استقبل الصحفيون والمنظمات الحقوقية والأحزاب الديمقراطية والرأي العام المرسوم بقانون الذي اصدره رئيس الجمهورية بإلغاء «الحبس الاحتياطي» في تهمة «اهانة رئيس الجمهورية» المنصوص عليها في المادة 179 من قانون العقوبات المصري بترحاب شديد. فالقرار استجابة لمطلب دائم للصحفيين والمدافعين عن حرية الصحافة والرأي، خاصة منذ انعقاد المؤتمر العام الثاني للصحفيين (12-14 يناير1991) ودعوته لإلغاء العقوبات السالبة للحرية (الحبس والسجن) في قضايا النشر. لقد ألغي الحبس الاحتياطي في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف عام 1950 طبقا للمادة 135 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950. ولكن نص المادة استثني الجريمة المنصوص عليها في المادة 179 من قانون العقوبات من هذا الالغاء. ونجح الصحفيون ونقابتهم في ظل رئاسة النقيب الراحل «كامل زهيري» في النص في المادة 67 من القانون 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين- وهو آخر قانون وقعه الرئيس جمال عبد الناصر قبل وفاته- علي عدم جواز القبض علي عضو نقابة الصحفيين أو حبسه احتياطيا في قضايا النشر بواسطة الصحف، سواء في الجريمة المنصوص عليها في المادة 179 من قانون العقوبات أو مواد أخري في نفس القانون كانت تجيز الحبس الاحتياطي. واستند المشرع في الغائه للحبس الاحتياطي في جرائم النشر بواسطة الصحف، إلي أن الحبس الاحتياطي ليس عقوبة، ولكنه إجراء وقائي يصد به الحيلولة بين المتهم وبين محاولة التأثير في التحقيق أو اخفاء الأدلة أو التأثير في الشهود وهرب المتهم إذا لم يكن له مقر دائم وعمل دائم. وجرائم النشر عن طريق الصحف تثبت فعلا بمجرد النشر، فلا محل للخوف من ضياع الأدلة أو التأثير في الشهود، أو الخوف من الهرب حيث إن الصحفيين والكتاب شخصيات عامة لهم جميعا محل اقامة ومحل عمل دائم ومعروف. وورود استثناء علي هذا الإلغاء سواء من قانون الإجراءات الجنائية عام 1950 أو في المادة 41 من قانون تنظيم سلطة الصحافة (96 لسنة 1996) الذي اصدره الرئيس المخلوع حسني مبارك، يجيز الحبس الاحتياطي في جريمة اهانة رئيس الجمهورية، حول الحبس الاحتياطي من اجراء وقائي إلي عقوبة مسبقة بمجرد توجيه اهانة رئيس الجمهورية، حول الحبس الاحتياطي من اجراء وقائي إلي عقوبة مسبقة بمجرد توجيه النيابة الاتهام، واضفي علي شخص رئيس الجمهورية – وهو في الوقت نفسه رئيس السلطة التنفيذية تتعرض كل أعماله وقراراته للنقد طبقا للقانون- قدسية زائفة. من هنا كان الترحيب بقرار د. محمد مرسي رئيس الجمهورية الغاء الحبس الاحتياطي في «جريمة» اهانة رئيس الجمهورية. ورغم أهمية هذا القرار فهناك قضيتان يطرحهما هذا القرار، وهما أكثر أهمية وارتباطا بحرية الصحافة من الحبس الاحتياطي. القضية الأولي هي قضية العقوبات السالبة للحرية (الحبس والسجن) في قضايا النشر، وقد تنبه الصحفيون مبكرا إلي خطورة هذه العقوبات السالبة للحرية علي حرية الصحافة وطالبوا في مؤتمرهم العام الثاني عام 1991- أي منذ 21 عاما- بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر بواسطة الصحف. واستندت الدعوة لإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر والاكتفاء بالغرامة اضافة للعقوبات التأديبية بالنسبة للصحفيين والتي تتدرج من الانذار إلي المنع من مزاولة المهنة وشطب الاسم من جدول النقابة (الفصل) إلي وجود توجه عام في الفكر القانوني الحديث لإلغاء العقوبات السالبة للحرية واستبدالها بعقوبات مالية، باعتبار أن العقوبات السالبة للحرية تهدف إلي الردع والترويع والانتقام، وينبغي في مجتمع متحضر استبعاد الانتقام والردع والترويع، وتتحول مثل هذه العقوبة في قضايا النشر إلي عقوبة مانعة لممارسة حرية الصحافة، ولا تحقق أي مصلحة للمتضرر «إلا الرغبة في الانتقام». وقد الغت بريطانيا العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر منذ عام 1880 وتلتها فرنسا عام 1928 ثم باقي الدولة الديمقراطية. كما تستند هذه الدعوة إلي عدد من المبادئ الفقهية العامة مثل ضرورة تناسب العقوبة مع الجرم المرتكب، وأن التشريع العادي عندما يتصدي لتنظيم حرية من الحريات العامة المنصوص عليها في الدستور – كحرية الصحافة- فإن هذا التنظيم لا يمكن أن يرقي إلي حد تقييد هذه الحرية أو مصادرتها، وإلا كان هذا التشريع مشوبا بعدم الدستورية». فإذا انصب الوصف التجريمي علي آراء أو أفكار أو عقائد أو خلجات ضمير أو نزوع عقلي، فقد النص الجنائي بمرر وجوده لأنه سيستحيل عليه تحقيق الردع العام والردع الخاص علي السواء. ويتحول النص الجنائي من أداة لضبط السلوك في المجتمع عن طريق قاعدة واضحة تحظي بالاحترام من الجميع إلي أداة تستخدمها السلطة العامة للتنكيل بالمعارضين العقائديين والسياسيين علي نحو يخضع للأهواء السياسية ونزواتها». وعقب صدور قانون اغتيال حرية الصحافة في 27 مايو 1995 (القانون 93 لسنة 1995) بادر مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان بعقد ورشة عمل شارك فيها رجال قانون ونقابيون وصحفيون تحت شعار «نحو تشريع جديد لحرية الصحافة في مصر»، انتهت باعداد مشروع قانون لحرية الصحافة طبعته في كتاب تم توزيعه علي المشاركين في المؤتمر العام الثالث للصحفيين (5-7 سبتمبر 1995) ، ثم علي الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين التي قررت تشكيل لجنة صحفية قانونية لإعداد «مشروع قانون الصحافة» وانبثقت عنها لجنة فرعية ضمت ثلاثة قانونيين (نبيل الهلالي ود. نور فرحات والمستشار سعيد الجميل) وثلاثة صحفيين «حسين عبد الرازق ورجائي الميرغني ومجدي مهنا». وقررت اللجنة اعتبار مشروع مركز المساعدة القانونية اساسا لعملها، وانتهت إلي مشروع قانون من 65 مادة يحل محل كل القوانين والمواد القانونية المتعلقة بالصحافة، مثل قانون المطبوعات والمواد المتعلقة بالصحافة والنشر في قانون العقوبات وقانون سلطة الصحافة وقانون الاحزاب السياسية وقانون المخابرات العامة وقانون حظر نشر اية اخبار عن القوات المسلحة وقانون الاجراءات الجنائية والقانون 93 لسنة 1995، ومواد في قوانين الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء وفي قانون العاملين في الدولة وفي قانون الأزهر. ونص المشروع في المادة 38 علي أن «تلغي العقوبات المقيدة للحرية في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف ويكتفي بعقوبة الغرامة علي أن يضاعف الحد الادني الحد الاقصي للغرامة المنصوص عليها في مواد قانون العقوبات أو أي قانون آخر..»، ولكن الحكومة لم تقبل المشروع، وبدلا من ذلك تقدمت بمشروعي قانونيين إلي مجلس الشعب، وافق عليهما وصدق عليهما رئيس الجمهورية ونشر في الجريدة الرسمية في 30 يونيو 1996 وهما قانون رقم 95 لسنة 1996 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937» والقانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، ورغم أن القانونيين ازالا بعض العيوب والعقوبات البالغة القسوة والشذوذ الواردة في قانون اغتيال حرية الصحافة، إلا أنهما أكدا استمرار المنهج العقابي السائد في التشريع المصري منذ قانون العقوبات الأهلي الصادر عام 1883، واستمرار العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر بواسطة الصحف والتي وصلت إلي 3 سنوات حبس و20 ألف جنيه غرامة أو احدهما. وتواصل نضال الصحفيين من أجل إلغاء الحبس في قضايا النشر بواسطة الصحف، وأعلن نقيب الصحفيين جلال عارف في افتتاح المؤتمر العام الرابع (23 فبراير 2004) أن رئيس الجمهورية اتصل به وابلغه عزمه) إصدار قانون بإلغاء الحبس في قضايا النشر. ولم يتحقق هذا الوعد إلا بشكل جزئي عام 2006 بإصدار قانون بتعديل بعض مواد قانون العقوبات ألغي بموجبها الحبس في أربع من مواد قانون العقوبات (المواد 182 و185 و303 و306)، وتم حذف بعض العبارات غير المنضبطة والغامضة وغير محددة المعني الواردة في بعض مواد قانون العقوبات مثل «مغرضة» و«تحبيذ» و«بث دعايات مثيرة» و«الكراهية» و«الازدراء».. إلخ واستمرت عقوبة الحبس قائمة في 18 مادة من قانون العقوبات (المواد 102 مكرر و174، 176، 177، 179، 181، 184، 186، 187، 189، 190، 192، 193، 194، 303، 208)، وفي المادتين 22 و28 من القانون 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم سلطة الصحافة ، والمادتين 26، 27 من قانون المطبوعات والمادة 200 مكرر عقوبات المضافة بالقانون الأخير. وقدمت نقابة الصحفيين مشروع قانون بإلغاء عقوبة الحبس في جرائم الرأي والنشر وذلك بتعديل بعض احكام قانون العقوبات وقانون المطبوعات وقانون تنظيم سلطة الصحافة، تضمن في مادته الأولي إلغاء المواد 80 (د) و86 مكرر فقرة ثالثة و98 (أ) فقرة رابعة و98 (ب) مكرر و98 (و) و102 و 102 مكرر و124 (أ) الفقرة الثالثة و172 و174 و176 و177 و178 و178 مكرر و178 مكرر ثالثا و179 و181 و184 و185 و186 و187 و188 و189 و199 و200 من قانون العقوبات . ونصت المادة الثانية علي إلغاء العقوبات السالبة للحرية في كل القوانين، والمادة الثالثة علي إلغاء المواد 26 و27 و29 و30 و31 من قانون المطبوعات، وتعديل المادة 71 أمن قانون العقوبات والمادة 44 من قانون تنظيم الصحافة والمادتين 302 و303 من قانون العقوبات، واضافة مادتين لقانون تنظيم الصحافة. هذا المشروع بقانون هو المطلوب حشد الجهود لإصداره اليوم قبل الغد. القضية الثانية هي إلغاء جريمة «الاهانة» الواردة في القانون المصري وغيرها من الجرائم الشاذة مثل جرائم العيب والكراهية والتحسين والتحبيذ..إلخ وهي جرائم منقولة عن قانون فرنسي صدر في عهد دكتاتورية لويس نابليون وتم الغاؤها تماما من التشريع الفرنسي منذ عام 1881 أي منذ 131 عاما «وهي جرائم الاهانة والعيب والاخلال بالمقام، وجرائم الافشاء والتضليل، وجرائم التحريض والتي تتدرج من تحريض ضد النظام – ولو لم يصاحبه عنف- إلي مجرد الجهر بالغناء لإثارة الفتنة، وجرائم كراهية النظام والازدراء به أو البغض أو تحسين الجرائم. وعبارة «الاهانة» تحديدا من الغموض بحيث يمكن أن تستغرق غيرها «ويلتبس بها سواها. فرب نقد قارص واظهار عيوب قرار أو تصريح أو موقف يفهم فيه معني الاهانة. ولابد أن تكون الافعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة غير مجهلة. وكلمة الأهانة من الصعب تحديدها أو تعيينها تعيينا دقيقا، ولابد معها من البحث في القصد والنية وتأثيم الفكر». وجريمة الاهانة في القانون المصري لا تقتصر علي اهانة رئيس الجمهورية، بل تمتد لاهانة مجلس الشعب ومجلس الشوري أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة أو الهيئات النظامية. والمطلوب الآن تحرك مجلس نقابة الصحفيين وإعادة تقديم مشروع القانون الذي تقدم به عام 2006 والدراسة التي تناولت القوانين والمواد التي تنتهك حرية الصحافة، ودعوة المنظمات الحقوقية والاحزاب الديمقراطية لدعم طلبها بإصدار رئيس الجمهورية لهذا القانون لتحول «حرية الصحافة» من حرية عرفية إلي حرية قانونية.