أقام اتحاد الكتاب بمصر مؤتمرا بعنوان «ألف ليلة وليلة ومستويات التلقي» تحدث فيه عدد كبير من المثقفين والأدباء رافضين ما حدث من بعض الجهات التي دعت إلي منع نشر الكتاب تحت زعم أنه خادش للحياء. بدأ المؤتمر بكلمة د. مدحت الجيار الذي أكد أنه محك يتكرر كل يوم في مصر لمصادرة الفكر من جهات تدعي أنها صاحبة الأمر والنهي حاولت منذ ثلاثين عاما أيضا مصادرة ألف ليلة وليلة. وأضاف أن هذا الكتاب كتبت عنه رسائل جامعية وآلاف المقالات والبحوث ومحاولة مصادرته دالة علي الضعف والإنكار وليس الانتصار فيما أكد د. جابر عصفور أن المجموعة التي تقدمت بطلب للنائب العام لمصادرة ألف ليلة وليلة ليست مجموعة جديدة ولكنها ثمرة قديمة الوجود في التيار الإسلامي وهو الذي أدي إلي انحدار الحضارة العربية، مشيرا إلي التيارات المختلفة سواء العقلاني أو النقلي فالأول المستنير الذي يؤمن بالانفتاح وإعمال العقل والثاني العكس تماما، وقارن د. عصفور بين ألف ليلة وبين «كليلة ودمنة» فكلاهما تراث له أبعاد سياسية يتناول السلطة وبطشها في شكل رموز أدبية راقية ويطرح نماذج جيدة مثل الجارية تودد العالمة الفاهمة لكل شيء. واعتبر اكتشاف المستشرقين للكتابين هو وصمة عار للعرب وأن العملين تناولهما أكثر من 100 فيلم وعمل موسيقي وفني وأن الهجمة الأخيرة تسيء للتراث العربي وللعرب أنفسهم والذين هاجموه لا يعرفون التراث حتي السلفي الذي ينتمون إليه والذي اعتبره عصفور أكثر تحررا منهم، واعتبر هذه الدعوة سياسة لأن عادة هؤلاء اللجوء إلي مهاجمة الأعمال الأدبية في حالة الإفلاس. مصادرات متكررة أما د. أحمد مجاهد - رئيس هيئة قصور الثقافة وأحد أطراف القضية - ففي كلمته اكتفي بشكر مستحق لجمال الغيطاني لأنه صاحب فكرة إصدار سلسلة «الزخائر» ونشر ألف ليلة وليلة وعلي قبوله أن يكون رئيس تحرير السلسة مرة أخري وشكر الوزير فاروق حسني الذي أعلن مساندته لهم فور التقدم بالبلاغ، وأيضا شكر ثروت أباظة الذي وضع في نفس الموقف منذ 25 عاما فتدخل لتحصل شهرزاد علي البراءة، وأيضا سيد محمود يوسف رئيس المحكمة التي أصدرت حكما بالبراءة وقتها عاد فيها لمقدمة د. طه حسين في رسالة سهير القلماوي للماجستير عن «الليالي». أما الأديب جمال الغيطاني فاعتبر الهجوم الذي حدث علي إعادة طبع ألف ليلة وليلة «محسوبا» وموقفا يتكرر كثيرا وطلب من دارسي الأدب الشعبي أن يحتفلوا بإخراج بعض الدراسات المعاصرة الحديثة عن الليالي عبر مجلات وكتب، وأثار فكرة التعامل مع النصوص الأدبية والتراثية بمنطق الحذف وإذا تم إقرار هذا المبدأ نلغي التراث الإنساني والعربي كله فالتراث والأدب العربي القديم محمل به ما هو أكثر مما يوجد داخل ألف ليلة وليلة حتي المؤلفات الفقهية وقد ينتهي هذا بأن يطول النصوص الدينية المقدسة نفسها لأنها لم تتجنب الجنس وأكد الغيطاني أنه يشعر بالخطر من هذا الهجوم المنظم علي التراث وطالب اتحاد الكتاب بتقديم بلاغ للنائب العام ضد هؤلاء السلفيين لإظهار البعد الخفي في الموضوع وأنه إذا ذهب للنائب العام سيطلب منه التحقيق معه بمفرده لأنه المسئول الأول عن طبع الليالي. أما محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب والداعي إلي المؤتمر فأكد مسئولية الاتحاد في هذه المواقف ولهذا فكر في الحل الأمثل وهو المؤتمر العلمي حول «ألف ليلة وليلة» ودعوة متخصصين في دراستها لتقديم شهاداتهم حولها خاصة وهي انتصار للتراث، وأكد ذلك من قبل الأديب نجيب محفوظ عندما قال إنها من الكتب التي جعلته يتجه للرواية. وخلال الجلسة التالية تحدث بعض الأساتذة المتخصصين لتحليل ألف ليلة وليلة تحليلا علميا جيدا لإظهار مدي أهميتها، منهم د. محمد حافظ دياب والذي تحدث عن علاقتها بالجنس والتراث وتطرق لبعض الكتب الفقهية مثل كتب جلال الدين السيوطي والتي يتضح من عناوينها فقط الحديث في هذا منها «الوشاح في فوايد النكاح»، «المستظرف في أخلاق الجواري» وغيرها، وهؤلاء العلماء تعاطوا الجنس في إطار فقهي تشريعي وهذا يبطل حجة البعض من منع الحديث في هذا، وأضاف أن ألف ليلة تراث شعبي ينطبق عليه مواصفات النص الشعبي الإبداعية حيث يبدأ «بكان يا ما كان»، أما الشرط الثاني وهو التناقل والذي ميز كثيرا من أعمال عالمية تناحت مع الليالي مثل أعمال لفولتير، أحمد رشدي صالح وغيرهما وانتهي حديثه بتفسير لليالي علي لسان أحمد حسن الزيات عندما قال إن الألف عدد كامل وإذا زيد واحدا فهذا هو التحام وألف ليلة وليلة درجة أكبر من الكمال، وأضاف أن كتاب ألف ليلة يتحدث عن مصر 2010 فبه من التشيؤ والتسليع ومنطق البضاعة التي نعيشها الآن ما يعتبر إسقاطا راقيا جدا علي حياتنا الآن وأن الجنس في هذا العمل ليس مقصودا بذاته بل تعرية للسلطة. أما د. مسعد قاسم عليوة قال إن ألف ليلة لم توضع من أجل التسلية بل لأغراض اجتماعية وإثارتها لموضوعات شائكة مثل الحكم والسلطة والخلافة وأهمية المرأة في المجتمع ووسيلتها في هذا الشعر واللغة والفانتازيا وما من عبارة أو مفردة قيلت داخله إلا ولها هدف مجتمعي مهم وعاب د. مسعد في ورقته علي الاتهامات التي قدمها هؤلاء من تبرئة التراث من هذا الأثر والزعم بازدراء الأديان والهجوم علي حرية الإبداع ووصف الليالي من زخائر الشيطان وهو ما اعتبره اعتداء صارخا علي إعمال العقل. ثقافات متنوعة وخلال الجلسة الثالثة تحدث البعض في صورة ألف ليلة في الثقافات الأجنبية المختلفة الفرنسية والإسبانية والإنجليزية، فتحدثت د. هدي وصفي عن ألف ليلة في التراث الفرنسي لتؤكد أنه نص شديد المعاصرة يعبر عن قبول الآخر وحرية التعبير وأن فرنسا من أكثر البلدان التي ارتبطت بألف ليلة خاصة في القرن ال 18 عندما ترجمها «جالون» وهو ما جعلهم يكتشفون كنزا فالعرب علموا بهذا الغرب فن القص ودللت علي استلهام العديد من الكتاب الفرنسيين كتاباتهم من ألف ليلة وليلة مثل فولتير، جارودي بجانب أن غموض الليالي جعل الفرنسيين يتخذون مادة مقارنة الحضارات. أما د. بهاء عبدالمجيد فتحدث عن الليالي في الأدب الإنجليزي ليؤكد نفس التأثير علي الإنجليز فالترجمة الأولي لها صدر منها 18 طبعة حتي ترجمتها كانت «حكايات الليالي العربية المسلية» .