عندما بحثنا في الجرائد التي صدرت في تلك الفترة المليئة بالحواديت «والمغامرات» والأحلام والدموع لم نجد أي إشارة لكلمة «ثورة» بل أطلقت الجرائد القومية وقتها علي هذا الحدث الكبير «حركة الجيش» وكانت دائما هناك إشارة إلي قيام عدد من الضباط «بحركة» لعزل الملك فاروق وفيما بعد بدأت إشارات جديدة عن إعلان الجمهورية. ولأننا نمر في هذه الفترة بمرحلة تاريخية قد تكون «جديدة» نحتاج أن نستجمع أفكارنا ونقارن بقليل من «الوعي» بين الماضي والحاضر لنختبر المقولة المعروفة «التاريخ بيعيد نفسه» لن نجيب عن تساؤلات قدر ما سنضع أمام قارئنا العزيز العديد من الإجابات من كل الأطراف لنفتح أمامه أفقا جديدا للتفكير للوصول إلي نتائج.. ولأن هناك مئات الكتب التي ادعت تسجيلها لحركة يوليو أو ثورة يوليو 1952.. ولأن التاريخ دائما يكتبه المنتصرون.. نفتتح ملف ثورة يوليو 1952 ونحن في الذكري الستين لقيامها نحاول أن نقارن بينها وبين ثورة يناير 2011.. هل هناك أوجه تشابه أو تطابق أم أن هناك اختلافات لا تحمل السهو، ثورة يوليو 1952.. عسكر قام بثورة أيدها الشعب.. وفي يناير 2011 شعب قام بثورة.. عسكر!! البيان أول بيان لثورة يوليو 1952 هو البيان الشهير الذي ألقاه الضابط محمد أنور السادات – وقتها – أكد خلاله اجتياز مصر فترة عصيبة من الفساد والرشوة.. وبداية عهد جديد من خلال كلماته «لقد قمنا بتطهير أنفسنا». مجموعة من الضباط «الأحرار» كما أطلق عليهم اتفقوا علي الانقلاب علي الملك وأعلنوا بيانا في الإذاعة المصرية وهو البيان الذي استيقظت مصر عليه وأقسموا خلاله علي تخليص مصر وشعبها من نيران الظلم والاستعباد وانعدام العدالة الاجتماعية واتساع الفجوة بين الطبقات وجميعها كانت عوامل شبيهة بالعوامل المؤدية لثورة يناير من فساد اجتماعي وسياسي وسوء أحوال اقتصادية والكثير من الكتابات تؤكد قسوة الحياة في مصر أيضا أواخر العهد الملكي، خاصة قضية فساد السلاح، حريق القاهرة الكثير من أوجه الشبه الأخري حتي «مليونيات الجمع» فلم تكن اختراع ثورة يناير فقد شهد عام 1954 حشودا جماهيرية كبيرة أبرزها جمعة (27 مايو) التي خرجت بعد صلاة الجمعة من المساجد والمنازل والأحياء الشعبية رافضة قرار مجلس الثورة بإقالة محمد نجيب. يقول د. عاصم الدسوقي – أستاذ التاريخ: إن العدالة الاجتماعية جمعت بين ثورتي يناير ويوليو فكلاهما وضعنا هدفا رئيسيا لها كما ورد في المبادئ الستة لثورة يوليو وهذا يعني من وجهة نظره أن ثورة يناير قامت ضد دولة «السادات ومبارك» لأنها خرجت علي خط ثورة يوليو 52 وأزاحت هدف العدالة الاجتماعية، وأضاف «الدسوقي» أن ثورة يوليو قام بها الجيش والتف حولها الشعب أما يناير فقام بها الشعب وساندها الجيش ممثلا في المجلس الأعلي للقوات المسلحة، أما الاختلاف بين الثورتين فيوليو لها قائد وتنظيم أما يناير فلا ولهذا انشقت الأرض وظهرت الكثير من الفصائل التي تدعي أنها صاحبة الثورة وأخيرا وقعت في يد الإخوان رغم أنهم ليسوا مشاركين فيها وإنما سطوا عليها يوم 28 يناير ورأي «الدسوقي» أن يوليو أيضا تعرضت لثورات مضادة ولكن جمال عبدالناصر قضي عليها بالإجراءات مثل الإصلاح الزراعي للفلاحين، تخفيض إيجارات المساكن في 1952 وبذلك ضم جيش المستأجرين له، وأيضا منع الفصل التعسفي للعمال لأنهم يعملون في الورش دون عقود وصاحب العمل كان يحق له الاستغناء عنهم في أي وقت وانضم أيضا العمال للثورة، كل هذه الإجراءات سحبت الجماهير تجاه عبدالناصر الذي مثل لهم وقتها كل شيء. مجرد حالة أما ثورة يناير فاعتبرها مجرد «حالة ثورية» فليس لها قائد ولا تنظيم والثوار لم يصلوا إلي الحكم ونفي «الدسوقي» أن تكون ثورة يوليو 1952 مجرد انقلاب لأن الانقلاب يكون علي ملك وهو مصطلح فرنسي جاء من جملة لويس السابع عشر «أنا الدولة والدولة أنا» وأن ثورة يوليو هي قلب الدولة وأقام الثوار مجتمعا أما يناير فحدث إزاحة لرأس الدولة فقط لكن النظام كما هو ولهذا فرئيس الجمهورية الحالي هو امتداد لمبارك لأننا مازلنا ممنوع الاقتراب من العدالة الاجتماعية. أما الكاتب والمؤرخ صلاح عيسي فله وجهة نظر مختلفة: يري أنه لا يوجد تشابه حقيقي بين الثورتين فالظروف التي قامت بها ثورة 25 يناير من الناحية الموضوعية ومن الناحية الذاتية والقوي المنظمة لها ليست نفس القوي والأهداف أيضا مختلفة في حين هناك قول مضاد يري أن هناك مشابهة بين الثورتين وهي تري أن ثورة يناير قامت من أجل تفويض ما تبقي من 23 يوليو وهو النظام السياسي لهيمنة السلطات وإدماجها في شخص «الرئيس» وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي يقوم علي حرية السلطات عكس النظام الذي وضعه يوليو واستمر حتي رحيل مبارك. ويري «عيسي» أن التفسير «الناصري» لثورة يناير يجعلها مشابهة ليوليو وحلقة من حلقاتها، ويطرح «عيسي» تساؤلا حول أن كل ثورات الربيع العربي قامت ضد أنظمة ثورية فتونس قامت فيها حركة التصحيح التي وضعها بورقيبة، وليبيا ضد الثورة الليبية التي حدثت في 1969، وسوريا قامت ضد ثورة البعث التي قامت عام 1963 وأيضا وقوف الشعب العراقي مع الاحتلال الأجنبي، وثورة اليمن جاءت ضد ثورة 26 سبتمبر في حين أنه لم تقم ثورات في النظم التقليدية للحكم «المملكة أو الإمارة». ويفسر «عيسي» علامة الاستفهام التي وضعها بأن كل هذه البلاد حتي وإن قامت فيها من عشرات السنين ثورات فقد كانت تحتاج بلدانها لمشاريع تنمية اقتصادية بعد فترات الاستعمار وتنفيذها كان مرتبطا بهيمنة السلطة التنفيذية وعلي المدي الطويل خلقت أنظمة استبداد وطني لم تتحملها الشعوب لفترة أكبر من ذلك وأطلق «عيسي» علي هذه الثورات «ثورات علي الثورات» ومفترض أنها اتجهت لمرحلة انتقال سلمي للسلطة لكنها وقعت معظمها في يد «الإسلاميين» وإذا أخذنا بهذا الانطلاق فهو اختلاف آخر بين يوليو ويناير. أما الكاتب والروائي جمال الغيطاني فيري أن يناير كانت ثورة شعبية جاءت من خلال الشباب والتحمت مع الشعب المصري وساندها الجيش أما يوليو فكانت «حركة» وكلمة ثورة جاءت فيما بعد وكانت لها قيادة منظمة وأدت لتغييرات عميقة في المجتمع المصري ، أما أوجه الشبه الوحيدة في رأيه فكانت يومي 9، 10 يونيو 1967 وسنة 1956 وهي خروج الشعب إلي الشارع للتعبير عن رأيه وقراره. فيما تري الكاتبة «فريدة الشوباشي» أن هناك أوجه «تكامل» بين يوليو ويناير، وأن يوليو تعرضت لمذبحة علي يد الرئيس السادات الذي أرسي نظاما اقتصاديا مختلفا جذريا عن النظام الذي وضعه عبدالناصر وفتح السادات الباب علي مصراعيه لتكوين الثروات علي حساب الفقراء، واعتبرت «الشوباشي» الشعارات التي رفعتها يناير هي شعارات يوليو الأصيلة وعلي رأسها «العدالة الاجتماعية»، «الكرامة الإنسانية» لأن يوليو قامت للتعبير عن احتياجات الجماهير وطموحاتها أما الثورة المضادة فتري أنها في السابق ارتبطت بالعنصر الأجنبي الواضح أما الآن فللأسف أبناء البلد منهم من يقوم بها لكسر ثورة يناير وهم الأخطر في رأيها. نتائج ووصف د. حسين حمودة – أستاذ الأدب بكلية الآداب جامعة القاهرة: العلاقة بين الثورتين بأنها علاقة تستحق التأمل فبينهما اختلافات وأيضا تشابهات كثيرة.. سواء في الأطراف المشاركة أو علي مستوي الأهداف والحلم وكذلك النتائج فأهداف ثورة 1952 تحولت إلي بنود شهيرة وارتبطت بجماعة منظمة هي «الجيش» استطاعت أن تمتلك السلطة وساندتها رغبة جماعية في التغيير لذلك فثورة يوليو برحلتها لاتزال متصلة حتي الآن وهي نجحت – من وجهة نظره – في تحقيق أهدافها بينما ثورة يناير حققت أهدافا محددة فقط أهمها أنها أسقطت الهالة المقدسة والوهمية التي كانت تحيط بالرئيس «الديكتاتور» ولكنها فقدت الوسائل أو الآليات للتغيير الذي حلمت به، كلتا الثورتين دفعت ثمنا وإن كانت يوليو «بيضاء» وكلتاهما دفعت ثمنا مختلفا، والبعد الأخير الذي يراه «حمودة» في المشهد بين الثورتين أن طموح الضباط الأحرار استند إلي جزء من أحلام الشعب المصري.