تواجه تركيا ضغوطًا دولية، خاصة من روسيا وفرنسا، من أجل وقف تدخلها فى ليبيا. وتتهم أطراف عسكرية وسياسية ليبية أنقرة بدعم ميليشيات تابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، وهي حكومة مدعومة دوليًا. مع ذلك ما زالت شحنات من الأسلحة التركية تصل عبر السفن والطائرات إلى موانئ بحرية وجوية تسيطر عليها حكومة الوفاق فى مصراتة وطرابلس، وتذهب للجماعات الإرهابية. لقد كلفت وزارة الدفاع التابعة للسراج مسئولين عسكريين يعملون معها، لكي يقوموا باستلام الشحنات التركية، وإدخالها فى مخازن خاصة فى مصراتة وطرابلس. مناورة عسكرية لقد زادت تركيا من وتيرة إرسال معدات عسكرية ومقاتلين متطرفين إلى شمال غرب ليبيا، طوال الشهرين الماضيين، لمنع الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر من دخول طرابلس. ويقول الدكتور الليبي محمد الغنودي، المتخصص فى العلاقات الدولية مع ليبيا وقضايا الأمن فى حوض البحر المتوسط، إن دخول تركيا على خط الأزمة الليبية "مؤامرة كبيرة جدًا"، وأنه "ينبغي على العالم وعلى الأقطار العربية المعنية، أن تدرك حجم هذه المؤامرة وخطورتها.. التدخل التركي فى ليبيا لا يستهدف بلادنا فقط، ولكنه يستهدف دول الجوار أيضًا". تركيا كان يفترض أن تزيد من دعمها لحكومة الوفاق الليبية، خاصة أثناء قيام أنقرة بمناورة عسكرية من 13 مايو إلى 25 مايو الماضي، تحت اسم "ذئب البحر 2019" فى البحر المتوسط، لكن ضغوطًا دولية عرقلت التواصل بين عسكريين تابعين للسراج والمناورة التركية، لبعض الوقت. كانت تركيا تأمل فى موافقة اللواء عبد الحكيم بو حوية، رئيس أركان القوات البحرية الليبية (تابعة للسراج) على المشاركة فى مناوراتها العسكرية فى شرق البحر المتوسط، لكن بو حوية لم يُبد تحمسًا للأمر. يقظة الروس عدم مشاركة بعض العسكريين التابعين لسلطة السراج فى المناورة التركية يرجع الفضل فيه إلى مواقف ضباط ليبيين وطنيين غير متحمسين للتدخل التركي فى بلادهم، وكذلك يرجع الفضل فيه إلى مواقف دول صديقة لليبيا مثل مصر، ويقظة الروس والفرنسيين. ومع ذلك لجأت تركيا إلى إرسال طائرتين محملتين بالأسلحة الجديدة، لكن حركة إرسال الشحنات بالسفن تراجعت عن السابق، على ما يبدو. ويقول الغنودي إن استمرار وصول أسلحة من تركيا إلى ليبيا أمر خطير.. كلما اقترب الجيش من هزيمة الميليشيات فى طرابلس زادت المؤامرة التركية وضوحا.. ومن المعروف أن الأممالمتحدة تفرض حظرًا على إرسال أسلحة إلى ليبيا منذ 2011. ولم يذكر المبعوث الأممي، غسان سلامة، تركيا بالاسم، حين قدم إحاطة عن ليبيا فى مجلس الأمن يوم 21 مايو الماضي، لكنه أشار فقط إلى أن شحنات أسلحة أرسلت إلى طرفى الصراع فى هذا البلد، وبغض النظر عن مواقف سلامة، شهدت أروقة مجلس الأمن مناقشات بين أطراف روسية وفرنسية، بشأن الدعم التركي لحكومة الوفاق الليبية، سواء بالأسلحة أو بالمتطرفين الأجانب القادمين من الصراع فى سوريا. ومن هذه المناقشات تبين أن تركيا أعارت فى أول الأمر (فى أول مايو الماضي) طائرة متقدمة من نوع "بيرقدار TB2"، لكي تستخدمها حكومة السراج ضد الجيش الوطني الليبي. وتم استخدامها بالفعل يوم 11 مايو 2019 ضد قوات الجيش الليبي فى بلدة غريان فى جنوبطرابلس. خسارة إخوانية وبعد ذلك أجرت تركيا ثلاث طائرات من نفس النوع بدلا من واحدة، وهذا ما زاد من غضب الأطراف التي تسعى إلى بسط الاستقرار فى ليبيا. لقد كانت تركيا تتحدى المجتمع الدولي. وعلى هامش جلسات مجلس الأمن الأخيرة، نقل الروس والفرنسيون، معلومات تفصيلية إلى أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، عن خرق تركيا للحظر الدولي لبيع السلاح لليبيا.. وفى آخر محاولات للتحدي العلني، قبيل خسارة حزبه الإخواني للانتخابات فى العاصمة التركية، اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه يمد حكومة الوفاق بالسلاح. ويقول الغنودي إن الدعم التركي بالأسلحة والمتطرفين، للميليشيات التي تعمل تحت سلطة السراج فى طرابلس، أصبح أمرا معلوما للعالم أجمع، ويحمل معالم الخطر الإقليمي. ويضيف: نقل الأسلحة التركية والمقاتلين من سوريا، لم يعد يهدف لاستمرار الفوضى فى ليبيا فحسب، ولكنه يهدف أيضا إلى ضرب الاستقرار فى مصر وشمال أفريقيا ككل. وما زالت دول مثل روسيا وفرنسا تعمل على محاولة تحجيم الدور التركي فى مساعدة الجماعات المتطرفة فى المنطقة، لكن هذا ربما كان يحتاج إلى مزيد من التعاون من جانب الدول العربية التي تصنف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، ليس من أجل حماية الليبيين فقط، ولكن من أجل حماية شعوب المنطقة المحبة للسلام والاستقرار. عبد الستار حتيتة