لكى لاننسى أمينة النقاش فى الأسبوع الماضى نشر "محمد سلماوى " فى عموده المتميز بالأهرام " جرة قلم " توثيقا لواقعة مرت بصمت رغم فداحة خطورتها ، تنطوى على شهادته عما كان يجرى تداوله ، على سبيل الشائعات إبان حكم جماعة الإخوان ، ليتأكد أنه كان حقيقة صاعقة . ويروى سلماوى أن الرئيس الفلسطينى أبومازن، حل ضيفا على الرئيس محمد مرسى فى صيف عام 2013.وعقب الاجتماع الثنائى بين الرئيسين، التقى سلماوى بالرئيس الفلسطينى . وفى اللقاء أكد له " أبو مازن" أنه نقل للرئيس مرسى رفضه لمشروع توطين الفلسطنيين فى سيناء، مقابل ترك القدس والضفة الغربية لإسرائيل ، وكان هذا المشروع وراء الدعم غير المحددود للجماعة من الإدارة الأمريكية . وكان من المدهش أن "مرسى" قال للرئيس الذى يمثل الشعب الفلسطينى "أن الفلسطينيين قبلوا بالفعل" وأنه يرفض المشروع لأن القيادة ستؤل بذلك إلى حركة حماس . ولامعنى لما قاله سلماوى سوى أن حركة حماس هى من وافقت على ذلك . وفى هذا السياق يتم فهم ما أشار إليه مسلسل "الاختيار 3 " عن الحملات المكثفة التى كانت تجرى على قدم وساق لمنح قيادات من حماس ومواطنين من أهل غزة الجنسية المصرية أثناء العام الذى استولت فيه الجماعة على الحكم، ثم تسليم المجنسين الجدد سيناء كمصريين، لوضع المشروع محل التطبيق، تجنبا لغضب المصريين . هذه الواقعة المخيفة تجدد التأكيد أن لامكان للأوطان فى عقيدة الجماعة الراسخة ،لأن الوطن طبقا لمنظرهم سيد قطب مجرد"حفنة من تراب عفن "! كما تبرز تلك الواقعة التى ترقى إلى فضيحة ، مدى ارتهان إرادة جماعة الإخوان بالقوى الغربية ، الأوروبية والأمريكية، ومدى قابليتها للاستخدام كأداة من قبل الخارج للاستقواء بها فى معاركها الداخلية، ولتحقيق مصالح تلك القوى،على حساب حقوق الدول ومصالح الشعوب ، لمجرد أن تبقى فى المشهد السياسى،حتى تتمكن من قمته . والعمليات الإرهابية الأخيرة التى عادت تجدد الظهور، و حصدت فى سيناء عددا من أرواح خيرة ضباطنا وجنودنا، وتنسب نفسها لداعش ومن قبله إلى القاعدة ، موصولة بالمخطط الإخوانى السابق ، وهى نبت من صلب أفكارها الساعية بدأب لإسقاط الدول الوطنية فى المحيط العربى. ولدعاة المصالحة مع الجماعة الذاهبين إلى مائدة الحوار الوطنى يرفعون شعار عفا الله عما سلف، تأملوا جيدا فى شهادة سلماوى، وإقرأوا التاريخ حتى تتذكروا تاريخها الأسود . فالجماعة لم تتوقف منذ نشأتها عن استخدام الاغتيال كسلاح فى الصراع السياسى ،وإنقلابها على كل نظام مد لها يد المساعدة .فضلا عن تناسل جماعات الإرهاب الجهادى، من عباءتها: من التكفير والهجرة إلى الجهاد ومن الجماعة الإسلامية إلى تنظيم الفنية العسكرية، ومن القاعدة إلى داعش. .. وفى هذا التاريخ صفحات عن تحالف جماعة الإخوان مع الملك فاروق ، ضد الحركة الوطنية ودعمها لأحزاب الأقلية للإنقلاب على دستور 1923أكثر من مرة وتآمرها على الملك بتشكيل جهاز سرى مسلح سمى " الجهاز الخاص" يدرب أعضاءه على استخدام السلاح وتصنيع القنابل والمتفجرات، وهو الجهاز الذى قام باغتيال القاضى أحمد الخازندار لإصداره أحكاما بالسجن المشدد على أعضاء من الجماعة ، كما اغتال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى الذى أصدر قرارا بحلها . وبعد ثورة 23 يوليو، تعاون معهم الرئيس جمال عبد الناصر، وانتقى وزيرا من بينهم للأوقاف، وحين رفض سعيهم فرض الوصاية على مجلس قيادة الثورة ، قاموا بمحاولة فاشلة لاغتياله. ولم يحفظوا للرئيس السادات جميل الأفراج عنهم حين تولى السلطة ، فى مقابل تعهدهم بعدم اللجوء للعنف، وعودتهم للعمل الدعوى ، لكنهم نقضوا هذا التعهد,حين اتفقوا عام 1974 مع تنظيم الفنية العسكرية بقيادة صالح سرية للقيام بإنقلاب عسكرى ،فإذا نجح تولوا هم السلطة وإذا فشل أنكروا علاقتهم به ، وقد توترت تلك العلاقات إلى ما أنتهى باغتيالهم للرئيس السادات بعد أن وصموه بالكفر. ووطدت جماعة الإخوان علاقتها بنظام الرئيس مبارك، وكانت قيادتها طرفا فاعلا فى الترويج لخلافة جمال مبارك لوالده، ولم تشارك فى الأيام الأولى لمظاهرات 25 يناير 2011، وحين بات من المؤكد أن الأمور فى طريقها إلى الحسم ، ظهرت بكامل ثقلها وأصدرت الأوامر لأعضائها بحرق مديريات الأمن وأقسام الشرطة فى كل محافظات الجمهورية فى وقت واحد . واقتحمت السجون وأفرجت عن أعداد هائلة من االجنائيين الذين جابوا القرى والمدن ينهبون الممتلكات العامة والخاصة ، ليصبحوا بعد ذلك رديفا لمظاهرات الجماعة وأنصارها، فى حرق الكنائس وتفخيخ الكبارى و محاصرة المحاكم والمبانى الحكومية والمؤسسات الإعلامية ، للاحتجاج على أحكام القضاء ولتأديب الإعلامين الذين يعتروضون سياستهم . كنت أظن أن وثيقة سلماوى الدامغة كفيلة بخجل وصمت جماعة "عفا الله عما سلف"، لكن صوتها المدوى هذه الأيام ، يقول لى أن ظنك محض إثم !