مكاسب قمة جدة وخسائرها أمينة النقاش لم يكن الرئيس الأمريكى بايدن فى حاجة إلى التباهى بأنه صهيونى ، وهو يبدأ زيارته إلى إسرائيل ، لكى نعرف كما عرف الجميع ، أن أحد الأهداف المعلنة لزيارته للمنطقة ، بجانب ضمان استقرار أسعار الطاقة، وتدفق النفط لحلفائه فى الغرب الأوروبى لإنقاذ اقتصادياته، التى تتهاوى بفعل العقوبات المفروضة على روسيا، فى أعقاب الحرب فى اوكرانيا هى، تقديم مزيد من الدعم للحكومة الإسرائيلية الحالية ، الذاهبة لانتخابات جديدة ، وفتح مجالات جديدة لدمج الدولة العبرية فى نظام إقليمى للأمن الدفاعى مناوئ لإيران، وحث السعودية على التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل . وفى قمة الأمن والتنمية فى جدة التى جمعته مع قادة دول مجلس التعاون الخليجى ومصر والأردن والعراق، تحقق له بعض ما أراد. قبل أن تحط طائرته فى المنطقة ، كتب" بايدن" مقالا فى صحيفة "واشنطن بوست " أجاب فيه عن سؤال لماذا يذهب إلى السعودية بقوله "سأكون أول رئيس أمريكى، يطير مباشرة من إسرائيل إلى جدة فى السعودية ، كرمز صغير على العلاقات الناشئة ، وخطوات التطبيع بين إسرائيل والعالم العربى، الذى تعمل إدارتى على تعميقه وترسيخه". المقال موجه فى الأغلب للناخبين على أعتاب انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى ، مبررا لهم تراجعه عن تعهده اثناء حملته الانتخابية بمعاملة السعودية كدولة منبوذة، بسبب ما اعتبره سجلها فى انتهاكات حقوق الإنسان، على ضوء مقتل خاشقجى، رغم أن الجرائم التى ارتكبتها واشنطن فى المنطقة تفوق بمراحل، جريمة مقتله . فضلا عن تصريحاته غير الودية تجاه ولى العهد الأمير " محمد بن سلمان " .فتحت المملكة مجالها الجوى أمام الطيران المدنى السعودى ، ووصف "بايدن "ذلك بالإنجاز التاريخى .بالاضافة أن الزيارة قد اسفرت عن السماح للعرب ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية بالسفر مباشرة إلى مكة لتأدية مراسم الحج. وفى العام الماضى ، نقلت إدارة بايدن إسرائيل من القيادة المركزية الأوروبية -الأمريكية ، إلى القيادة المركزية الأمريكية ، التى تتخذ من قاعدة العديد العسكرية فى قطر مقرا لها .ومعنى ذلك أنه قد أصبح متاحا بشكل كبير، التعاون العسكرى الإسرائيلى المباشر مع السعودية ودول عربية أخرى لم تعترف بعد بإسرائيل .وهو نفس المطلب الذى سبق أن طرحته إسرائيل فى اجتماع النقب فى مارس الماضى. تجاهل "بايدن "مطلب السعودية بإعادة إدراج تنظيم أنصار الله الحوثى، فى القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية ، برغم تهديداته لأمن الملاحة فى باب المندب وخليج عدن . وفى القدس تعهد لإسرائيل بمواصلة تصنيف حماس وحزب الله كمنظمتين إرهابيتين، ولم يتطرق من قريب أو بعيد، للدور التخريبى الذى تقوم به المليشيات التابعة لإيران ، فى وضع مؤسسات الدولة العراقية خارج السيطرة والضبط السياسى والاجتماعى . نجح "بايدن " فى الحصول على التزام خليجى بمواصلة ضخ النفط فى شهرى يوليو وأغسطس بنسبة تفوق 50% عما كان سائدا ، بما يضمن استقرار أسعار الطاقة فى الأسواق العالمية . حدث هذا برغم المكاسب التى تحققها تلك الدول من ارتفاع أسعار النفط ، فى المستويات القائمة ، التى تخفض فيه انتاجها .كما حصل على التزام من الدول الخليجية بدفع 13مليار دولار، تحت مسمى دعم الأمن الغذائى العالمى ومساعدة للدول الفقيرة. عاد "بايدن " إلى المنطقة لجرها إلى حرب باردة جديدة لتحقيق أهداف أمريكية وإسرائيلية مشتركة، تجلت فى قوله أن الولاياتالمتحدة لن تترك فراغا بها تملؤها الصين أو روسيا أو إيران .ولعله بعد أن غادرها ، قد أدرك التباين بين الرؤية العربية لأمن المنطقة وبين الرؤية الأمريكية له . فإيران دولة جارة كما وصفها الأمير "محمد بن سلمان "" بيننا وبينها تاريخ وثقافات مشتركة . ومعنى الكلام أن منعها من التدخل فى الشئون الداخلية ، سيجرى التفاوض معها بشأنه لوضع حلول سياسية لضبطه . وأن أمن المنطقة لايتجزأ ،وأن دولها قادرة على حمايته بنفسها ، كما أكد الرئيس" السيسى" . وأنه لا سبيل لاستقرار الأمن فى المنطقة ، دون حل عادل للقضية الفلسطينية يقيم دولة فلسطين على حدود يونيو 1967طبقا للقرارات الدولية ،كما أكد معظم القادة العرب. ولعل الرئيس الأمريكى قد أدرك كذلك، أن الخيارات قد اتسعت أمام دول المنطقة ، ولم تعد واشنطن هى اللاعب الوحيد فى الساحة الدولية ، للبحث فيها عن مصالحهم . وبات التعاون المشترك فى مجالات التنمية والتكنولوجيا بينها وبين الصينوروسيا جزءا رئيسيا فى تعظيم طموحها للتقدم والنمو . لهذا رفض القادة العرب فى قمة جدة تسيس ملف الطاقة ، أو العدول عن مواقفهم المتوازنة من الحرب الأوكرانية . ولعل الإدراك أن يكون متبادلا ، فتبنى دول المنطقة حساباتها المستقبلية ، على أساس ، أن أمريكا التى غادرت المنطقة ، هى نفسها العائدة إليها ، للبحث عن مصالحها، حتى لو تناقضت مع مصالح حلفائها العرب!