يوما بعد يوم يتبين لنا أننا نعيش زمن الفتنة الذي قال عنه رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم : "يأتي زمان علي أمتي. القابض علي دينه كالقابض علي جمرة من النار" فقد انتشر الجهلاء وأنصاف المتعلمين يقولون: هذا حلال وهذا حرام. ويستحدثون أفعالا وأقوالا ما أنزل الله بها من سلطان ينسبونها للإسلام.ويحاولون أن يقنعوا بها البسطاء من العوام.. وفي غمرة ذلك تواري توقير العلماء والمفترض منهم أن يشكلوا حائط صد لرفع ما أحدثه هؤلاء الأدعياء من بلاء فأصبح المشهد يبدو وكأن الباطل قد علا صوته. بينما الحق تائه يبحث عمن يضعه في نصابه. في التحقيق التالي نستطلع آراء الخبراء والمتخصصين في كيفية مواجهة فكر الخوارج والمدعين باسم الإسلام. في البداية استطلعنا آراء المواطنين عن السبيل لمواجهة الحرب علي الإسلام فماذا قالوا؟ محمد عبد الرحمن- مندوب بريد بالمقاولين العرب- يقول: لابد أن نغير ما بأنفسنا قبل أن نتحدث عن مواجهة الخوارج الذين يكرهون أنفسهم وبلدهم صاحبة الفضل عليهم . أما مسئولية المقاومة فتلقي علي عاتق الحكومة والأزهر وعلي كل مواطن منا بالابتعاد عنهم وعدم الالتفات لآرائهم مع ضرورة تجاهل الإعلام لهم. محمد حامد- سائق- فيطالب باحترام التخصص فهو الحل. فلا يعقل أن نترك الدين يتحدث فيه كل من هب ودب متعلما كان أو أميا يتكلم باسم الدين خاصة أن هناك من يصدق كل ما يقال فليلتزم كل منا تخصصه حتي نوقف هذه الحرب الشرسة التي لن تفلح في تشويه صورة الإسلام. أما علاء أحمد- سائق فيري أن هذه الجماعات لا تمت للإسلام بصلة. فالمسلم لا يؤذي المسلم. بل ولا يؤذي حتي الكافر لذا فهم لا يتخذون من الإسلام إلا المظهر فقط . صحيح أن أفعالهم تشوه صورة الإسلام لدي الغرب لكن الأوروبيين يدركون جيدا حقيقة الإسلام بل إنهم يشترون بعضا من المصريين لكي يخربوا دينهم ويظهروه بصورة مخالفة لحقيقته وهذا ما يحزننا أن تأتي الضربة للإسلام من الداخل. أبدي علاء أسفه من غياب دور الأزهر الذي لم يطلق حتي الآن قناة خاصة به تتحدث باسم الإسلام وترد علي القنوات التي تحلل وتحرم وفق هواها. وتؤكد ميرفت وحنان أن الشعب هو الذي تُلقي علي عاتقه مسئولية مقاومة الخوارج وهذا يعني ضرورة تكاتفنا جميعا- كل في موقعه- لأن فردا أو جهة واحدة لن تنتصر في هذه الحرب بمفردها. أحمد درويش- موظف بالمعاش- يقول :طالما غاب ضمير الإنسان. فلنتوقع منه أي شيء حيث يدخل في مرحلة اللاوعي. وهنا يظهر دور الإعلام في ضرورة تولي مسئولية إيقاظ ضمائر الجماعات المتطرفة وتنبيههم إلي أن ما يفعلونه قد يصيبون به أهلهم وأقاربهم. مع أهمية انتباه الحكومة للمشاكل التي يعانيها الشباب كالواسطة والمحسوبية والتي تلقي بهم في دائرة اليأس وتجعلهم صيدا ثمينا للجماعات المتطرفة. المؤسسات المسئولة من جانبه يوضح الدكتور كمال حبيب- خبير شئون الجماعات الإسلامية والمحلل السياسي- أن المؤسسات الدينية ممثلة في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء كلها مؤسسات رخوة لا تزال تمارس عملها التقليدي القائم علي فكرة الوظيفة أكثر من فكرة أن هناك خطرا يحتاج إلي مواجهة. فوزارة الأوقاف مثلا تقول إنها رصدت الجماعات التكفيرية تاريخيا وإذا بحثنا عما قدمته في هذا الصدد منذ ظهور الفكر التكفيري حتي الآن نجده ورقة هزيلة لم تنشر علي الرأي العام ولم تأخذ حقها في التغطية الإعلامية. ولم تفكر الوزارة أو المشيخة أو دار الإفتاء في عقد مؤتمر يعرض أوراق عمل ذات قيمة لمواجهة هذا الفكر.. بل اقتصر دورهم علي إصدار بيانات أقرب إلي السياسة. مع أن المفترض أن تكون هناك رؤية استراتيجية للمؤسسة الدينية لكنهم يعملون كموظفين فحتي إذا فكروا في عقد مؤتمر نجده يسيطر عليه فكرة الشللية . والمفترض في مثل هذه المؤتمرات أن تضم متخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس والظواهر الإجرامية والسيكوباتية. قناة الأزهر ينتقل د. حبيب إلي الحديث عن المراكز البحثية قائلا : لقد أصدر المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية اثني عشر مجلدا باسم "مسح مصر" فلماذا لم يفكر وغيره من المراكز في مسح الظاهرة الإرهابية؟ وماهي وظيفة مثل هذه المراكز إذن؟ وأين أقسام علم النفس والاجتماع والعلوم السياسية بالجامعات المصرية من دراسة الظاهرة؟ مشددا علي أن بعض المراكز الخاصة تقوم بدعوتهم كخبراء للمشاركة في دراسة الظاهرة الإرهابية ومحاولة وضع حلول لها. أما مراكز الدولة فهي للأسف تغط في نوم عميق. ويصف د. حبيب الإعلام الموجود حاليا بأنه أحد الأسباب المنتجة لظاهرة التطرف. فمعظم الأطراف التي تظهر في الإعلام علمانية متطرفة. ورغم أننا ضد التطرف العلماني والإسلامي علي حد سواء. إلا أن ما يحدث علي أرض الواقع أننا نضرب في الغلو الإسلامي بل ويمكن أن نلحق الأذي ببعض تياراته الوسطية. ونترك الغلو العلماني يتمدد ويتطرف فنترك برامج الرقص والخلاعة تنتشر دون حسيب أو رقيب فماذا ننتظر من شاب يشاهد مثل هذه البرامج؟ لابد أن تكون اليد العليا للدولة لوقف مثل هذه المهازل. طالب الدكتور كمال حبيب بضرورة وجود قناة للأزهر الشريف تقوم علي العلم والبحث والمنهج السليم. انتقد حبيب أداء وزارة الثقافة التي يضع وزيرها نفسه في مواجهة الأزهر محدثا انقساما في الهوية. وإذا نظرنا لمطبوعات وزارة الثقافة نجدها تفسح المجال لعلمانيين متطرفين لإصدار سلسلة عن الإسلام السياسي كما أن المراجعات الفكرية لا وجود لها في مطبوعات وزارة الثقافة. لذا فنحن بحاجة إلي هيئة مستقلة مكونة من أصحاب الخبرات من جميع التيارات: إخوان. جهاديين . سلفيين أزهريين وأكاديميين لإجراء المراجعات بشكل علمي سليم. منهج واحد الدكتورة إلهام محمد شاهين- أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر- توضح أن الحديث عن مواجهة فكر الخوارج يستلزم تعريف مصطلح الخوارج نفسه أولا. فالخوارج هم الطوائف التي لديها اجتهاد في الدين. لكن السمة الغالبة عليهم هي الغلو فنجدهم يُكفّرون أهل المعاصي ويُحقّرون أعمال الناس الصالحة ويعتبرونها قليلة.. وهؤلاء قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فيهم : "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة" وفي رواية أنه صلي الله عليه وسلم قال : "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود". تضيف: ورغم أن الحديث به ضعف. إلا أننا لا نأخذ منه القتل. ولكن نستخلص منه أن هؤلاء الخوارج يخرجون من الإسلام السمح إلي الغلو في الدين وهو منهي عنه شرعا.. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "إن الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه فسدّدوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". وإذا نظرنا الآن إلي فرقة مثل داعش يمكن أن ينطبق عليهم لفظ خوارج لأنهم مسلمون لكنهم متشددون يتبعون منهج الغلو ويحاسبون الآخرين ويكفرون أصحاب المعاصي. تشير د. إلهام إلي أن تقصير الحكومات في تطبيق الشريعة الإسلامية وانتشار الفساد والمحاباة وتقريب العصاة والفاسدين من السلطة.. كل هذا يعطي هؤلاء ذريعة للقيام بالمهام التي يجب أن تقوم بها الحكومات كما يعطيهم مبررا للوجود لأنهم يأخذون التقصير في تطبيق الشعائر حجة والحرص علي تطبيق الشريعة منهجا وكأنهم هم القائمون علي حماية الدين. فإذا قامت الحكومات بواجبها في هذا الصدد علي كل المستويات بحيث يحظي العلماء بالعناية والرعاية الكافية وتحظي المؤسسات الدينية باهتمام الدولة عندها قد لا يجد هؤلاء مبررا للقيام بأفعالهم لأن المعروف أن الإفراط يقابله تفريط والتفريط يقابله إفراط فإذا أفرطنا في الاهتمام بمرتكبي المعاصي والخارجين عن تعاليم الدين لابد أن نتوقع ظهور المتشددين في المقابل. لذا لابد أن تقوم الحكومات بدورها في تطبيق الشريعة والاهتمام بالدين لأن هناك حاليا إهمال شديد للدين وللمؤسسات الدينية . والشعوب ليست غبية. لكنها تريد واقعا عمليا وليس مجرد كلام. تستكمل قائلة : في المرحلة الثانية يأتي دور العلماء المسلمين في التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة لأن التضارب والتناحر والتفرق كلها أمور تعطي الفرصة للانفلات. فداعش مثلا جماعة سنية لكنها تتسم بالمغالاة والإفراط لعدم وجود من يحتويهم بعد أن أصبحت الفرقة الواحدة تفترق لعدة فرق. لذا لابد أن نعود مرة أخري أمة إسلامية بمنهج واحد يسعي للتقريب بين المذاهب المختلفة حتي نحتوي أمثال هؤلاء. حكمة إلهية ويقول الشيخ محمد عيد كيلاني- مدير عام المساجد الأهلية بوزارة الأوقاف-: طبيعة الناس التي فطرهم الله عليها هي التفاوت في الفهم وفي الفكر. فعقول البشر ليست واحدة. كما أن طبائعهم ليست واحدة وهذه حكمة إلهية ليكون أفراد المجتمع كله بحاجة إلي بعضهم البعض وحسبنا أن الكلمة قد تكون واحدة ويختلف الناس في فهم المراد منها. والأمثلة علي ذلك كثيرة منها قول رسول الله صلي الله عليه وسلم لأصحابه : "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة". وقد اختلف أصحاب النبي في فهم المراد فمنهم من صلي العصر حين أوشكت الشمس علي الغروب. ومنهم من امتثل كلام رسول الله حتي وصل لبني قريظة. يضيف الشيخ كيلاني: هناك مثال آخر في اختلاف الفهم حيث حكي الشيخ الراحل الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود -رحمه الله - أن نفرا من الناس كانوا يجلسون وسمعوا قائلا يقول: " سعتر بري " فتساءلوا فيما بينهم. قال واحد منهم :أنا سمعت : اسع تري بري. وقال الثاني : وأنا سمعت : الساعة تري بري . أما الثالث فقال : سمعت : ما أوسع بري. إذا فالاختلاف في فهم النص وارد. ومن هنا كانت نشأة الخوارج حين اختلفوا في فهم النص. شدد الشيخ محمد عيد علي أن الاختلاف ليس كله مذموما. إنما المذموم أن نتعصب لرأي دون رأي أو أن نتمسك بالرأي الواحد وهذا مكمن الخطر. فمواجهة الفكر لابد أن تكون بالفكر ومواجهة الحجة لابد أن تكون بالحجة بشرط أن يتقبل كل منا رأي الآخر وحسبنا الأئمة المجتهدون وعلي رأسهم الإمام الشافعي رضي الله عنه وقد قال كلماته المأثورة : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. من هنا يري الشيخ عيد ضرورة أن ينشط العلماء والدعاة لله ليبصروا الناس بأمور دينهم مؤكدا أن ديننا عظيم لا لبس فيه ولا غموض وإنما يجب أن نأخذه من العلماء لا من أنصاف المتعلمين والجهلاء لقول الإمام مالك رضي الله عنه : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. اهتزاز المعايير الدكتور عبد الرؤوف الضبع- أستاذ الاجتماع ووكيل كلية آداب سوهاج سابقا- يوضح أن مواجهة فكر الخوارج تبدأ من الأسرة. فدورها مهم للغاية في تربية أولادها وتصحيح أفكارهم المغلوطة فلابد أن يعطي الأب والأم مزيدا من الوقت للأبناء لحمايتهم من هذا المرض لأن صحيح الإسلام لا يعرف التطرف وفكر الخوارج. أضاف قائلا : يأتي بعد ذلك دور بقية مؤسسات الدولة وبشكل خاص الجامعة في إفساح المجال للحوار والإقناع بالحجة وتنمية العقل الناقد لدي الطلاب حتي يتم شفاء هؤلاء من المرض الذي يصيبهم لأن الحل الأمني لازم في مرحلة معينة لكنه لا يصلح أن يكون الحل الوحيد في التعامل مع الشطط الفكري أو المرض الفكري.لفت الضبع إلي أن الشرائح التي أصيبت بهذا المرض متعددة الدرجات. فهناك حالات يمكن شفاؤها بسرعة من خلال احتضانها وإقناعها والتحاور معها علي أن يكون المحاور صاحب عقلية قادرة علي الإقناع لا الخطابة.ففي الخطاب الديني هناك عقلية قادرة علي الإقناع. وأخري تأخذ من الخطابة منهجا.. نحن بحاجة إلي النوع الأول لنتحدث معا بالمنطق. يشدد د. الضبع علي أنه في أعقاب الثورات عادة ما تتعرض المجتمعات لمثل هذه الظواهر التي أطلق عليها " أنومي" : اهتزاز المعايير أو فقدان المعايير مشيرا إلي أن المثقفين والليبراليين المستنيرين عليهم دور هام يتمثل في ضرورة الاقتراب من المتطرفين دون مهاجمتهم لأنهم يعانون مرضا فكريا والطبيب لا يهاجم مريضه بل يعالجه كذلك المثقفون لابد أن يتعاملوا مع المتطرفين علي هذا الأساس. حرب عالمية علي النقيض يرفض د. أحمد عبد الرحمن- أستاذ الأخلاق والفلسفة الإسلامية- إطلاق لفظ الخوارج الذي اعتبره مصطنعا من قبل الإعلام لمحاربة الإسلام وقال إنه لا يوجد حاليا خوارج بالمعني الإسلامي المتعارف عليه . بل هناك حرب علي الإسلام وهي حرب عالمية تتزعمها الولاياتالمتحدة وإسرائيل والدول التي تدور في فلكهما. فهم يخافون من الإسلام خوفا شديدا والفكر الغربي الآن يتهاوي أمام الإسلام حيث ترك كبار المفكرين الأجانب فكرهم واعتنقوا الإسلام. أما مصطلح خوارج فكان يطلق علي من يخرجون علي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعلي الحكم الإسلامي في عهده. وكان يمثل الإسلام الرشيد فكان الخروج عليه هو الخروج. أما الآن فيتم استخدام لفظ الخوارج للتشنيع علي بعض التيارات الإسلامية فنحن الآن إزاء موقف يضم إسلاميين وعلمانيين ومرتدين وأنا أخشي - والكلام للدكتور أحمد عبد الرحمن - أن تدور الأمور في هذا الإطار فالبعض يعتبر الإخوان المسلمين خوارج. والإخوان يعتبرون العلمانيين خوارج رغم أن الأصل أن الخارجين عن الإسلام هم الخوارج. وإذا نظرنا إلي العصر الحديث نجد أن كل النظم الحديثة تقريبا خارجة علي الإسلام وتحاربه كالنظم العلمانية وغيرها. لكن إذا أطلقنا عليها لفظ خوارج فسوف نتهم بالإرهاب والرجعية والتخلف.وعن مواجهة الحرب الموجهة ضد الإسلام أكد أن القضية كبيرة جدا يدخل فيها العنصر السياسي ففي بغداد الآن هناك محاولة لإحياء دولة الخلافة الإسلامية. وفي مصر معروف من هم الإسلاميون. وهكذا ستظل المعركة قائمة بهذا الشكل خاصة وأن القدرة علي الإقناع مسألة لم تعد سهلة في ظل تخلي الأزهر عن دوره تقريبا فلم يعد له تأثير علي الوضع السياسي أو العقائدي بعد أن انتزع منه دوره. لذا فنحن أمام معركة كبيرة سياسية اقتصادية اجتماعية عقائدية تتدخل فيها الدول الكبري والصغري تنصر فريقا علي الآخر وتستخدم القمع والقتل والتشريد وتحول الخروج من خروج علي الإسلام إلي خروج علي الحاكم فمن يخالف الحاكم يعتبر خارجا ويعاقب عقابا شديدا قد يصل لحد القتل.