..«مرسي» و«السيسي» يقودان انقلاباً ضد الشرعية الدستورية تحليل يكتبه: حسين عبدالرازق لم يقدر عديد من الساسة والمحللين والمتابعين للشأن العام أن قرار د. محمد مرسي رئيس الجمهورية «ونائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين»، إقالة كل من اللواء مراد موافي رئيس المخابرات العامة واللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية ومعهما قائد الحرس الجمهوري ومدير أمن القاهرة وقائد قوات الأمن المركزي، هي خطوة أولي في مخطط غير معلن لفرض سيطرة حزب «الحرية والعدالة» وجماعة «الإخوان المسلمين» علي مفاتيح السلطة والدولة المصرية، بهدف تفكيك وتصفية الدولة المدنية التي ناضل – ولايزال – الشعب المصري لتأسيسها طوال ما يزيد علي 200 عام منذ عهد محمد علي مرورا بالثورة العرابية وثورة 1919 ودستور 1923 وثورة 1952 وثورة 25 يناير (2011)، وتأسيس دولة المرشد أو دولة الإخوان بديلا لها.. فالقرار بدا وكأنه رد فعل لحدثين متتاليين. الأول الجريمة الإرهابية ضد موقع عسكري مصري في سيناء والذي ذهب ضحيته 16 جنديا وضابطا من القوات المسلحة وكشف عن وجود فراغ أمني في سيناء، والتصريح الخطير الذي أدلي به اللواء موافي رئيس جهاز المخابرات العامة وأكد فيه أن المخابرات العامة كان لديها معلومات حول العملية الإرهابية في سيناء، وقام الجهاز بدوره في وضع هذه المعلومات أمام الجهات المسئولة في القاهرة والتي تملك اتخاذ القرار «فالمخابرات جهاز لجمع المعلومات والتحليل والتوصية وليس جهاز اتخاذ قرار». الثاني تخلف رئيس الجمهورية د. محمد مرسي عن المشاركة في جنازة شهداء مذبحة سيناء، وما قيل عن أن الأجهزة المسئولة عن توفير أمن الرئيس «الحرس الجمهوري والشرطة العسكرية ومديرية أمن القاهرة بوزارة الداخلية» نصحته بعدم المشاركة لوجود حالة من الغضب من المشيعين والمتظاهرين ضد الرئيس وحكومته وتحميلهم المسئولية عن المذبحة، وصعوبة توفير أمنه خلال الجنازة، وهو ما تأكد بعد الاعتداء البدني علي رئيس وزرائه «د. هشام قنديل» وقذفه بالأحذية. ولكن سرعان ما تبين أن هذه التغيير كانت مقدمة لقرار متخذ سلفا استفاد من الحادثتين للتمهيد له، وتم تنفيذه بغتة ظهر يوم الأحد 12 أغسطس والإعلان عنه في الساعة الخامسة عبر التليفزيون الحكومي المصري، قبل انطلاق مدفع الإفطار بساعة و40 دقيقة. والقرار في جوهره هو انقلاب قادة د. محمد مرسي رئيس الجمهورية – ومن خلفه مكتب إرشاد جماعة الإخوان – بالاتفاق مع عدد من أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة وقياداتها، ضد الشرعية الدستورية القائمة. فقد أصدر الرئيس د. محمد مرسي «إعلانا دستوريا» تضمن إلغاء الإعلان الدستوري «المكمل» الصادر في 17 يونيه 2012، وإدخال تعديلات علي الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 والذي يعد بمثابة دستور مؤقت لحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية حتي صدور الدستور الجديد بعد الانتهاء من صياغته، وتلا ذلك الإعلان إصدار الرئيس مرسي بناء علي الصلاحيات التي أصبحت له بالإعلان الدستوري الجديد (إعلان 12 أغسطس) قرارا بإقالة رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة القائد العام وزير الدفاع «المشير محمد حسين طنطاوي» ورئيس أركان حرب القوات المسلحة «الفريق سامي عنان»، وعدد آخر من قادة الأسلحة والأفرع الرئيسية الذين يسبقون في الأقدمية اللواء أركان حرب «عبدالفتاح حسين السيسي» مدير المخابرات الحربية الذي رقاه مرسي إلي رتبة فريق أول وعينه قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع والإنتاج الحربي، وكذلك ترقية اللواء أركان حرب صدقي صبحي سيد أحمد إلي رتبة فريق وتعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة. والقرار هو اغتصاب من جانب رئيس الجمهورية الذي انتخبه الشعب المصري لرئاسة الدولة والسلطة التنفيذية لسلطات ليست له دستوريا. فالفقه الدستوري يعرف «سلطة رابعة» تعلو السلطات الثلاثة المعروفة في كافة الدساتير «التشريعية – التنفيذية – القضائية» وهي «السلطة التأسيسية»، والذي يملك هذه السلطة التأسيسية هو الشعب بمجموعه وطبقا لهذه السلطة التأسيسية فالشعب هو الذي يصدر الدستور الذي يحدد اختصاصات السلطات الثلاثة والعلاقات والتوازن بينها. ونتيجة لثورة 25 يناير 2011 وسقوط دستور 1971 وتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة البلاد حتي انتهاء المرحلة الانتقالية وإصدار الدستور الجديد، أصبح المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الحائز – استثناء ولفترة محددة – لهذه السلطة التأسيسية وحتي صدور الدستور الجديد باستفتاء الشعب عليه.. وبناء علي ذلك أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة خمسة إعلانات دستورية. - الإعلان الدستوري «الأول» في 13 فبراير 2011 ويضم 9 بنود. - الإعلان الدستوري في 30 مارس 2011 (62 مادة غير مادة النشر). - الإعلان الدستوري في 25 سبتمبر 2011 بتعديل المادة 38 من إعلان 30 مارس والخاصة بنظام الانتخاب في مجلسي الشعب والشوري. - الإعلان الدستوري في 19 نوفمبر 2011 بإضافة مادة جديدة برقم 39 مكرر لإعلان 30 مارس خاصة بتصويت المصريين في الخارج. - الإعلان الدستوري في 17 يونيه 2012 بتعديل المواد 30 فقرة ثانية و53 مكررا أو 53 مكررا (3) و53 مكررا (2) و56 مكررا و60 مكررا (3). ولم يحدث أي خلاف أو جدل حول ممارسة المجلس الأعلي للقوات المسلحة لدوره في إصدار وتعديل الإعلانات الدستورية بصفته يحوز السلطة التأسيسية. ولكن بعد انتخاب د. محمد مرسي رئيسا للجمهورية أنكر البعض حق المجلس الأعلي في ممارسة السلطة التأسيسية وإصدار أي إعلانات دستورية أو تعديلها، بمقولة أنه «بمجرد حلف الرئيس لليمين سقطت كافة الإعلانات الدستورية القائمة، لأن الشرعية الدستورية التي أتي بها الرئيس تحجب الشرعية الواقعية «الثورية» التي جاءت بالمجلس العسكري، وبناء عليه تتوقف كافة الأعمال التي صدرت في عهد العسكري، ويستطيع الرئيس أن يصدر إعلانا دستوريا جديدا يكون ناهيا للإعلانات الدستورية السابقة». والرد علي ذلك كان واضحا، فسلطات الرئيس د. محمد مرسي محددة بدقة فالإعلان الدستوري الذي تم انتخابه علي أساسه وأقسم اليمين علي احترامه، وليس من بين هذه السلطات «السلطة التأسيسية». كما أن «هناك مبدأ في الفقه القانوني هو تدرج القواعد القانونية، ويأتي علي رأسها الدستور ثم التشريع العادي ثم اللوائح، علي أن تقوم جمعية منتخبة بوضع القواعد الدستورية، لكن في الفترة الانتقالية ما بين تنحية الرئيس المخلوع ووضع الدستور الجديد حدد حكم المحكمة الإدارية العليا بأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الجهة المنوط بها إدارة شئون البلاد حتي انتهاء المرحلة الانتقالية، حيث يحوز المجلس السلطة التأسيسية في البلاد وله الحق في وضع القواعد الدستورية المؤقتة، وبالتالي لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يصدر قواعد دستورية أو يلغي الإعلان الدستوري الحالي». وأكد ذلك د. إبراهيم درويش الفقيه الدستوري الكبير قائلا إنه ليس من حق رئيس الجمهورية إصدار إعلان دستوري يلغي الإعلان الدستوري المكمل «لأنه صدر من السلطة التأسيسية»، ويضيف د. شوقي السيد «الرئيس لا يملك إلغاء الإعلان الدستوري المكمل ولا الإعلان الدستوري الأصلي في 30 مارس.. وقرار الرئيس بإلغاء الإعلان الدستوري خيانة للقسم الذي أقسمه باحترام الإعلانات الدستورية بما فيها الإعلان المكمل، والذي يلزمه بعدم الاقتراب من المجلس العسكري بتشكيله القائم عند صدور الإعلان الدستوري المكمل». وكون الإعلان الدستوري المكمل محل نقد واعتراض لأسباب ثلاث، وهي صدوره دون أي تشاور مع الأحزاب السياسية والقوي السياسية والاجتماعية، ومده للفترة الانتقالية عمليا لمدة تقرب من خمسة شهور، وتحويله المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي سلطة فوق السلطات الثلاث بدلا من أن تكون إحدي مؤسسات السلطة التنفيذية، فذلك لا يسقط هذا الإعلان ولا يعني انتهاك الشرعية الدستورية للخلاص منه، فالطريق الصحيح هو الحوار مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتعديله وممارسة الضغوط بالأساليب الديمقراطية لإلزامه بذلك، بدءا بالوقفات الاحتجاجية والتظاهرات والاعتصامات وصولا إلي الدعوة للإضراب العام. وقد اعترضت الأحزاب والقوي السياسية علي المادتين 28 و60 من إعلان 30 مارس، ولم يروا في ذلك سببا لإلغاء الإعلان أو إسقاطه بطرق غير شرعية. السبب الثاني للاعتراض علي قرار د. محمد مرسي، هي السلطات المطلقة التي أصبح يحوزها رئيس الجمهورية، حيث جمع بين يديه السلطة التنفيذية والتشريعية وسلطة تشكيل الجمعية التأسيسية التي ستتولي صياغة الدستور، ليولد في مصر «فرعون جديد» بسلطات مطلقة وبغطاء ديني زائف، تتجاوز السلطات المطلقة التي تمتع بها جمال عبدالناصر والسادات ومبارك. فمرسي طبقا لانقلابه علي الشرعية الدستورية القائمة والإعلان الدستوري «الباطلة» الذي أصدره، يتمتع بالسلطات التي كان للمجلس الأعلي للقوات المسلحة في إعلان 30 مارس (المادة 56) بعد الثورة مباشرة، وتشمل السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية في دستور 1971 الاستبدادي، مضافا إليها «التشريع – إقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها – تعيين الأعضاء المعينين في مجلس الشعب – حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها..». وفي ضوء هذه الحقائق يصبح من الضروري أن تتجمع كل القوي السياسية والأحزاب المدافعة عن الدولة المدنية والرافضة للدولة الإخوانية وحكم المرشد، والمتمسكة بالديمقراطية وتداول السلطة عبر صندوق الانتخاب، وتوحد جهود حماية للشرعية الدستورية القائمة ولإفشال انقلاب «مرسي – السيسي» ومنع الاستبداد.