قراءة فى نتائج انتخابات الصحفيين أمينة النقاش تكتسب انتخابات نقابة الصحفيين اهتمامًا بارزًا فى المجتمع أكثر من غيرها من انتخابات النقابات المهنية الأخرى، ربما لأنها تجمع لمهنيين يشاركون عادة فى التأثير على توجهات الرأى العام والمساهمة فى تشكيلها، وتعد نتائجها فى كثير من الأحيان مؤشرًا على طبيعة تلك التوجهات ومدى قوتها أو ضعفها. والنتائج التى انتهت إليها الانتخابات الجمعة الماضى للتجديد النصفى لمجلس النقابة واختيار النقيب، وأسفرت عن فوز "خالد البلشى" على منافسه "خالد ميرى" على موقع نقيب الصحفيين، تستحق من جميع الأطراف، داخل النقابة وخارجها، التوقف لمحاولة فهم دلالاتها واستنباط بعض الدروس منها. ولعل الجهات المعنية فى السلطة التنفيذية بالصحافة والمنظومة الإعلامية، أولى الأطراف المدعوة لذلك، لا سيما والأزمة الخانقة التى تمر بها الصحافة ووسائل الإعلام، قد بلغت ذروتها، إن على مستوى التحديات التى تواجهها، وساهمت فى تراجع مكانتها، وأثرت فى مدى مصداقيتها وقدرتها على الإقناع، لا سيما مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعى والفضائيات الدولية والعربية والمواقع الصحفية الإليكترونية، وكلها تتيح معرفة الأخباروالأحداث وربما تحليلها فى التو واللحظة. فى هذا السياق يمكن ملاحظة ما يلى: *إن المتنافسين على موقع النقيب خالد البلشى وخالد ميرى، ينتميان إلى جيل واحد، وزميلان فى دفعة واحدة من كلية الإعلام، وفى العمل فى مجلس النقاية. وأن كلًا منهما لديه خبرة سابقة وحالية ومتقاربة فى عضوية مجلس النقابة. وكليهما شغل موقع وكيل النقابة، وبينما كان البلشى رئيسًا للجنة الحريات، كان ميرى رئيسًا للجنة القيد، فضلًا عن تقلده موقع الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب. *إن البلشى صحفى يسارى مستقل عن الأحزاب، ولا ينتمى الآن لمؤسسة صحفية، بعد استقالته من مجلة روز اليوسف، وعمله فى صحف ومواقع صحفية إليكترونية معارضة. ويشغل ميرى موقع رئيس تحرير واحدة من كبرى المؤسسات الصحفية القومية هى الأخبار، المنوط بها الدفاع عن السياسات الحكومية وتبريرها. *إن ميرى كان من أوائل من تقدموا للترشح على موقع النقيب بين 12 مرشحًا، وكانت قد انتهت عضويته فى المجلس الحالى كوكيل أول للنقابة، والمسئول لعدة سنوات عن لجنة القيد بها، بين الستة الذين انتهت عضويتهم ويجرى التجديد النصفى لهم من بين 41 مرشحًا. ولم يكن متصورًا أن يتقدم رئيس تحرير جريدة الأخبار للترشح دون دعم من السلطات التنفيذية، وربما بطلب منها . ومن هنا تلقف الصحفيون الرسالة أنه مرشح الحكومة، وهو نفسه لم يكن ينكر ذلك،لاسيما بعد نجاحه فى زيادة بدل التكنولوجيا بمبلغ 600 جنيه، وإعلانه عن التوصل لإتفاق على إقامة عيادة شاملة للصحفيين بمبنى نقابتهم. *إن فوز خالد البلشى فى أجواء التذمر السائدة فى المجتمع، وحالة السخط السائدة فى الوسط الصحفى، لم يكن بعيدًا عن الاحتمال. فالصحفيون المؤيدون للبلشى فى عضوية النقابة لايستطيعون بمفردهم إنجاحه، لكن الفوز تحقق بجانب دعم مؤيديه، لتصويت أعداد كبيرة من صحفيي الأهرام والأخبار وغيرهم من صحفيي المؤسسات القومية لصالحه، فضلًا عن التصويت العقابى، والمنافسة بين المؤسسات الصحفية الكبرى على أن يكون النقيب من بين صفوفها التى تنعكس على التصويت. وبجانب ذلك شخصية البلشى الودودة الهادئة، التى تحظى بثقة واحترام من يؤيدونه ومن يختلفون معه فى الرأى، ودوره المشهود فى الدفاع عن حريات الرأى والتعبير. والدليل على ماسبق أن الفارق فى أعداد المصوتين بين البلشى وميرى لم يكن هينا. فقد بلغ اجمالى عدد المصوتين 5062 صوتًا، كان الصحيح بينهم 4888 صوتًا . وحصد البلشى 2450 صوتًا وحصل ميرى2211 بفارق بينهما بلغ 239 صوتًا. لم أصدق بطبيعة الحال التحليلات التى سادت فى أوساط الصحفيين عقب صدور النتيجة النهائية، التى أشاعت أن الحكومة كانت ترغب فى التوصل لتلك النتيجة، لأنها تنطوى على تلميح، بأن جهات رسمية شجعت الاثنين على خوض المنافسة، وهو أمر أستطيع من جانبى أن أؤكد أن البلشى لم يكن راغبًا نهائيًّا فى الترشح، وهى رغبة باتت تطول معظم من يشعرون بهول المسئولية تجاه مهنة محاصرة من شتى الجهات بتلال من المشاكل طال أمدها، وأن الضغوط التى مورست عليه من أصدقاء وزملاء كثيرين من مختلف المؤسسات الصحفية، وحاصرته فى بيته وفى خارجه، دفعته دفعًا لخوض التجربة. ومن الإنصاف القول أن من ساهم فى نجاح تلك التجربة، النزاهة والحيادية، واللتان قاد بهما النقيب المنتهية ولايته ضياء رشوان العملية الانتخابية برمتها، والتزامه بإعلان النتيجة كما قضت بها اللجنة القضائية من النيابة الإدارية المشرفة على الانتخابات، فضلًا عن الدور الهام الذى قامت به اللجنة التى شكلها رشوان برئاسته للإشراف على كل إجراءاتها بما تقبل به كل الأطراف. لكن المؤكد أن النتيجة المعلنة بفوز البلشى وأغلبية من أعضاء مجلس النقابة من مناصريه، هى لصالح الحكومة فى مواجهة الانتقادات الداخلية والدولية الموجهة لها لها بالتضييق على الحريات العامة وحريات الرأى والتعبير.ولعل الترحيب الحكومى بنتائجها،ودعوة البلشى لحضور أول مناسبة رسمية هى الاحتفال بيوم المرأة المصرية،أن يشكل إدراكا منها بأن السياسات التى تم إتباعها طوال العقود الماضية بتطويع النقابة وفرض نقيب عليها بالمساعدات النقابية وبالترهيب، قد فشلت فى الصحفيين، بينما هيأت المناخ فى النقابات المهنية الأخرى لسيطرة جماعة الإخوان، وتعطيل نشاطها وفرض الحراسة عليها . هل هذا كل شىء ؟..بالطبع لا وللحديث بقية فى مقال آخر ,