أسابيع قليلة ونستقبل بعون الله تعالي أشرف شهور العام شهر رمضان المبارك. وعلي مدي سنوات طويلة ارتبط هذا الشهر الكريم في أذهان المصريين بما تقدمه شاشات التليفزيون من فوازير وبرامج كوميدية وأعمال درامية بصورة مكثفة ومبالغ فيها إلي حد بعيد. وأصبح شهر الصوم والعبادات موسما سنويا تتسابق فيه القنوات الفضائية والأرضية علي إمطارنا بسيل من الأعمال الدرامية التي زادت في العام الماضي علي خمسين مسلسلا معظمها من انتاج مصري وبعضها من انتاج سوري وكويتي كما دخلت الأعمال الدرامية التركية والهندية والكورية المدبلجة سوق المنافسة مؤخرا. ولقد كانت الدراما التليفزيونية والسينمائية علي مدي التاريخ واحدة من أهم أدوات القوي الناعمة لمصر ومن أكثرها تأثيراً. وكانت الدراما المصرية سابقاً تقدم وجبة فنية وثقافية محرمة لا تستحي الأسرة من مشاهدتها عبر قنوات التليفزيون ففيها الكوميديا الراقية والتراجيديا المحبوكة والتي تخلو من كل ما يخدش حياء المشاهدين ويزعزع ثوابتهم. وفي ظل المنافسة الشديدة بين القنوات الفضائية والتي خصصت أعداد كبيرة منها لإنتاج وتقديم الدراما فقط ودخول العديد من غير ذوي التخصص واجتياح رأس المال "مجهول المصدر" ميدان الانتاج الدرامي أصبح التركيز علي الكم وليس الكيف.. فظهرت أعمال درامية لا تمت للفن والإبداع بصلة وان كانت تحقق بالتأكيد أرباحا طائلة. والمتابع لما تقدمه القنوات المصرية والعربية من أعمال درامية خلال شهور رمضان في السنوات العشر الأخيرة يلحظ انحرافا واضحا وخللا بينا في تلك الأعمال سواء من حيث قيمتها الفنية أو من حيث المحتوي والقيم والسلوكيات التي تسعي لنشرها والترويج لها. وأمامنا العديد من الدراسات العلمية التي تناولت بالبحث والتقييم ما قدمته دراما رمضان من أفكار وقيم سلبية تسيء للواقع المصري وتسفه الشخصية المصرية وتنال من كرامة المرأة المصرية فلقد أصبحت أهم مكوناته الوجبة الدرامية "راقصة « بلطجي « مخدرات « خيانة زوجية « عبارات رخيصة ومتدنية". واختفت أو كادت تلك الأعمال الرصينة التي تناقش الواقع ومشكلاته وتسعي لإيجاد حلول مبتكرة لها وتعلي من شأن القيم والأخلاق وتقدم صورة واقعية للشخصية المصرية الصابرة والمثابرة. ويبدو ان الدولة كما تخلت لظروف طارئة عن كل منابع الفكر والإبداع فقد تركت المجال لأولئك المتاجرين في الأعراض والباحثين عن المزيد من الإعلانات والأرباح ولو علي حساب القيم والأخلاق بل والوطن ذاته!! وإذا كنا نرفض هذا الكم الغث والردئ من الأعمال الدرامية في كل الأوقات إلا اننا أكثر رفضاً له في شهر رمضان. يساورني شك كبير في ان القائمين علي الانتاج الدرامي يعرفون حديث المصطفي صلي الله عليه وسلم والذي يقول "إذا جاء رمضان صفدت الشياطين" وأياً كان الخلاف حول تفسير كلمة "التصفيد" وكينونته وهل هو لكل الشياطين أم للمردة منهم فقط فإن الدراما التليفزيونية الخرقاء التي تتسابق علي تقديمها قنواتنا تفتح باب النجاة والحرية لآلاف من شياطين الإنس وتعتقهم من الأصفاد!! اللهم إنا ندعوك أن تبلغنا رمضان وترزقنا فضل صيامه وقيامه. اللهم قنا شر ما سوف تأتي به دراما التليفزيون ومسلسلاته في رمضان القادم!!