مازالت أزمة نقص «سلاسل الإمداد» تلقى بظلالها على الاقتصاد العالمي، وفي القلب منه الاقتصاد المحلي، وسط حالة من غلاء الأسعار، نتيجة معاناة المصانع في الحصول على مدخلات الإنتاج، أو توافرها ولكن بأسعار باهظة، تدفع إلى زيادة أسعار المنتج النهائي كنتيجة لزيادة تكلفة الإنتاج. كان تأثر المصانع بهذه الأزمة بسيطا في بداية الأمر، نتيجة توافر مخزون استراتيجي لديها من مدخلات الإنتاج، ولكن بعد نفاده، وتوقيع اتفاقيات جديدة لاستيراد شحنات جديدة، اصطدمت بأسعار مغايرة تماما، مضافا إليها تغيرا كبيرا في تكاليف الشحن، الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار جميع السلع. يرى اقتصاديون ومصنعون، أنه لتخفيف حدة هذه الأزمة فإنه يجب على الحكومة التوسع في مبادرات دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، والعمل على تقليل استيراد مدخلات الإنتاج، من خلال وجود خطة للاستغناء عنها بوجود بديل محلي يعمل على تلبية احتياجات المصانع، من خلال مبادرة «إحلال الواردات». دعم المصنعين الصناعة تأثرت كثيرا بأزمة سلاسل الإمداد العالمية، فالاقتصاد المحلي مرتبط بشكل أساسي بما يحدث في الاقتصاد العالمي، وذلك بسبب الاعتماد بصورة كبيرة على الاستيراد من الخارج، وعلى رأسها مدخلات الإنتاج، وكذلك العديد من السلع المعمرة وغيرها، بحسب أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى بدرة. أكد «بدرة»، أن هذه الأزمة بدأت منذ تداعيات جائحة كورونا، وعندما تأخرت الإمدادات بصورة مبالغ فيها أصبحت الأزمة واضحة للجميع، وشعر العالم بحدوث فجوة كبيرة في سلاسل الإمدادات، وأن الاقتصاد العالمي يواجه عائق كبير. أضاف أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، أن أزمة سلاسل الإمداد ظهرت بصورة واضحة خلال استيراد هذه المنتجات، ومع غلق الدول الكبرى، وتأخر وصول شحنات سلاسل الإمداد، شعر العالم بهذه الأزمة، وهناك عدد من المصانع أغلقت أبوابها بسبب نقص إمدادات مدخلات الإنتاج، مؤكدا أن الصناعة المحلية تأثرت كثيرا بأزمة سلاسل الإنتاج. وقال «بدرة»، إن الدولة تنبهت مبكرا لضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي، والوصول لقيمة 100 مليار جنيه صادرات، مضيفا أن مبادرة إحلال الواردات موجودة، ويجب العمل على تنشيط الصناعة، وقيام البنك المركزي بإعلان العديد من المبادرات بخصوص هذا الشأن، مطالبا بضرورة استمرار رعاية الرئيس السيسي لمبادرة إحلال الواردات لكي تنجح في عملها خلال الفترة المقبلة، موضحا أن توطين الصناعة يجب ألا يكون مرتبطا بجائحة أو الوصول بمعدلات نمو أفضل فقط، ولكن لابد من تدشين العديد من المبادرات لدعم الصناعة، وكذلك التيسير لحصول الشركات والمصانع على أراضي كاملة المرافق، وضرورة تسخير العملية التعليمية لخلق فرص عمل للشباب لتعلم الحرف والمهن الصناعية، لخلق جيل جديد قادر على دعم الصناعة، وكذلك فإنه يجب على الجهاز المصرفي دعم المصنعين من خلال التسهيلات في الإجراءات التمويلية. الصناعات المتوسطة والصغيرة ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، محمد عبد الوهاب، أن ترشيد وإدارة الموارد بشكل جيد على المستويين الحكومي والشعبي، هو مفتاح استغلال تعطل سلاسل التوريد على مستوى العالم، والعمل على تشجيع الصناعة الوطنية. وأضاف «عبد الوهاب»، أن الدولة لديها فرصة كبيرة لتوجيه كل الجهود إلى القطاع الإنتاجي وتحفيز الصناعة بشكل كبير، بعيداً عن دورة الروتين التى مازال يعانى منها المستثمرون خاصة أصحاب المشروعات الصغيرة التى تعتبر قاطرة النمو لأى اقتصاد، وتحفيز إدماج الاقتصاد غير الرسمي، في الاقتصاد الرسمي. وطالب الخبير الاقتصادي، بتذليل كل العقبات التي تؤثر على معدلات النمو الاقتصادي، وتشجيع القطاع غير الرسمي للتعامل مع البنوك، مشددا على ضرورة تفعيل جميع المبادرات الرئاسية في هذا الشأن، والتخلص من الروتين الذي يعتبر العائق الرئيسي أمام تطوير الصناعة. تقوية الصناعات البديلة حدوث أزمة في تدفقات سلاسل الإمداد بالشكل الكافي يتطلب من المعنيين الاستعداد الكامل لتوابع هذا الأمر، وبخطوات معينة منها حسن الاستخدام للمواد الخام، وترشيد الاستهلاك غير سليم، وكذلك وقف استيراد السلع الاستفزازية للمحافظة على العملة الصعبة وعدم إهدار الاحتياطي من النقد الأجنبي، بحسب الأمين العام لغرفة التجارة المصرية الصينية، الدكتور ضياء حلمي. وأكد الأمين العام لغرفة التجارة المصرية الصينية، العمل على تقوية الصناعات المحلية البديلة والموازية للمنتجات ومواد الخام المستوردة وخاصة التى يقل انتاجها وتشهد أزمة عالمية، مضيفا أن الصناعة المحلية بحاجة إلى الدعم. تابع «حلمي»، أن أزمة سلاسل الإمداد هي أزمة عالمية، وهي إحدى تداعيات فيروس كورونا، وتعاني منها جميع الدول الصناعية الكبرى مثل الصينالولاياتالمتحدة وروسيا وغيرها، موضحا أن مصر شريك في التجارة العالمية، بل يزيد عن ذلك أنها تستورد أكثر من 70 % من مدخلات الإنتاج، الأمر الذي ينتج عنه تأثر في السوق المحلي فيما يخص سلاسل الإمداد، وكذلك ارتفاع أسعار السلع. وطالب بوجود مجموعة عمل من الوزراء المعنيين لإدارة الأزمات الصناعية، وتكوين تصور وخطة بديلة مدمجة بالأرقام تعمل على التخفيف من هذه الأزمة، في ظل توقعات عالمية بموجة تضخمية في الربع الأول من عام 2022. وتوقع الأمين العام لغرفة التجارة المصرية الصينية، أن تنتهي هذه الأزمة في عام 2023، موضحا أن العام الحالي 2022 سيشهد صعودا وهبوطا للاقتصادات العالمية، ومع بداية عام 2023، سيبدأ التحسن الفعلي للاقتصاد. تأمين سلاسل الإمداد هناك العديد من الصناعات الاستراتيجية التى تسببت نقص سلاسل الإمداد في حدوث أزمة كبيرة لها، ومنها الحديد والصلب وصناعة السيارات والأجهزة المنزلية وغيرها الكثير، موضحة أن هناك مشاكل على مستوى العالم فيما يخص سلاسل الإمداد، بحسب أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، الدكتورة يمن الحماقي. أضافت أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن هذه الأزمة تلقي بظلالها على أسعار السلع ومعدلات التضخم، وتطلب هذا قيام معظم دول العالم بإعادة النظر في سياساتها الإنتاجية، موضحة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قامت بضخ حوالى 52 مليار دولار لإحياء صناعة الرقائق الإلكترونية وتطور التكنولوجيا التي تمكنها من الاعتماد على نفسها. وتابعت «الحماقي»، أن فكرة تطبيق العولمة والاعتماد المتبادل والتصنيع لحساب الغير، هو الذهاب لموطن صناعة سلعة محددة بأسعار منخفضة وبأقل تكلفة، فقد تم إعادة النظر في هذه الفكرة، وبدأت الدول تأمين سلاسل الإمداد الخاصة بها المؤثرة على صناعاتها. وأوضحت أن أي تعطيل للشركات والمصانع بسبب أزمة سلاسل الإمداد سيتسبب في مشاكل كبيرة تعطيل الإنتاج وعدم القدرة على دفع تكاليف العمالة، مؤكدة أن جميع هذه المشاكل المتسبب الأول فيها هو تداعيات جائحة كورونا. وأشارت إلى أن مصر تمتلك فرصا استثمارية "جبارة"، وبفضل المشروعات القومية الكبرى أصبح هناك مجالات لطاقات إنتاجية كبيرة جدا يجب استغلالها، مطالبة بضرورة زيادة نسبة المكون المحلي في الصناعات، مع الاهتمام بسلاسل الإمداد وكذلك الصناعات الصغيرة، قائلة: «هناك مجالات واعدة جدا، وزيادة الإنتاج الوسيلة الوحيدة لمكافحة التضخم». وأكدت أنه حتى هذه اللحظة، فإن مبادرة إحلال الواردات لا يوجد استراتيجية واضحة لتطبيقها على أرض الواقع، حيث أنه يجب أن تبنى على دراسات علمية لكل صناعة، وهذا لا يوجد الان.