صعود متنامٍ لليمين المتطرف على الساحة السياسية الأوروبية، ظاهرة ليست على مستوى واحد فى أوروبا كلها، وتشترك أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا فى عدد من الأهداف أو الشعارات المشتركة، مثل معارضة الهجرة، ومعاداة الأجانب، وانتقاد الطبقة السياسية الحاكمة. وحسب دراسة بعنوان " صعود اليمين المتطرف الأسباب والتداعيات" للباحثة ريناس بنافي، بالمركز الديمقراطي العربي، ترى واقع أحزاب اليمين فى الوقت الحاضر لم يعد ظاهرة هامشية فى المشهد السياسي الأوروبي، بل إنها أصبحت ذات ثقل شعبي، وطرفا ثابتا فى المعادلات الانتخابية، وفاعلا سياسيا يتزايد تأثيره فى صياغة الرأي العام الأوروبي، خاصة بعد تفشى ظاهرة الهجرة غير الشرعية وموجات الإرهاب التى تضرب المدن الأوروبية. تقول "بنافي"، إن وجود اليمين المتطرف فى الأنظمة السياسية الأوروبية لم يكن ظاهرة جديدة، ذلك إن الفاشية والنازية والقومية المتطرفة هيمنت على أوروبا فى حقبة ما بين الحربين العالميتين، ودفعتها نحو الحرب. أما المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، فقد بدأ اليمين المتطرف فى الاختفاء عمليا من الساحة.. مع نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات حدثت تغيرات كثيرة فى أوروبا نتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية متمثلة فى حلف وارسو وتأسيس الاتحاد الأوروبي، نتيجة لما سبق، فإن الدويلات التي ظهرت من انهيار الاتحاد السوفيتي بدأت تعود لأصولها العرقية، وهو ما ساهم فى ظهور النزعة القومية عند الكثير من الأوروبيين وانضمام مثل هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي فيما بعد، فى 2008، بدأت أزمة مالية عالمية اعتبرها البعض الأسوأ منذ الكساد الكبير 1929، أدت هذه الأزمة لانتشار البطالة والركود الاقتصادي، ومع زيادة الهجرة بدأ بعض الأوروبيين ينظرون للمهاجرين كمزاحمين لهم فى وظائفهم وخاصة المسلمين، وهنا ظهرت دعوات للتضييق على المهاجرين ودعوات عدائية ضدهم"، وخاصة المسلمين فقامت بإنشاء منظمة تهدف لمكافحة "الأسلمة" فى أوروبا والتي حملت اسم "المدن ضد الأسلمة". مضيفة أنه من عوامل صعود نجم اليمين المتطرف أيضًا؛ زيادة سرعة الاندماج الأوروبي الذي أدى إلى زيادة المخاوف من أن ذلك الاندماج سيأتي على حساب الخصوصية الوطنية والمحلية. تقول الباحثة: "مع بداية ما عرف بالربيع العربي، ظهرت عدة صراعات فى الشرق الأوسط من الأزمة السورية إلى الأزمة الليبية واليمنية وظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتدهور الأحوال المعيشية للمواطن العربي كل ذلك أدى لزيادة الهجرة واللجوء لأوروبا، ومع زيادة الهجمات الإرهابية من حادث تشارلي إيبدو إلى باريس إلى بروكسل وغيرها من الهجمات، وأيضًا مع زيادة منافسة المهاجرين على الوظائف الموجودة وفى ظل وجود نسبة بطالة، كل ذلك أدى لزيادة المخاوف عند الكثير من الأوروبيين على هويتهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم وعلى الجنس الأوروبي وأيضًا الخوف من اختفاء دولة الرفاهية. وأشارت إلى أن ظهور هذه الأحزاب المتطرفة جاء مجرد خيار سياسي مضاد للهجرة، كما يذهب البرنامج السياسي لهذه الأحزاب لتقديم نفسها. "فالبرنامج الأساسي للجبهة الوطنية فى فرنسا ارتكز على مشروع مقاومة الهجرة الأجنبية وطرد كل الأجانب من البلد، ونهض حزب ريببلييكانز(الجمهوري) الألماني المتطرف على هذه الفكرة نفسها، وهو ما ذهب إليه أيضاً حزب مالمس بلوك فى بلجيكا، أو حزب الأمَّة الواحدة فى أوستراليا، أو حزب نيوزيلندا أولاً فى نيوزيلندا". وتشهد بعض الدول الأوروبية زيادة فى جرائم عنف اليمين المتطرف، ففى النمسا ذكر تقرير صادر عن جهاز المخابرات الداخلية أن عدد الأعمال المتطرفة لليمين فى عام 2015 بلغ 1150 قضية، مقارنةً بحوالي 750 فى عام 2014، وتتراوح بين إطلاق الألعاب النارية على مراكز إيواء المهاجرين والتحريض على العنف عبر الإنترنت. وأيضاً فى ألمانيا، ارتفع مستوى جرائم العنف ذات الدافع اليميني السياسي أكثر من 40% فى عام 2015 مقارنةً بالعام السابق له، كما ازدادت أعمال العنف ضد منازل إيواء اللاجئين لتبلغ 177 جريمة فى عام 2015 مقارنةً بنحو 26 جريمة فى عام 2014. وأكدت الدراسة على أن انتشار الفكر المتطرف والإرهاب على مستوى العالم يدعم زيادة مقبولية الفكر اليميني المتطرف بين قادة الرأي العام الأوروبي، فلا شك أن انتشار "داعش" يثير تخوفات لدى الرأي العام الأوروبي حول مدى الثقة فى قدرة المجتمعات المفتوحة والحرة على حماية مواطنيها، وهو ما يسمح لقوى اليمين المتطرف بإثارة الشكوك حول جدوى آليات الدفاع لدى الحكومات الأوروبية، لاسيما مع تعرض بعض المدن الأوروبية لعمليات إرهابية مثلما حدث فى باريسوبروكسل. فى السياق ذاته، أشارت الدكتورة ابتسام على حسين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن أغلبية الفارين من أوضاع سياسية واقتصادية قاسية لن يأملوا فى حياة آمنة فى أوروبا فى ظل صعود نبرات الإقصاء من جانب تيار اليمين، موضحة أن صعود حركات اليمين فى أوروبا ورغم اختلاف هذه القوى اليمينية إلا أنها تتشارك فى عدد من القضايا أبرزها معاداة الهجرة خاصة القادمة من منطقة الشرق الأوسط. ويرى عاطف سعداوي، مدير تحرير مجلة الديمقراطية، أن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية قد أحيا آمال أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا، وتجسد هذا فى وصول لوبان إلى المرحلة الثانية فى الانتخابات الفرنسية. كما يرجع صعود لوبان إلى عدة أسباب منها الأزمة الاقتصادية، ورفض الاتحاد الأوروبي، والعملة الموحدة بالإضافة إلى العداء للمهاجرين، مما يؤثر على مستقبل وجود الجاليات المسلمة فى فرنسا حال فوزها. بينما أشار محمد عبدالقادر خليل، الخبير بمركز الاهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية، إلى العلاقة بين أردوغان وصعود اليمين المتطرف على الساحة الأوروبية، حيث يربط تصاعد حرب التصريحات بين انقرة والعديد من الدول الأوروبية باقتراب الانتخابات داخل هذه الدول. كما يرى أن الخطاب الداخلي فى أنقرة نجح فى حشد المواطنين خلف قيادته السياسية، وهو ما ظهر فى قدرة الرئيس التركي على تمرير تعديلات الدستور. وعلى الجانب الآخر دعم هذا الخطاب اليمين المتطرف على ساحات أوروبا المختلفة ودفعها للمطالبة بعدم السماح بازدواجية الجنسية، وتخيير حامليها بين التمتع بجنسية البلدان التي يقيمون فيها أو بجنسية تلك التي أتوا منها. أكد العميد خالد عكاشة، عضو المجلس القومى لمكافحة الإرهاب والتطرف، ان ابرز ملامح الخطورة التى يمثلها حادث نيوزيلندا الارهابى والحوادث التى تحدث من قبل اليمين المتطرف انها ستكون راصد مغذ للتنظيمات الارهابية التى تنسب نفسها للاسلام وتتحدث باسم الاسلام مثل داعش والقاعدة والاخوان، وسوف تتخذها ذريعة من اجل تصعيد اعمالها وتوجيه عناصرها للقيام بعمليات انتقامية،وتكثيف نشاطها. واضاف يجب على دول الغرب ان تتوخى الحذر من تصاعد هذا التيار المتطرف الارهابى وتتصرف معه بدرجة من العقلانية،كما حدث فى نيوزيلندا، لافتا الى أن الامر يحتاج الى جهد كبير لمحاصرة تلك الحركات المتطرفة، خاصة وان هناك العديد من دول اوروبا يحكمها احزاب محسوبة على اليمين المتطرف،الولاياتالمتحدةالامريكية نفسها نموذج. ويتفق معه اللواء "محمد نورالدين "مساعد وزير الداخلية الأسبق قائلا: من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تزايداً فى معدلِ العمليات الإرهابية بواسطة "اليمين المتطرف"، على أن يقابل ذلك بعمليات لا تقل خطورة بواسطة "التنظيمات الإرهابية بدعوى انهم مضطهدون. وتابع:ان تحذيرات الرئيس عبد الفتاح السيسى من خطر الارهاب كانت استشرافا لما يحدث حاليا، لافتًا الى إنه وجه رسالة للغرب "حافظوا على اوطانكم من الارهاب "، ومنذ الرئيس "السادات" وهناك دعوة من اجل مواجهة الحركات الارهابية فى الغرب. وأوضح، أن دول اوروبا لا تتعامل بجدية مع انتشار ظاهرة الإرهاب، إلى جانب إخفاقها فى التعامل مع ملف العائدين من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش وايضا ظاهرة الإسلاموفوبيا التى تزايدت فى الآونة الأخيرة والتي تتمثل فى العداء من قبل قطاع كبير من الأوروبيين للجاليات الإسلامية التى تعيش هناك.. وأكد أن الدولة المصرية تبذل جهودًا فى إطار تجديد الخطاب الدينى وترسيخ مبادئ التسامح والتعايش والتعاون الدولى لمكافحة الارهاب، من اجل التصدى لهذه الافكار.