات القادمة مما يجعلنا نتوقع استخدام هذا القانون ضد المعارضين السياسيين بدرجة كبيرة. أما عن الدور الحقوقي فيري «ناصر أمين» أن دور حقوق الإنسان هو مراقبة الدولة لتنفيذ المعاهدات التي ألزمت بها نفسها ومدي التزامها بهذه القواعد ومساعدة المجتمعات المدنية والمتضررين من قانون الطوارئ والهدف الرئيسي الذي نسعي له هو توعية الرأي العام بخطورة هذا القانون والأضرار التي سيسببها للمجتمعات المدنية. سيطرة الأمن أما «محمد زارع» مدير مؤسسة الإصلاح الجنائي، فيري أنه رغم التعديلات التي جرت علي القانون فإنه لم يحدث أي تغيير عن الثلاثين عاما الماضية، فقد فرض هذا القانون، وتم تمديده أكثر من مرة لمكافحة الارهاب وتجارة المخدرات والعملة والبلطجة والحروب الاقليمية، لذا فكان يطبق علي الشعب كله، ولكن الدولة قديما كانت تلتزم ببعض القوانين، أما الأن فمن المتوقع أنها لن تتمسك بتعاهداتها خاصة أنه تم تمديده في ظل الانتخابات حتي تضمن «سكوت» الشعب كله تماما ليكون تحت سيطرة قوات الأمن ويتم فرض العقوبات والحبس علي أي أحد أيا كان. وعن الأوضاع في السجون المصرية والمعتقلات وعلاقتها بقانون الطوارئ يري محمد زارع أنها لن تتغير كثيرا وهناك فجوة كبيرة بين الأمن والمواطنين لم يكن سببها الطوارئ وحدها، ولكن الآن الدولة مشاكلها كثيرة ولا تستطيع اعطاء الضباط حقوقهم لذلك فهم يلجأون للتعذيب واعتقال المواطنين لكي يستطيعوا حل معظم المشاكل التي تواجههم. الالتزام بإيجابياته أما «إيهاب باهي» رئيس مجلس إدارة جمعية دعم التطور الديمقراطي ، فيؤكد أن هناك تطورا ايجابيا في هذه التعديلات، ولكن بشرط التزام الدولة بها، لأن الطوارئ كقانون لا يشكل خطرا انما طريقة تطبيقه هي التي تهدد المواطنين، وفي الفترات السابقة كان يتم تطبيقه بطريقة قمعية حيث من المفترض أن يطبق قانون الطوارئ ويمد طبقا لحالة البلد مثلا وجود وباء أو زلزال وكوارث طبيعية..إلخ. لكن تطبيقه في كل وقت وتحت أي ظروف فهذا غير منطقي أبدا. ضربة قاضية ويقول خالد علي مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن تمديد الطوارئ بمثابة «ضربة قاضية» للعمل السياسي والحقوقي، ويهدد كل ما وصلنا له وحصلنا عليه من حقوق وزيادة هامش الحرية داخل المجتمع، ويؤكد أن ما تدعيه الحكومة بقصر القانون علي فئتي الإرهاب والمخدرات يعد كذبا حيث مازالت الطوارئ سيفا مسلطا علي رقبة المعارضة، وكذلك الافراد حيث يهدد اي شخص ويعرضه للحبس والمحاكمة في أي وقت وأي مكان. ويتفق معه أحمد راغب مدير مركز هشام مبارك للقانون الذي أكد وجود حالات اعتقال واشتباه وتفتيش ستحدث في الفترة القادمة، وفي أي وقت وأي مكان مشيرا إلي أن التعديل ما هو إلا دعاية سياسية كاذبة هدفها تحسين صورة مصر والارتقاء بالنظام وتجميله أمام المجتمع الدولي. ويضيف راغب أن حالة الطوارئ لا تفيد إلا النظام نفسه وتضر بجميع القوي السياسية والوطنية والاحزاب وتقنن عملها السياسي بوجه عام، وأشار إلي أن مركز هشام مبارك يقوم حاليا بإعداد قائمة باسماء المعتقلين علي ذمة قضايا لا تتعلق بالارهاب أو المخدرات لاثبات صحة التعديلات ومدي صدقها من كذبها ومطالبتها بالافراج عن جميع المعتقلين، لأن التفسير الوحيد لقصر مدها علي الارهاب والمخدرات، يعني الافراج عن المعتقلين السياسيين.