وكعادته فإن أحمد لطفي السيد يزج بخواطره خلال سرد قد لا يكون متعلقًا بها. ففي الفصل الثامن من مذكراته، عنوانه رحلتي إلي اوربا وإلي المدينةالمنورة. نقرأ في السطر الأول "في السفر ما يملأ العقل راحة والنفس رضا ومفرج عن القلب" ثم "وما اكثر هموم المصري، وكيف يرتاح والنظام الاجتماعي مختل والأمة تشقي بأمراضها الثلاثة الفقر والجهل والمرض، ومصر مازالت محتلة بالاجنبي، والحكم غير مستقر" ثم يقول "في السفر ما يميت القلب اذا ما قارن المصري بين ما كان يراه من فشل الأمة في حقها وما يراه في غير مصر من ديمقراطية صحيحة كاملة، فيها الفرد يساوي الفرد حقيقة وليس لأحد من السلطة إلا ما أرادت الأمة أن تعطيه له (65). * وفيما يتحدث أحمد لطفي السيد عن رحلته يقول "ونشبت الحرب في ليبيا بين تركياوايطاليا واغارت ايطاليا علي طرابلس فظننت أن هذه هي الفرصة لتحقيق ما كنت ادعو إليه وهو أن مصر يجب أن تكون للمصريين وأخذت أنبه علي استحياء إلي واجب مصر في هذه الحرب وهي أن تكون علي الحياد، وأن سيادة تركيا لا تجلب لمصر منفعة ولا تدفع عنها مضره، ولا تستطيع أن تنقذها من الاحتلال البريطاني الذي لا يمكن الخلاص منه إلا بتوحدنا والاعتماد علي انفسنا" (ص79) انها احدي حسنات احمد لطفي السيد ورهطه فهم لم يخدعوا ابدا بوهم الخلافة بل اعتبروها عبئا علي الاسلام والمسلمين. * ومرة أخري بواصل احمد لطفي السيد دعوته لفك ارتباط مصر بالدولة العثمانية ونقرأ في المذكرات "في عام 1912 ذهبت إلي حسين رشدي باشا وزير الحقانية مقترحا أن نبدل بالعلم العثماني علما مصريا فرأي أن هذا العمل سابق لأوانه، ثم رجعت مرة أخري إلي رشدي باشا لأطلب اليه أن تعلن مصر استقلالها عن الدولة العثمانية وأن تنصب الخديو ملكا ويعترف لها الانجليز بهذا الاستقلال ورجوته باسم حزب الامة أن يعرض الأمر علي الخديو عباس وعلي المعتمد البريطاني كتشنر وبعد يومين طلبني واخبرني أن الخديو مسرور جدا من هذه الفكرة، اما كتشنر فقد رفضها لأن انجلترا لا تريد مضايقة تركيا. فذهبت إلي كتشنر فقال لقد بسطنا يدنا إلي تركيا فبصقت عليها وولت وجهها شطر ألمانيا ومع هذا فإنني لا أجد الوقت مناسبا لقبول الفكرة" (ص81). * ويمضي أحمد لطفي في مذكراته ليذكر واقعة لم ترد في أي سرد تاريخي لهذه المرحلة "قال لي رشدي باشا أن الخديو يري أن يشكل وفد من عدلي باشا وسعد باشا وأنت للذهاب إلي لندن للسعي في عرض هذا الامر علي الحكومة البريطانية مباشرة وعليه التكاليف. واجتمعنا في بيت سعد باشا لندبر الخطة وبدأت أنا في حملة صحفية بالجريدة بعنوان "سياسة المنافع لا سياسة العواطف" وفي هذه الاثناء قام الامير عمر طوسون وبعض الكبراء والاعيان لجمع تبرعات لمساعدة تركيا في هذه الحرب وأخذوا يطوفون البلاد لهذا الغرض ويشترون السلاح والمؤن ويرسلونها للجيش التركي في طرابلس فتبدت الامة وكأنها كلها تقف مع تركيا فتداولنا نحن الثلاثة سعد وعدلي وأنا في هذا الموقف العسير لأن الأمة وهي في هذا الحال من تأييد تركيا والاقبال علي مساعدتها والتبرع لها لا يمكن أن تبدو وكأنها تريد الانفصال عنها ولهذا لم ينجح مشروعنا (ص82). ونواصل.