حذر العلماء المشاركون في صالون الأوقاف الثقافي الثاني من انتشار ظاهرة الإلحاد في ظل وجود أسبابه وزيادة مخاطره.. واختلفوا في اعتبار الإلحاد ظاهرة أم عرض زائل رغم اتفاقهم علي كونه ردة فعل للتطرف والتشدد والغلو وجمود الخطاب الديني وعدم مسايرته العصر مع عدم إغفال شبهة التآمر الخارجي علي الأمة وشبابها.. وأكدوا أن نشر مثل هذه الأفكار الهدامة وسيلة جديدة للاستعمار بشكل لم نألفه بعد.. انتقدوا بعض الآراء الفقهية التي عفا عليها الزمن وأصبحت خارج سياق الزمان والمكان مما أظهر المسلمين في عيون الآخرين في صورة متردية. في البداية تحدث الدكتور عبد الله النجار - الأستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر فأكد أن قضية الإلحاد ليست وليدة العصر ولكنها قديمة قدم التاريخ والإسلام بل إن كل دين من الأديان كان يواجه بمن يستكبرون ويستنكفون الإيمان بالله عز وجل. إلا بما تصل إليه حواسهم. ومعروف أن الإيمان هو الإيمان بالغيب ويقتضي أن يسلم الإنسان لله عز وجل بعد الإيمان بوجوده. أضاف الدكتور النجار: أن البعض لا يؤمنون بهذه المنظومة. ويعتبرون أنفسهم غاية موجودة في الكون ووجودهم محض صدفة. والإلحاد في ذاته هو الشطط والانحراف عن منهج الحق أو الخروج عن جادة الصواب ومعناه في اللغة ¢الكفر بالله عز وجل¢ لأن الإنسان الطبيعي الذي فطره الله لا يمكن أن يستنكف بطبيعته الإيمان بالله القائل ¢ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ¢. أشار الدكتور النجار. إلي أن إلحاد بعض الشباب لا يمكن تبرئته من تآمر البعض عليهم كما أن الاستعمار الثقافي للبلاد العربية والإسلامية يهدف إلي تدمير عقيدة الشباب المسلم ولهذا حذرنا القرآن من الإلحاد والملحدين حيث ذُكره في لفظاً ومشتقاً في ستة مواطن بالقرآن الكريم. عن أسباب الإلحاد قال الدكتور النجار : له أسباب ووسائل عديدة أهمها: شراء الذمم بالمال. وتآمر القوي العالمية علي بلاد المسلمين طمعاً في تقسيمها والاستيلاء علي خيراتها من خلال القضاء علي الإيمان وهو المنوط بحماية الأوطان. وكذلك باستهداف عقل الإنسان الذي هو أساس وجود الإنسان واهم وسيلة لمقاومة الإلحاد. وحذر الدكتور عبد الله النجار. من الكتب والمطبوعات التي تتكلم عن قضايا الدجل والشعوذة الجن والفلك وتفسير الأحلام وغير ذلك والتي تغيب عقل الإنسان وتعجزه عن إدراك الواقع ووصل الأمر إلي أن هناك كتبا تشرح غيبيات تشرح أمور لم يكلف الله الإنسان إلا بالعمل بها فقط دون الخوض في تفصيلاتها. فهي غيبيات أخذت عن الرسول صلي الله عليه وسلم ولم يكلفنا الله سوي بالإيمان بها كما سمعناها. كمن يشرح ما يحدث للإنسان داخل القبر وهي تفصيلات لا يعلمها إلا من توفي ولدينا من قام بتأليف ثمانية مجلدات تتكلم عن الوفاة وتغسيل الميت وأسميتها ¢فقه الموت¢ وكل هذا يضر شبابنا ويغيبهم عن فهم واقعهم ومستقبلهم لأن هناك أناسا يريدون أن يجعلون عداءً بين الدين والدنيا. وكأن الدنيا أو العمل لها أو التحدث عنها شئ معيب رغم أن الله تعالي يقول: ¢وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا¢. انتقد الدكتور النجار. بعض الدعاة الذين يذكرون وينقلون من التراث آراء فقهية اجتمع العلماء علي أن العمل بها قد توقف لزوال سبب وجودها وأنها لا تناسب الواقع أو الزمان الذي نعيشه لأن بعض هذه الآراء الفقهية وليدة زمانها ومكانها ولا يصح ولا من الحصافة ذكرها الآن والأخذ بها والتي قد تكون سلاحاً للبعض ليحارب به الإسلام والمسلمين.. فهل يعقل أن نقول ببعض الآراء الفقهية التي قيلت في الرق. وهل ينبغي أن نحيل الناس إلي عبيد حتي نطبق بعض الأحكام الفقهية؟ ومثالها الآراء الفقهية في الجزية وغيرها ولهذا فإن هناك من يريد للأمة التناحر بالفكر الذي يسبق العمل والدخول في دوامة الصراع علي غرار سوريا وليبيا والعراق وهذا كله يدعو للتطرف المضاد وهو الإلحاد. طالب الدكتور محمد سالم أبو عاصي - عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر - بوجوب مناقشة الفكر الملحد نقاشاً علمياً لأن النقاش الفسلفي الكلامي الذي ذكره أئمة علم الكلام قديماً هو الوسيلة التي تقتل ظاهرة الإلحاد مع أن علم الكلام يطعن فيه الكثيرون من الجماعات ويحرمونه ويكفرونه وللأسف تسللت هذه الظاهرة إلي بعض الأزهريين. يري الدكتور أبو عاصي. أن الإلحاد لم يصل بعد إلي مرتبة الظاهرة في المجتمع ذلك لأننا لا نملك إحصائيات علمية دقيقة تدلل علي نسبة الإلحاد في مصر وقد نقرأ أن النسبة مختلفة له ولكنها كلها غير دقيقة وغير موثقة وهذا كله لا يجعلنا نصف الإلحاد بالظاهرة ومع هذا فإن البواعث التي تدفع إلي الإلحاد كثيرة وقد تبلغ 20 سبباً ويمكن تلخيصها في أمرين أساسيين أولهما: التطرف والتشدد والغلو. والأمر الثاني: الثورة علي العقلية الأسطورية وأشار إلي أنه بمناقشة أحد الملحدين وجد أن الخطاب الديني وما يعتريه من النبرة الحادة والنظرة الأحادية والكبت والمنع كان السبب المباشر في إلحاده وخاصة أن الشباب لديه الكثير من التساؤلات والعالم يموج من حوله بالأفكار والتفاعلات وكذلك فإن الخطاب الديني الذي يبتعد عن مخاطبة العقل والمنطق وسرد القصص التي لا يحترمها العقل كل هذا يجعل الشباب يتمردون علي ما يسمي بالعقلية الأسطورية كما أن هناك فئة كبيرة من الشباب تُلحد عن علم وليس عن جهل أو خطاب ديني متشدد فهو يقرأ في الفيزياء الحديثة والفلسفات ويناقش بعمق كبير جداً والفيصل والحل لمعالجة الإلحاد أن نرد ونناقش ونفند. المواجهة الاجتماعية أكد الدكتور علي ليلة - أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس - علي ضرورة مواجهة ظاهرة الإلحاد التي تستهدف الشباب والتي وإن تركناها ستفقدنا إسلامنا وبلدنا وستفكك مجتمعنا وتجعله يتحلل ويندثر وهذه الظاهرة لها أسباب أهمها: الهجمة الغربية علي الإسلام التي تستهدف الشباب الذي يمثل غالبية الشعب وعماده الأول. اتهم الدكتور علي ليلة. الدولة بالتقصير في معرفة وتحديد حجم الظاهرة ومن ثم تسهل عملية الدراسة وتحديد السياسات المناسبة لمواجهة هذه الظاهرة التي يمكن حصر أسبابها و منها أسباب عالمية مثل تراجع دور الدين في أوربا واحتلال العلم والمادة العقول والقلوب. وهناك أسباب أخري خاصة بمجتمعنا مثل انحطاط القيم والأخلاق وتبدل نظم الحياة الاجتماعية والأيديولوجية وأسباب خاصة بالأسرة المصرية مثل التفسخ وارتفاع معدلات الطلاق وأسباب خاصة بالشباب أنفسهم مثل افتقاد القدوة.