فارق كبير بين المفاوضات التي تتم الان بين صندوق النقد الدولي وتلك التي كانت في عهد الحكومة السابقة برئاسة د.كمال الجنزوري .. سواء في طريقة ادارة الحوار او حتي المبالغ المطلوبة لمساندة الموازنة العامة للدولة وكذلك الشروط التي يمكن ان تكون محور المفاوضات. خلال الفترة الماضية كان رئيس الوزراء يسعي الي ان تكون المفاوضات بين مصر والصندوق متوازنة علي اعتبار ان مصر لا تسعي بالفعل للحصول علي القرض وانما شهادة امام مؤسسات التمويل الدولية علي سلامة الاقتصاد المصري وانه من الممكن ان يتخطي المرحلة الراهنة .بل ولم يتوقف الامر عند ذلك الحد بل واجهت حكومة د.كمال الجنزوري حربا شعواء من جانب اكبر حزبين في مجلس الشعب في ذلك الوقت وهو حزب الحرية والعدالة والمتحالف معه قليل الخبرة بالسياسة حزب النور السلفي الذي عارض ايضا قرض الصندوق في البداية. البعض اعتبر ان القرض يمثل عبئا علي الموازنة العامة للدولة وان الاجيال القادمة في اشارة الي حزب الحرية والعدالة هي المسئولة عن سداده بل وصل الامر الي ان مصر ليست في حاجة الي القرض في الوقت الذي بدأت فيه ملامح التعافي علي الاقتصاد المصري .والغريب ان كل هذه المبررات صدرت في الوقت الذي لم يكن فيه رئيس جمهورية منتخبا وفي وجود مجلس الشعب . وتوقفت المفاوضات لدرجة ان الزيارة الاخيرة لمسئول شمال افريقيا والشرق الاوسط في الصندوق مسعود احمد في الشهور الماضية تحولت الي ما يشبه المصالحة بين حكومة الجنزوري وقيادات حزب الحرية والعدالة .والاغرب من ذلك ان الصندوق ولجانه الفنية تأثر كثيرا بذلك النزاع بين الحكومة وحزب الحرية والعدالة واصبح من بين شروطه ضرورة الحصول علي الموافقة السياسية ووصل الامر الي ان كريستين لاجارد مديرة الصندوق طالبت بضرورة الحصول علي اتفاق صلب من جميع الفصائل السياسية في مصر . لكن في المفاوضات الاخيرة تغيرت الاوضاع والظروف وأصبح لدينا رئيس جمهورية منتخب وحكومة معينة من جانبه ولكن في ظل غياب البرلمان ورغم ذلك قام مسئولو صندوق النقد الدولي بالاستجابة السريعة لدعوة الحكومة الجديدة ووصلت رئيسة الصندوق الي مصر علي وعد بان يصل تباعا الفريق الفني للصندوق للتفاوض علي الاليات الجديدة لطلب القرض .. في ظل المتغيرات الجديدة منها زيادة قيمة القرض من 3.2 مليار دولار الي 4.8 مليار دولار وقيام عدد من الدول العربية بالوفاء بتعهداتها مثل قطر التي قدمت وديعة قيمتها 2 مليار دولار وكذلك السعودية بقيمة مليار دولار، علاوة علي شراء اذون خزانة مصرية بقيمة 500 مليون دولار بجانب تعهدات الحكومة الامريكية بتقديم منحة تصل الي 500 مليون دولار لدعم الموازنة العامة وتعهد الحكومة الليبية بتقديم 2 مليار دولار خلال شهرين. لكن رغم هذه الوعود والانفراجة في تعهدات بعض الدول العربية فإن الجميع قد فوجئ بزيادة قيمة القرض الي 4.8 مليار دور في الوقت الذي كان يتم فية محاربة حكومة الجنزوري لانها طلبت 3.2 مليار دولار وانه سيمثل عبئا علي الاجيال القادمة بل وقام حزب النور الذي بدأ في فهم المشهد السياسي بالاعتراض بعد ان كان قد ابدي مرونة ايام حكومة الجنزوري واعتبره قرضا ربويا والاخطر من ذلك ان الحكومة السابقة قد اعلنت ان القرض مجرد صك براءة علي سلامة الاقتصاد المصري الا ان حزب الحرية والعدالة يعتبر ان صك البراءة يجب ان يتناسب وحجم مصر وما تتحمله الاجيال القادمة فقام بزيادته الي 4.8 مليار دولار في الوقت الذي اوفت الدول بتعهداتها الا ان الحرية والعدالة الوحيد الذي لم يف بتعهداته عندما كان يطالب برحيل حكومة الجنزوري وانهم علي استعداد لتوفير التمول اللازم . لكن علي الجانب الاخر فان الحكومة السابقة التي قدمت برنامج الاصلاح المالي والاقتصادي للحصول علي قرض الصندوق فان الحالية علي استعداد لتقديم العديد من التنازلات حتي لا تتعرض للاحراج السياسي والاقتصادي امام المؤسسات الدولية وطبقا للمعلومات التي حصلت عليها الاهالي فان الحكومة سوف تسارع من خطوات ترشيد الانفاق العام في الموازنة العامة للدولة من خلال تحرير اسعار بعض الخدمات المدعمة مثل دعم المواد البترولية والكهرباء فيما يتعلق بالاستهلاك المنزلي و تطبيق المرحلة الثالثة من ضريبة المبيعات المعروفة باسم ضريبة القيمة المضافة وطبقا لما قاله احد الوزراء في المجموعة الاقتصادية بدلا من تطبيقها بعد 24 شهرا من الممكن ان تطبق خلال 18 شهرا ولن يتوقف الامر عند ذلك الحد بل هناك مجموعة من الاجراءات غير المباشرة فاذا كان هناك حساسية من تخفيض قيمة الجنيه فان ذلك من الممكن ان يتم بطريقة غير مباشرة من خلال اتباع سياسة لسعر الصرف مرنة وغير مدعومة وبالتالي الوصول الي القيمة الحيقية للجنيه. خلال المباحثات الاخيرة لرئيسة صندوق النقد الدولي الاسبوع الماضي سألت الاهالي رئيسة صندوق النقد الدولي عما اذا كان الصندوق سيطلب تعديل برنامج الاصلاح المالي والاقتصادي الذي تقدمت به مصر خاصة بعد تعديل الطلب المصري من 3.2 مليار دولار الي 4.8 مليار دولار تمثل 300% من حصة مصر فقالت ان القرض ما هو إلا مشاركة بين الحكومة والصندوق واننا من جانبنا في حال الموافقة علية ستتم مراقبة الموازنة العامة للدولة بصورة مستمرة والتاكد من مدي التزام مصر بكل شريحة تمويلية . هذه المعلومات التي كشفت عنها رئيسة صندوق النقد الدولي جعلت المسئولين في الحكومة يتراجعون عن بعض التصريحات في ظل الهجوم علي زيادة القرض … هناك من قال انه ليس شرطا ان نسحب القرض بالكامل ولكن من الممكن أن نكتفي بشريحة أو اثنين اذا تحسنت الظروف مع ان الجنزوري هو اول من اشترط ذلك في البرنامج الذي تقدمت به حكومته. اذا كان د.هشام قنديل رئيس الوزراء قد قاد المفاوضات مع كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي في الوقت الذي يظن فيه البعض انه ليس اقتصاديا بالدرجة الاولي الا انه كان يملك القدرة علي الخروج من المواقف السياسية المحرجة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في نهاية جولة المفاوضات وتلاحظ انه قد فرض علي رئيسة الصندوق بعض الاراء للخروج من مأزق بعض الاسئلة خاصة عندما سئلت كريستين لاجارد حول السبب في تلبية الطلب المصري في التفاوض السريع في ظل غياب مجلس الشعب في حين انه كان هناك تعنت من جانب الصندوق ايام حكومة الجنزوري وفي ظل عدم وجود رئيس جمهورية … السؤال كان باللغة العربية علي اعتبار ان هناك مترجمين مرافقين لرئيسة صندوق النقد الدولي الا ان رئيس الوزراء اختطف طرف الحديث وترجم لها السؤال حول كذا وكذا وبعدين فيه وقت والمفاوضات ربما تستغرق وقتا ومن الممكن ان تتغير الظروف ( في اشارة انه عندما نصل الي اتفاق من الممكن ان يكون فيه مجلس شعب) لكن عندما اجابت رئيسة الصندوق لم تضف كثيرا وقال ما أملاه عليها رئيس الوزراء. ربما يكشف ذلك ما كان يقصده رئيس الوزراء في تصريحاته بالاسكندرية يوم السبت الماضي عندما قال ان المسودة الاولي للدستور الجديد ستنتهي في نهاية سبتمبر القادم علي ان تطرح للاستفتاء العام وبعد ذلك بشهرين تتم الدعوة للانتخابات مجلس الشعب.