صراع الغرماء.. مستمر للمرة الخامسة، تعتقل السلطات السودانية الدكتور حسن الترابي المفكر الاسلامي، وزعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، منذ انشقاقه علي حليفه في جبهة الانقاذ وفي الحكم عمر حسن البشير في عام 1999 ، ولعلها لن تكون الاخيرة، ليس فحسب لان الرئيس السوداني البشير الخارج لتوه من انتخابات تشريعية ورئاسية تطعن معارضته علي نزاهتها، وبينها الترابي وحزبه المؤتمر الشعبي ، الذي رفض مقاطعة الانتخابات، مع الاحزاب السودانية الاخري التي قاطعتها، بل ايضا لان البشير لن ينسي أبدا ان الترابي هو مهندس انقلاب الانقاذ وزعيمه الروحي ، الذي اوصل البشير الي سدة الرئاسة، وان خروجه من السلطة لا يعني ان نهمه اليها سوف يتوقف، وانه لن يفوت اي فرصة لكي يثأر من حليفه السابق وغريمه الحالي، فتكون النتيجة ان يكبد هذا الصراع الواضح علي السلطة ، الشعب السوداني مزيدا من المآسي والخسائر! السلطات السودانية اعتقلت الترابي وعددا من اعضاء حزبه، كما أغلقت صحيفة رأي الشعب، الناطقة باسم الحزب واعتقلت اربعة من صحفييها ، وحجزت علي ممتلكات شركة الندوة للصحافة والاعلام صاحبة الصحيفة، بزعم نشرها اخبارا وصفتها السلطات بانها كاذبة عن خلافات مصرية -سودانية ، وعن اشراف فريق عمل مشترك من السودان وايران علي مشروع لانتاج أسلحة لدعم حركة حماس الفلسطينية ، والحوثيين في اليمن والاسلاميين الصوماليين، أما التهم التي وجهت الي الدكتور الترابي، فهي غير واضحة الملامح، إذ حرص المتحدثون الرسميون باسم الحكومة علي القول ان التهم الموجهة اليه امنية لا سياسية دون توضيح طبيعتها، اللهم إلا عبارة عابرة ، تربط بين اعتقاله وبين العمليات العسكرية التي نفذتها حركة العدل والمساوة أخيرا في دارفور، واسفرت عن قتلي من جانبي الحركة والجيش النظامي. لكن قوي الاجماع الوطني التي تضم ائتلافا ، كان الترابي طرفا فيه، ويشمل حزب الامة والحزب الاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي، وممثلين عن الحركة الشعبية، فسرت اعتقاله بانه تغطية لفضيحة تزوير الانتخابات، واعتبرت هذا الاجراء فضلا عن اغلاق الصحيفة، ردة عن هامش الحريات المتاح، وانتكاسة الي مربع الانقاذ الاول، وتعهدت بمواصلة التصدي لذلك بالطرق القانونية والسلمية. وجوهر المشكلة أن لدي الحكومة السودانية اعتقادا جازما، بأن حركة العدل والمساواة، هي الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده الترابي، وكلما تعقدت العلاقة بين الحركة والحكومة السودانية، سواء في ميدان المعركة في دارفور، اوعلي مائدة التفاوض في الدوحة، اتجهت اصابع الاتهام الحكومية نحو الترابي. ففي نفس هذه الايام قبل عامين، تم اعتقال الدكتور الترابي وعدد من قيادات حزبه في اعقاب الهجوم الذي شنته حركة العدل والمساواة علي مدينة ام درمان، وعندما عجزت الحكومة السودانية، عن ايجاد ادلة تثبت تورطه في هذا الهجوم، وجهت اليه تهمة لا تقوم علي اي سند قانوني، هي انه لم يوجه ادانة صريحة لهذا الهجوم. المؤكد أن علاقة وثيقة تربط بين اعتقال د.الترابي وانهيار الاتفاق الموقع بين حركة العدل والمساواة والحكومة السودانية الذي تم توقيعه في تشاد ، بتصاعد المواجهة العسكرية بين الطرفين في دارفور واعلان الحركة عن عدم جدوي استمرار مفاوضات الدوحة، فضلا عن تأكيد الترابي علي عمليات تزوير تمت في الانتخابات عن طريق تبديل الصناديق، وهي قضية، مما يعدها الرئيس البشير حياة او موتا، اذ يعتبر ان قبول الغرب الاوربي والامريكي نتائج تلك الانتخابات، حتي وإن لم تلتزم بالمعايير الدولية للنزاهة والشفافية، هو مدخل ضروري للتوصل الي تفاهم بشأن قرار المحكمة الجنائية الدولية اعتقاله ومحاكمته بتهمة جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور، وهو احتمال يبقي متأرجحا مع استمرار تشكيك القوي السياسية السودانية في نزاهتها، وبالتحديد القوي التي شاركت في خوضها. المؤكد ايضا أن هناك ما يربط لدي الحكومة السودانية، بين زيارة رئيس حركة العدل والمساواة خليل ابراهيم الي القاهرة، وعزم الحركة علي الانسحاب من منبر الدوحة التفاوضي، مما يفشل مخطط الحكومة في ادماج الحركة في العملية السياسية، ويأتي اعتقال الترابي رسالة الي الحركة ان من يدعمونها سوف يبقون رهن الملاحقة، وان المواجهة العسكرية التي ذكرت الانباء انها قتلت 30 عنصرا منها، سوف تستمر حتي انهاكها، او قبولها بوضع الشريك الصغير في الحكم، او الاستغناء عنها نهائيا، لما تقول الحكومة انه واقع جديد افرزته الانتخابات ، حيث تم انتخاب 50نائبا من دارفور في البرلمان الاتحادي، فضلا عن ولاة لاقاليم ، مما يجعلهم معبرين عن ابناء دارفور، كما يشكلون الأساس لحل مشكلة الإقليم، لكن بعد القضاء علي الحركات المسلحة، وتحقيق نصر حاسم عليها! سيبقي الصراع بين البشير والترابي مستمراً، ويعززه هذا الشكل من الاعتقال التعسفي المتكرر، والمنافسة بينهما علي تمثيل والتأثير في الحركة الاسلامية، واستغلال كل منهما نقاط ضعف الآخر، وما لا يريد أن يدركه الطرفان، أن السودان، شعبا ووطنا، يدفع ثمن ذلك من أمنه ووحدة أراضيه، واستقراره الذي لا ترسي قواعده الا بدولة مدنية حديثة وعلمانية، يكون فيها الدين لله ، والسودان وطنا للجميع.