كتبت أمل خليفة الإنتخابات الأثيوبية القادمة جعلت الدبلوماسية الأثيوبية تتخلي عن كياستها وفطنتها في ما يتعلق بملف السد، فالجميع يتسابق لمغازلة الشعب الأثيوبي، فجاء الأداء فج بعض الشيء وظهر هذا جلياً في البيان الذي أصدرته الخارجية الأثيوبية الصادر يوم 6 مارس 2020 حول قرار مجلس جامعة الدول العربية الصادر يوم 4 مارس 2020 بشأن سد النهضة الإثيوبي. حيث اتصف البيان الإثيوبي بعدم اللياقة، وافتقاره لأدني درجات الدبلوماسية، وانطوى على إهانة غير مقبولة لجامعة الدول العربية ودولها الأعضاء، حيث تبنت جامعة الدول العربية قرار يدعو إثيوبيا للالتزام بمبادئ القانون الدولي واجبة التطبيق وعدم الإقدام على أي إجراءات أحادية من شأنها الإضرار بحقوق مصر ومصالحها المائية ما هو إلا إقرار بالمدى الذي باتت إثيوبيا تعتقد أن مصالحها تطغى على المصالح الجماعية للدول ذات السيادة الأعضاء في جامعة الدول العربية والتي تسعي إثيوبيا للهيمنة عليها. وفي هذا السياق جاء رد وزارة الخارجية المصرية الذي أعربت فيه عن رفضها جملة وتفصيلاً لبيان وزارة خارجية إثيوبيا حيث إن قرار الجامعة العربية يعكس خيبة الأمل والانزعاج الشديد إزاء المواقف الإثيوبية طوال مسار المفاوضات الممتد حول سد النهضة، وبالأخص منذ إبرام اتفاق إعلان المبادئ عام 2015، حيث إن النهج الإثيوبي يدل على نية في ممارسة الهيمنة على نهر النيل، وتنصيب نفسها كمستفيد أوحد من خيراته. وقد تجلى ذلك في إصرار إثيوبيا على ملء سد النهضة بشكل منفرد في شهر يوليو 2020 دون التوصل لاتفاق مع دولتي المصب، في محاولة منها لجعل مسار المفاوضات رهينة لاعتبارات سياسية داخلية، وهو ما يمثل خرقاً مادياً لاتفاق إعلان المبادئ ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك سوء نية إثيوبيا وافتقادها للإرادة السياسية للتوصل لاتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة. وقد ثبتت حقيقة مواقف إثيوبيا بجلاء في عدم موافقتها على اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة الذي أعده الوسطاء المحايدون، وهما الولاياتالمتحدةالأمريكية بالتنسيق مع البنك الدولي. وكتعبير عن دعمها السياسي، رحبت الجامعة العربية بهذا الاتفاق ودعت إثيوبيا لمراجعة موقفها والنظر في توقيع هذا الاتفاق. وعلى ضوء سياساتها خلال مفاوضات سد النهضة، فإن إثيوبيا ليس من حقها أن تعطي دروساً لجامعة الدول العربية أو دولها الأعضاء حول الصلات والوشائج التي تجمع الشعوب العربية والأفريقية، وهي الروابط التاريخية التي ليس لإثيوبيا أن تحدد مضمونها. إن مواقف إثيوبيا إزاء موضوع سد النهضة ما هي إلا مثال آخر على منهجها على الصعيد الإقليمي المبني على اتخاذ إجراءات أحادية، وهو ما ألحق الضرر والمعاناة بالعديد من إخواننا الأفارقة. ومن هذا المنطلق، فإننا ندعو المجتمع الدولي للانضمام للجامعة العربية في إدراك طبيعة سياسة إثيوبيا القائمة على العناد وفرض الأمر الواقع، وهو ما يهدد بالإضرار بالاستقرار والأمن الإقليميين. كما ندعو إثيوبيا لتأكيد التزامها بعدم البدء في ملء سد النهضة بدون اتفاق، وللموافقة على الاتفاق الذي أعده الوسطاء المحايدون. وقد يري بعض المحللون أن مصر فقدت رباطة جأشها فيما يتعلق بهذا الملف ولكن العكس صحيح تماما حيث إن طلب مصر وساطة البنك الدولي والولاياتالمتحدةالأمريكية ويرجع سبب غضب أثيوبيا لعدة أسباب، أهمها هو إن طلب تدخل البنك الدولي يضمن لمصر حقها الأصيل في كل ما سبق من إتفاقيات حيث أن البنك الدولي رفض رفضاً تاماً تمويل مشروع السد قبل البدء في بناءه بسبب عدم استيفاء دراسات الجدوي المتعلقة بالمشروع وبسبب رأي خبراء البنك حول تربة الأرض التي بُني عليها السد التي تم تصنيفها من قبل الجوليجيون بإنها تربة طفلية لن تتحمل كثافة مياه عالية علي عكس التربة الجرانيتية التي بُني عليها السد العالي في مصر، وبذلك هناك أحتمال كبير بإنيهار السد في أي مرحلة من مراحل ملء السد. أما السبب الآخر والذي لم تتوقعه أثيوبيا نهائياً فهو وساطة الولاياتالمتحدة التي لديها أنهار دولية فيتشابه موقفها مع موقف مصر ولديها تجربة إيجابية في الإنتفاع بهذه الأنهار العابرة للدول والولايات، ولديها قانون يحكم التعامل مع هذه الأنهار. وفي ظل كل هذه المعطيات ووضوح سوء النية الأثيوبية لا أستبعد عدم وفائها بكل بنود إتفاقها مع دول المصب ولجوء مصر للمحكمة الدولية الجنائية حيث أن منع المياه عن دولة تعد من جرائم الحرب لأن من نتائج منع المياه عن الدول قتل الشعوب لذلك فهي جريمة حرب بالمعني الحرفي.